الرقابة الذكية مؤامرة صامتة ضد حرية الإبداع

في دهاليز مراكز البيانات العملاقة، حيث تهمس الخوارزميات بلغة لا يفهمها إلا قلَّة، تُحاك مؤامرة صامتة ضد حرية الإبداع. إنها ليست قصة من فيلم خيال علمي، بل واقع مرير نعيشه في 2025، فقد أصبحت «الرقابة الذكية» أخطر من أي رقابة بشرية عرفها التاريخ. هنا، في هذا العالم الموازي، لم تعد المقصات بيد الرقيب التقليدي، بل صارت في قبضة آلات لا تعرف التعب ولا الشفقة، تقطع وتعدِّل وتشوِّه دون أن ترتعش يدها.

كيف تتحكم الخوارزميات في المحتوى الإبداعي؟

الأمر بدأ بتطبيقات بريئة تهدف لحماية الأطفال من المحتوى العنيف، لكنه تحوَّل إلى وحش كاسر يهدد حرية التعبير ذاتها. الآن، يمكن لخوارزمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي أن تمسح مشهدًا كاملًا من فيلم لأنها قررت أنه «غير لائق»، ليس بناءً على قانون مكتوب، بل حسب معادلات رياضية غامضة.

والعجيب أن هذه الخوارزميات تطورت حتى إنها تستطيع تعديل المحتوى حسب الدولة، المدينة، والحي السكني الذي يعيش فيه المشاهد!

رقابة بلا قوانين مكتوبة

في قلب هذه الكارثة تقف شركات التكنولوجيا العملاقة التي تزعم أنها «تحمي المجتمع». لكن الوثائق المسربة تروي قصة مختلفة. هناك اجتماعات سرية بين مسؤولين حكوميين ومهندسي برمجيات، حيث يتم الاتفاق على «قوائم حمراء» من الموضوعات المحظورة التي لا تظهر في أي وثيقة رسمية.

الأكثر إثارة للقلق أن بعض هذه الخوارزميات بدأت تفرض رقابة «وقائية»، حيث تحذف مشاهد قد تبدو بريئة اليوم، لكنها «قد» تسبب مشكلات في المستقبل حسب تحليلات الذكاء الاصطناعي.

لكن القصة لا تنتهي عند هذا الحد. هناك أدلة على أن بعض الحكومات تستخدم هذه التقنيات لفرض رقابة عكسية غريبة. بدلًا من منع المحتوى، يحقنون أفكار معينة في الأعمال الفنية عبر إضافة مشاهد أو حوارات لم يكتبها المؤلفون أصلًا. فيلم وثائقي عن الاحتباس الحراري تم تعديله ليشمل مقاطع تروج لرؤية حكومية معينة، كل ذلك دون علم صناع الفيلم أنفسهم!

الرقابة الفنية بالذكاء الاصطناعي

الأكثر إثارة هو كيف أثرت هذه الرقابة الذكية في العملية الإبداعية ذاتها، فبعض المخرجين بدأوا ينتجون «أفلامًا شبحية» تحتوي طبقات خفية من المعاني، حتى إذا حذفت الخوارزمية جزءًا ما، يظهر جزء آخر يحمل الرسالة ذاتها بطريقة مختلفة. وآخرون يلجأون إلى الرموز والإيحاءات التي تفهمها العين البشرية لكن لا تستطيع الخوارزميات تفسيرها.

رد فعل الفنانين الرموز والتلميح بدلًا من التصريح

النصيحة الأهم في هذا العصر الغريب: كن مثل الماء. تعلَّم كيف تعبِّر عن أفكارك دون أن تثير إنذارات الخوارزميات. استخدم الشعر حين يفشل النثر، استخدم الرمز حين يُحظر التصريح، استخدم السخرية حين تقع الجدية تحت المقص. وتذكر دائمًا أن كل رقابة في التاريخ أخفقت في النهاية؛ لأن الإبداع البشري أذكى من أي آلة، وأقوى من أي نظام.

العجيب أن هذه الرقابة الذكية تخلق فنًا جديدًا لم نكن لنعرفه لولا هذا التحدي. أفلام تتحدث عن الرقابة دون أن تذكرها، أعمال فنية تصبح أكثر عمقًا؛ لأنها اضطرت للاعتماد على التلميح بدل التصريح. 

في النهاية، هذه المعركة تطرح أسئلة وجودية: من يحق له أن يقرر ما نراه؟ هل يمكن أن نثق بآلة لتحديد ما المناسب لنا؟ وأين هي الحدود بين الحماية والاستبداد؟ الإجابة ليست في يد التكنولوجيا ولا الحكومات، بل في يد كل مشاهد يرفض أن يكون مجرد رقم في قاعدة بيانات، وكل فنان يصر على أن يكون صوته حرًا. ففي عصر الآلات الذكية، يصبح التمساك بالذكاء الإنساني الحقيقي أعظم أنواع المقاومة.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.