الذكاء الاصطناعي

صراع الذكاء الاصطناعي ورأسمالية المراقبة

جاء في موقع Scientific American دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعتي أوكسفورد البريطانية وييل الأمريكية أن هناك احتمالًا بنسبة 50% بأن يتفوق الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري في جميع المجالات في غضون 45 عاماً، كما من المتوقع أن يكون قادرًا على تولي كافة الوظائف البشرية في غضون 120 عامًا.

ولا تستبعد نتائج الدراسة أن يحدث ذلك قبل هذا التاريخ.

تقول الدراسة

"الآلات ستتفوّق على البشر في ترجمة اللغات بحلول عام 2024م، وكتابة المقالات المدرسية بحلول عام 2026م، وقيادة الشاحنات بحلول عام 2027م، والعمل بتجارة التجزئة في 2031م، بل وفي كتابة واحد من أفضل الكتب مبيعًا بحلول عام 2049م، وفي إجراء الجراحات بحلول عام 2053م.

إن الذكاء الاصطناعي يُحسِّن قدراته بسرعة، وعلى نحو متزايد في المجالات التي يسيطر عليها الإنسان تاريخيًّا، في برنامج (ألفا جو) المملوك لشركة جوجل هُزم مؤخرًا أكبر لاعب في العالم في اللعبة الصينية القديمة المعروفة باسم (جو)، وتُعَدُّ لعبة (ألفا جو) أحد التحديات الكبيرة بالنسبة للكمبيوتر، وهي تفوق تحدي لعبة الشطرنج.

تقول (كاتيا جريس) -الباحثة بمعهد مستقبل البشرية في جامعة أوكسفورد-: "نعمل حاليًّا على مقارنة قوة الدماغ بالنسبة لقوة الحواسيب الفائقة؛ للمساعدة في معرفة ما يكفي من الأجهزة لتشغيل شيء معقّد مثل الدماغ".

لقد انتهى الملخص التقني الذي توصلنا إليه في دراستنا إلى أن الذكاء الاصطناعي على المستوى البشري سيكون له آثارًا بعيدة المدى على المجتمع، وتحديدًا خلال القرن المقبل، مُوضِّحةً أن معظم فوائد الحضارة تنبع من الذكاء، ومن المهم جدًّا البحث عن وسائل تمكِّننا من تعزيز فوائد الذكاء الاصطناعي دون استبدالها في سوق العمل.

وتقول (جريس): "الآثار الاجتماعية لتطور الذكاء الاصطناعي ستعتمد على كيفية رد فعل المجتمع تجاهه، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى وجود أعداد كثيرة من العاطلين عن العمل، ونقص معدلات الدخل المادي لهم أو يمكن أن يؤدي إلى دعم الجميع تقريبًا من قِبَل التكنولوجيا، وتحريرهم من أعمال عديدة؛ بما يجعلهم قادرين على قضاء أوقاتهم في أداء أنشطة أخرى نافعة بالنسبة لهم".

لكن يري (جيورجيس ياناكاكيس) -الباحث في مجال الذكاء الاصطناعي بجامعة مالطا- أن "معظم جوانب الدراسة ركّزت على النواحي الإدراكية من الذكاء، التي تتناسب مع أداء مهام محددة تحديدًا جيداً.

ولكن هناك جوانب أخرى من الذكاء، مثل الذكاء الانفعالي، تتجاوز عملية الإدراك".

ويضيف: "من المهم أن نتساءل متى يتفوّق الذكاء الاصطناعي على البشر في مجالات الفن أو النقد السينمائي؟".

بينما يقول ماجد المرعشي -أستاذ الذكاء الاصطناعي المساعد بجامعة جِدّة-: "إن الذكاء الاصطناعي يُعَدُّ من أقوى الأدوات التي ستزاحم البشر في أعمالهم، وإن هناك شركات كبرى تخلّت عن معظم موظفيها بعد تفعيل هذه الأدوات، وضرب مثلاً بالخطوط الجوية البريطانية التي تسعى للاستبدال بجميع موظفيها في خدمة العملاء بالهاتف من خلال نظام اتصال ذكي يعتمد على تقنية التعرُّف على الكلام Speech recognition، ولاحقًا من المتوقع أن تسيطر على الأعمال التي تحتاج إلى قرار من خلال أنظمة دعم اتخاذ القرار (Decision Support Systems).

ومن المُتوقع أن يُسهم التقدُّم المتسارع في تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) في إحداث تحوُّلٍ كبيرٍ في نمط الحياة الحديثة عن طريق إعادة تشكيل وسائل النقل، والصحة، والعلوم، وسوق المال، وأيضًا إعدادات الجيوش.

ومن أجل التكيُّف والتوافق مع هذا التغيير؛ ستكون هناك حاجة ماسة إلى إحداث تغيير في السياسات العامة بما يتوافق مع هذه التطورات المنتظرة.

ترى (جريس) أن علينا دراسة تداعيات الأزمات التي ستنجم عن تطور الذكاء الاصطناعي، مثل احتمال حدوث بطالة واسعة، ويجب وضع خطط متنوعة لإعادة توزيع العمالة، وبالنسبة للأفراد يمكن أن يتجهوا إلى الاستثمار في مجالات أخرى.

ومن البدائل يقول المرعشي: الاستثناء سيكون لقليل من المختصين المؤهلين في التعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، ولنا أن نتصور شركة تُقدّم خدماتها لملايين العملاء من خلال عدد لا يتجاوز العشرين من الكفاءات المختصة.

ويقول المرعشي: "ومن التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية أنه من المتوقع أن يكون هناك مزيدٌ من الفروقات الهائلة في مستويات الدخل بين الأفراد، وما قد يتبعها من اهتزازات أمنية وسياسية واقتصادية، وما نراه اليوم من احتجاجات عالمية من سائقي سيارات الأجرة على تطبيقات توجيه القيادة لسيارات الأجرة يعطي لمحة واضحة عن هذا الأثر".

ويضيف: "وهذا التطور سيُسهم في تخفيض تكاليف المنتجات بعد خفض تكاليف الموارد البشرية، فإنه في المقابل سيؤدي إلى انهيار قطاعات وشركات تأخَّرت في اعتماد هذا التوجه ولو كانت كبيرة، وذلك بسبب تغيُّر عوامل التكلفة المؤثرة إلى حد كبير، وربما تتزايد احتمالات ظهور أشكال من الصدام، وعدم التوافق في المستقبل بين هذه المنتجات الذكية والبشر.

مُشددًا على أن ميدان الصِّدام سيكون اقتصاديًّا بالدرجة الأولى، لكن ستتبعه آثار سياسية واجتماعية عنيفة، مضيفًا أنه ربما تلجأ بعض الدول مؤقتًا إلى محاربة وتأخير هذا التوجُّه، ولكنها سترضخ في النهاية؛ فالسوق العالمية لا ترحم أحدًا.
وفي دراسة سابقة أجرتها (إيمي ويب) -الرئيس التنفيذي لوكالة (ويبميديا جروب) المتخصصة في دراسة الاستراتيجيات الرقمية- قد حذرت من أن نحو 4 من بين كل 10 أمريكيين ستحل محلهم في العمل أجهزة ذكاء صناعي في ثلاثينات القرن الحالي، وأن تلك الأجهزة ستقوم بدور أكبر في حياتنا على نحو بات يهدد وظائف العاملين في بعض المجالات والاستعاضة عنهم بآلات وتقنيات جديدة، ومنها خدمة العملاء.

وتشير (ويب) في تصريح نُشر على شبكة موقع (سي إن إن) الأمريكية على الإنترنت إلى أن كثيرًا من الشركات الكبرى نقلت خدماتها للزبائن إلى دول مثل الهند وغيرها من الدول ذات المستوى المنخفض للأجور، وكذلك قطاع السمسرة، إذ يتم الاعتماد على برنامج (بلوكشين).

و(بلوكشين) هو برنامج قادر على معالجة المعاملات تلقائيًّا بشكل دقيق وموثوق به، ما يُؤهله لأخذ مكان الوسطاء في قطاعات البنوك والضمان والتأمين والرهن العقاري.

وهو الأمر الذى دفع مؤشر (ناسداك) إلى الإعلان عن عزمه على استخدامه، ما يمكن وصفه بأنه خطوة أولى في طريق تحجيم العمالة.
وخلصت (إيمي) إلى أن الوقت حان للاستعداد لهذا الإحلال المذهل بما يستوجب وضع خطط مستقبلية تقوم على الاستثمار في التدريب والتعليم وتأهيل العمالة لخوض مجالات عمل جديدة.

بالنسبة لمهنة الصحافة، فبعد أن قضى الإنترنت على عددٍ كبيرٍ من الصحف؛ باتت وظائف العاملين في مهنة الصحافة مُهددة هي الأخرى، وهناك خوارزميات تسمح لمنافذ الأنباء بإنشاء قصص إخبارية تلقائيًّا ووضعها على مواقع الويب دون تفاعل بشري، وجرت تجربة ذلك بالفعل في وكالة (أسوشيتد برس) الإخبارية الأمريكية.

من الممكن أن نشهد قريبًا الاستعاضة عن المحامين في بعض المجالات من خلال تطبيقات مستقبلية، فكتابة الوصية أو حتى الطلاق، ستكون من الأمور التي تتولاها هذه البرامج للأشخاص بشكل أسرع وأقل ثمنًا بالتأكيد.

التأثير الإيجابي والسلبي للتكنولوجيات الرقمية:

يمكن للتكنولوجيات أن تساعد في جعل عالمنا أكثر إنصافاً، وأكثر سلماً وأكثر عدلاً، ويمكن للإنجازات الرقمية أن تدعم كل هدف من أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، وأن تعجِّل بتحقيقها بدءاً من إنهاء الفقر المدقع إلى الحد من وفيات الأمهات والرضع، وتعزيز الزراعة المستدامة، والعمل اللائق، وتحقيق إلمام الجميع بالقراءة والكتابة.

لكن تلك التكنولوجيات يمكن أيضاً أن تُهدّد الخصوصية، وأن تؤدي إلى تقلُص الأمن وتفاقم عدم المساواة، وهي تنطوي على آثار بالنسبة لحقوق الإنسان وفعالية دوره.

وعلينا نحن الحكومات والشركات والأفراد، شأننا في ذلك شأن الأجيال السابقة، أن نختار الكيفية التي نستفيد بها من التكنولوجيات الجديدة ونديرها.

في قطاع الصحة يمكن أن تساعد التكنولوجيات الرائدة التي يدعمها الذكاء الاصطناعي في إنقاذ الأرواح وتشخيص الأمراض، وإطالة العمر المُتوقع.
وفي مجال التعليم، يسَّرت بيئات التعلم الافتراضي، والتعلم عن بُعد إمكانية الالتحاق بالبرامج لطلاب كانوا سيتعرضون دونها للاستبعاد.

وسوف تقتضي تغييرات في النهج الذي تتبعه سياسات التعليم، من خلال زيادة التركيز على العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات، وتعليم المهارات الشخصية، والقدرة على التكيف.

كذلك أخذت الخدمات العامة بفضل المساعدة التي يُقدّمها الذكاء الاصطناعي تزداد سهولة في الحصول عليها، وتزداد خُضوعاً للمساءلة من خلال النظم التي تعمل بتقنية سلاسل السجلات المغلقة.

كما أخذت تبتعد عن الطابع البيروقراطي المرهق، ويمكن للبيانات الضخمة أن تدعم أيضاً سياسات وبرامج أكثر تلبيةً للاحتياجات وأكثر دقة.

الثورات التكنولوجية في سوق العمل ستحدث أشكالاً وأنماط عملٍ جديدة، وفي الوقت ذاته تشير تقارير بعض المجموعات مثل مجموعة (ماكينزي) إلى أن 800 مليون شخص قد يفقدون وظائفهم بسبب التشغيل الآلي بحلول عام 2030م.
إن النسبة الغالبة من جميع الموظفين يشعرون بالقلق من ألا يكون لديهم التدريب الضروري أو المهارات اللازمة للحصول على عمل جيد الأجر.

في مستقبل البيانات نجد الأثر الإيجابي والسلبي معاً، فتجميع البيانات مع الذكاء الاصطناعي سيوفر الجهد والوقت لتتبع المشكلات وتشخيصها في مجالات الزراعة والصحة والبيئة أو لأداء مهام يومية مثل التعامل مع حركة المرور أو دفع الفواتير، ويمكن استخدامها للدفاع عن حقوق الإنسان وممارستها، إلا أنه يمكن استخدامها أيضاً لانتهاك تلك الحقوق، من خلال رصد تحركاتنا ومشترياتنا ومحادثاتنا وسلوكياتنا.

وفي مجال التواصل الاجتماعي نجد الأثر الإيجابي والسلبي معاً حيث تربط وسائل التواصل الاجتماعي ما بين قرابة نصف سكان العالم بالكامل، وهي تُمكّن الناس من إسماع أصواتهم، والتحدث إلى الأشخاص في جميع أنحاء العالم في الوقت الحقيقي، غير أنها يمكن أيضاً أن تُعزز أشكال التحيز، وتزرع الفُرقة بإتاحة منبر لخطاب الكراهية والمعلومات الخاطئة أو عن طريق تضخيم أصدائه.

ومن ثم يمكن لخوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي أن تُعزز تجزئة المجتمعات على نطاق العالم، لكن يمكنها أيضاً أن تؤدي إلى عكس ذلك.

أما في مجال الفضاء الإلكتروني فإننا نجد الأثر الإيجابي والسلبي معاً، فمن الممكن لهذا التعاون الرقمي بين الدول من إيجاد فضاء إلكتروني عالمي يعكس المعايير العالمية للسلام والأمن وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة، باعتباره أمراً بالغ الأهمية لضمان وحدة العالم، ولكنه أيضاً يمكن أن يؤدي لعكس ذلك، فقد حذّر الأمين العام للأمم المتحدة من حدوث صدع كبير بين القوى العالمية، فلكل منها استراتيجيتها الخاصة بالإنترنت والذكاء الاصطناعي، فضلاً عن قواعد العملة، والقواعد التجارية والمالية السائدة لديها، وآرائها الجيوسياسية، والعسكرية المتناقضة، ومن شأن هذه الفجوة أن تنشئ جداراً رقمياً على غرار جدار برلين.

مستقبل التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي:

في بحث نشر في عربي BBC بعنوان أربعة أسباب لن تجعل الروبوت يحتل مكانك في العمل حالياً كتبت (زاريا غورفيت) وهي صحفية: "لقد بات من الوارد اليوم على نطاق واسع أن أجهزة الكمبيوتر المزودة بالذكاء الاصطناعي قادمة للقيام بوظائفنا، وسوف تتمكن من إنهاء العمل المطلوب إنجازه على مدى الأسبوع قبل أن تتناول إفطارك، وهي لا تحتاج إلى استراحة قهوة أو راتب تقاعدي أو حتى إلى النوم لذا قبل أن نراهن على غياب شمسنا كبشرٍ في أماكن العمل.

نعرض فيما يأتي بعض القواعد التي تحتاج لمعرفتها فيما يتعلق بالعمل مع زملائك الجدد من الروبوتات.

القاعدة الأولى:

صحة القول بأن (الروبوتات لا تفكر كالبشر)

يقال بأنه يمكن للبشر القيام بما يسمى القدرات الضمنية دون إدراك كيفية حدوث ذلك، ولكن حاول علماء الكمبيوتر التغلب على تلك المشكلة بتطوير ذكاء اصطناعي للتفكير بطريقة مختلفة تماماً تعتمد فيها على البيانات أو المعلومات بدلاً من الأفكار.

يقول (ريتش كاروانا) كبير الباحثين في مؤسسة ميكروسوفت للأبحاث: "ربما خطر ببالك أن الطريقة التي يعمل بها الذكاء الاصطناعي هي أننا نفهم البشر، ومن ثم نبني الذكاء الاصطناعي بنفس الطريقة تماما"، لكن الأمور لم تحدث بتلك الطريقة، وهو يضرب مثلاً الطائرات التي اخترعت قبل وقت طويل من امتلاكنا فهماً تفصيلياً للطيران لدى الطيور، ولذلك امتلكنا ديناميكيات طيران مختلفة، ومع ذلك لدينا اليوم طائرات بإمكانها التحليق أعلى وأسرع من الطيور.

وعلى سبيل المثال أعدّ موقع فيسبوك تدريباً لبرنامجه الخاص بالتعرف على الوجه (ديب فيس) للتعرف على مجموعة من أربعة ملايين صورة تقريباً، وعن طريق النظر إلى صور موسومة أو مكتوب عليها اسم نفس الشخص، تمكَّن ذلك البرنامج في نهاية الأمر من المزاوجة بين الوجوه بطريقة صحيحة في حوالي 97% من الأوقات.

وهناك برامج أخرى مثله في وادي السيليكون تتغلب على مخترعيها في قيادة السيارات، والتعرّف على الصوت، وترجمة النصوص المكتوبة من لغة لأخرى، وبالطبع وضع علامات على الصور.

ويُتوقع أن تخترق مثل هذه البرامج مجالات متعددة في المستقبل، بداية من الرعاية الصحية إلى النشاط المالي.

القاعدة الثانية: صحة القول بأن (الروبوتات ليسوا معصومين)

هذه الأجهزة ترتكب الأخطاء أيضاً، لكن فكرة أنها تستند إلى المعلومات يعني أنها يمكن أن ترتكب أخطاء فادحة، مثل المرة التي استنتج فيها برنامج آلي أن سلحفاة مطبوعة بخاصية الطباعة ثلاثية الأبعاد هي بندقية.

هذا البرنامج مثلاً لا يمكنه التفكير بطريقة عملية؛ لأنه يفكّر وفقاً لأنماط محددة، وفي هذه الحالة تعتمد الأنماط البصرية هنا على البكسل (وهو أصغر عنصر منفرد في مصفوفة الصورة الرقمية)، ونتيجة لذلك فإن تغيير بكسل واحد في صورة من الصور يمكن أن يؤدي إلى مثل هذا الفشل في التعرف عليها.

القاعدة الثالثة: صحة القول بأن (الروبوت لا يمكن أن يفسر لماذا اتخذ قراراً)

هناك مشكلة تتمثل في أننا لا نفهم تماماً كيف تتعلم أدمغتنا، لذلك قُمنا بجعل الذكاء الاصطناعي يفكر مثل الإحصائيين، والمفارقة هي أننا نملك الآن فكرة محدودة جداً عما يجري داخل أدمغة الذكاء الاصطناعي، فعلى الرغم من معرفتنا بالمعلومات أو البيانات التي نغذيها للروبوت، ونرى النتائج التي تصدر عن ذلك، فإننا لا نعرف كيف يتوصل ذلك الصندوق الذي أمامنا لهذه النتائج.

ويقول (كاروانا): لدينا نوعان من الذكاء الذي لا نفهمه حقاً، فمثل هذه الشبكات العصبية الآلية لا تملك مهارات لغوية، ولذلك لا يمكنها أن تشرح لك ما الذي تفعله ولماذا.

وكما هو الحال في كل أجهزة الذكاء الاصطناعي، فإنها ليس لديها القدرة على الفهم والمنطق المتوفرة لدى الإنسان.

قبل عدة عقود قام (كاروانا) بتطبيق برنامج للذكاء الاصطناعي على بعض البيانات الطبية، وشمل ذلك أشياء من قبيل الأعراض المرضية ونتائجها، وكان الهدف هو حساب مدى خطر الموت الذي قد يتعرض له المريض في يوم معيّن بحيث يمكن للأطباء اتخاذ تدابير وقائية، وكانت الأمور تسير على ما يرام، إلى أن لاحظ طالب في جامعة (بيتسبيرغ) ذات ليلة شيئاً غريباً.

فقد كان يعالج نفس البيانات سطراً بسطرٍ عن طريق قواعد خوارزمية أكثر بساطة، لكي يتمكن من قراءة منطقها في عملية اتخاذ القرار، وجاءت إحدى القراءات تنص على أن الربو جيد بالنسبة لك إذا كان لديك التهاب رئوي، لكن الأطباء تعجبوا من مثل هذا الخطأ، وقالوا إنه يجب إصلاحه؛ فالربو يشكّل عاملاً خطيراً عند الإصابة بالالتهاب الرئوي، حيث إن كلاهما يؤثر على الرئتين، ولن يعرف الأطباء على وجه التأكيد لماذا تعلمت الآلة هذه القاعدة.

لذا فقد بات يساور القلق العديد من الخبراء في هذا المجال، فقد فرض الاتحاد الأوروبي هذا العام تشريعات جديدة تعطي الأفراد الحق في الحصول على تفسير للمنطق الكامن وراء قرارات أجهزة الذكاء الاصطناعي.

وفي غضون ذلك تعكف الذراع البحثية للجيش الأمريكي، وهي وكالة مشاريع البحث الدفاعية المتقدمة (داربا) على استثمار 70 مليون دولار في برنامج جديد لتفسير وشرح قرارات أجهزة الذكاء الاصطناعي.

يقول (ديفيد غانينغ) -الذي يدير المشروع في داربا-: لكن الثمن الذي ندفعه لذلك هو أن هذه الأنظمة في غاية التعقيد لدرجة أننا لا نعرف لماذا توصي بشيء معين أو لماذا تقوم بحركة معينة في لعبة من الألعاب؟

القاعدة الرابعة: صحّة القول بأن (الروبوتات يمكن أن تكون منحازة)

هناك قلق متزايد من أن بعض الخوارزميات ربما تخفي انحيازات غير مقصودة، مثل العنصرية، والتمييز على أساس الجنس.

فعلى سبيل المثال، في الآونة الأخيرة كلّفت برمجية من البرمجيات بتقديم المشورة حول إذا ما كان من المرجح أن يعيد المجرم المُدان الكرة في ممارسة الجريمة، فكانت النتيجة أن المشورة جاءت مضاعفة في قسوتها بخصوص ذوي البشرة السوداء، فربما يرجع ذلك بسبب تحيزات بشرية موجودة أثناء عملية تغذية المعلومات، ومثل ذلك التحيز نجده بين الجنسين.

وهناك أسباب أخرى يتسلل منها الانحياز، من خلال الوزن، فكما هو الحال لدى البشر، يقوم زملاؤنا من روبوتات الذكاء الاصطناعي بتحليل المعلومات (البيانات) عن طريق وزنها وثقلها، أي الحكم على القضايا والاعتبارات من حيث كونها أكثر أو أقل أهمية.

يقول (كاهنيمان) الخبير الاقتصادي الحاصل على نوبل والمتخصص في دراسة الانحيازات غير العقلانية في الذهن البشري: "طرق الاستدلال بطبيعتها الخاصة سينتج عنها انحيازات، وهذا الأمر صحيح بالنسبة للإنسان ولآلة الذكاء الاصطناعي، لكن الاستدلال بالنسبة للذكاء الاصطناعي ليس بالضرورة هو الاستدلال البشري".

نبوءة (دي توكفيل) تحققت في رأسمالية المراقبة

نقلاً عن موقع أصوات أون لاين للكاتب: أحمد بركات (بتصرف)
في كتابه القيم (Democracy in America - الديمقراطية في أمريكا ) الذى صدر عام 1849م للمفكر والسياسي ووزير خارجية فرنسا (ألكسي دو توكفيل) 1805م - 1859م فصلٌ مثير يحمل عنوان "ما نوع الاستبداد الذي يجب أن تخشى منه الدول الديمقراطية؟".

في هذا الفصل يستشرف الكاتب آفاق المستقبل من خلال توصيف دقيق لحالة اجتماعية لم تعهدها البشرية من قبل على مدى تاريخها الممتد، لكنها -وفقاً لنبؤاته- ستعصف بها في قادم عهدها، وهي استعباد من نوع جديد،
استعباد جديد جاء بعد 170 عاماً من نبوءة توكفيل، استعباد جديد في حقبة رأسمالية المراقبة.

إذ يقول البروفسير (Sam ben-Meir) أستاذ الفلسفة والديانات العالمية في (ميرسي كوليدج) في نيويورك: "إن لدينا أسباباً وجيهة تجعلنا نخشى من أن يقوم نموذج أعمال المراقبة التجارية الذي ابتكرته شركة جوجل، واعتمده موقع فيسبوك وغيره بتقويض أسس ديمقراطيتنا.

يقول بن مئير في كتاب عصر رأسمالية المراقبة 2019م للكاتبة (شوشانا زوبوف) تقول الكاتبة: "إن هذا النظام (رأسمالية المراقبة) يعمل من خلال النظر إلى الخبرة البشرية باعتبارها مادة خاماً مجانية يتم ترجمتها إلى بيانات سلوكية بزعم الاستفادة في تحسين الخدمات، لكن غالبيتها العظمى يتم الإعلان عنها على أنها فائض سلوكي مملوك يتم إدخاله في عمليات تصنيع متقدمة تعرف بـ (الذكاء الآلي) ثم يجري تحويله إلى منتجات تنبؤٍ،  تتوقع ما سنفعله الآن أو في وقت قريب.

هذه المنتجات التنبؤية أصبحت تمثّل سُوقاً موازياً يطلق عليها بن مئير الأسواقَ السلوكية الآجلة، وقد حقق رأسماليو المراقبة ثروات طائلة من هذه العمليات التجارية، حيث ترغب العديد من الشركات في المراهنة على سلوكياتنا المستقبلية.
ويضيف بن مئير: "لقد أصبحنا -في واقع الأمر- مادة مستساغة للون من ألوان الاستعباد الجديد الماكر والخفي والمتنامي الذي جادت به قريحة (دي توكفيل) عام 1849م، الذي كتب قبل مئة وسبعين عاماً يقول: "سيكون الظلم الذي يهدد الشعوب الديمقراطية فريداً من نوعه، ولا يشبه إلا نفسه، وغير مسبوق في تاريخ البشرية".

وقد ذهب توكفيل إلى أبعد من ذلك عندما تحدث عن صعود سلطة وصاية هائلة تضطلع وحدها بمسؤولية ضمان متعتهم ومراقبة مصائرهم، إنها سلطة مطلقة، وشاملة، ومتبصرة، ومترفقة، تشبه السلطة الأبوية التي تبدو بطبيعتها، وكأنها تعد أبناءها لمرحلة النضج، -ولكنها على العكس من ذلك- تسعى بقوة للإبقاء عليهم في أتون الطفولة الخاضعة.

إنها ترغب في أن يستمتع المواطنون، شريطة ألا يفكّروا خارج إطار المتعة، وتعمل طواعية من أجل سعادتهم، لكنها تريد أن تكون الوكيل الحصري والمتحكم الأوحد في هذه السعادة.
ويستدعي بن مئير أيضاً مقالة نشرتها مجلة تايم في 17 يناير الماضي للكاتب (روجر ماكنامي) بعنوان: "قمت بتوجيه مارك زوكربيرج، لكنني لا أستطيع البقاء صامتاً"، حيث يشير الكاتب (روجر ماكنامي) إلى أن إحدى أفضل الطرق للتلاعب بالانتباه والتحكم في التركيز هي اللجوء إلى إثارة الغضب والخوف، وغيرهما من العواطف والانفعالات التي تزيد من المشاركة والانخراط، فخوارزميات فيسبوك تمنح المستخدمين ما يريدونه، بحيث يصبح تبويب -آخر الأخبار News Feed - الخاص بكل مستخدم واقعاً شخصياً ومتفرداً أو بتعبير أدق فقاعة مفلترة تخلق وهماً يوحي بأن معظم الأصدقاء الذين يعرفهم المستخدم يعتقدون الشيء نفسه.

وتكتسب فكرة الفقاعة تلك فائدة خاصة إذ تمثل مفهوم البيئة أو العالم المحيط، هذه البيئة تتشكل من إشارات تحمل المعاني، وتُشكِّل لكل كائن واقعه.

وما يميزنا ككائنات بشرية هو أن بيئاتنا غير ثابتة وغير جامدة، وتتمثل إحدى طرق فهم تأثير فيسبوك على مستخدميه في أن البيئة التى يسكنها كل مستخدم تنطوي على خطر تقوقعه وتكلسه وضموره.

وتؤيد الكاتبة (زينب توفيكشي) في مقال بعنوان: "كيف تقمع خوارزميات فيسبوك تنوع المحتوى وكيف يحكم تبويب آخر الأخبار نقراتك) فتقول: "إن الباحثين استطاعوا أن يستنتجوا بشكل قاطع أن خوارزمية تبويب آخر الأخبار في فيسبوك تقلل من تقديم محتوى شامل ومتنوع أيديولوجياً للمستخدم.

ورغم أننا نطّلع فقط على محتوى يثير على الأرجح إعجابنا ويحظى بموافقتنا، فإن بيئتنا أو واقعنا الاجتماعي تصبح أكثر تجانساً وأكثر تقلصاً".
وما نقوله نحن أحياناً بسخرية من أن وسائل التواصل الاجتماعي هي وسائل انفصال اجتماعي تقوله كاتبة تدعى (سيفا فايدياناثان) في كتابها الإعلام المعادي للمجتمع: كيف يقطع فيسبوك أواصرنا ويقوض ديمقراطيتنا - How Facebook Disconnects Us and Undermines Democracy.

ونعود لـ ( بن مئير ) الذي يؤكد أن أغلب بحوثه قد أثبتت وجود علاقة طردية وثيقة بين التعاطف من جانب، وقدرتنا على إعادة بناء بيئات الآخرين بفاعلية وإبداع من جانب آخر، وبينما لا يستطيع الفرد مشاركة بيئته، حيث يظل كل منا حبيس فقاعته الصابونية، إلا أنه يبقى بمقدورنا معايشة بيئة مشتركة، وهو ما يمثل الهدف المعلن من وسائل التواصل الاجتماعي.

لكن من المفارقات أن فيسبوك الذي يزعم أنه يسعى إلى بناء جسور التواصل، قد أسهم في واقع الأمر في تحقيق نتائج عكسية، حيث تقوقع كل منا في فقاعة صلبة ومتيبسة من الوحدة والعزلة.

وفي ظل حكومة أمريكية لا تجيد سوى التنصل من مسئولياتها والتنكر لتبعاتها يجب أن ندرك جميعاً أن (جوجل، وفيسبوك، وأمازون) قد غدوا يشكلون تنين هذا الزمان، وفي خدمة مشاركات المستخدمين التي يتفقون معها فقط ، لقد تحول فيسبوك إلى سلطة الوصاية الهائلة التي تنبأ بها توكفيل وسماها الاستعباد الجديد.

يدمر فيسبوك المعرفة ويؤسس شكلاً جديداً خبيثاً من الاستعباد الذي يعيق الحركة ويوهن الإرادة، ويغيب الوعي، وأخيراً يقود المجتمعات إلى حالة من الضمور والتكلس، حتى لا تعدو أن تكون مجرد قطيع من حيوانات مروضة ودؤوبة ترعاها الحكومة.

فيسبوك ودونالد ترامب؟

على مدى عامين سبقا إجراء انتخابات الرئاسة الأمريكية في عام 2016م ظل 126 مليون أمريكي يطالعون عبر حسابات فيسبوك روسية وهمية أخباراً زائفة ساعدت بما لا يدع مجالاً للشك في اعتلاء دونالد ترمب سدة العرش الأمريكي، لقد قدم فيسبوك أرضاً خصيبة لانتشار نظريات مؤامرة غير مسؤولة وتفشي مشاركات غير دقيقة.

وعلى غرار آخرين كثيرين، يؤكد ماكنامي ضرورة تحكم المستخدمين في بياناتهم الخاصة وبياناتهم الوصفية وكأن ملكية البيانات هي الحل الأمثل لكارثة رأسمالية المراقبة .
لكن بن مئير يؤكد أن المشكلة تكمن في الأساس في أن هذا النمط من التفكير يفشل دائماً في طرح السؤال الجوهري الأكثر أهمية، والذي يتعلق بما إذا كانت هذه البيانات يجب أن تتاح من الأساس.
كما تلفت زوبوف النظر إلى أن الأمر أشبه بالتفاوض بشأن عدد ساعات العمل التي يجب أن يضطلع بها طفل في السابعة من عمره بدلاً من مناقشة شرعية عمل الأطفال من الأساس.

إن رأسمالية المراقبة تمثل لوناً جديداً من الاستبداد يقوض قدرتنا على تحقيق الاستقلال الذاتي الفردي حتى يمكن توليد البيانات السلوكية دون عوائق ، وتقديمها للأسواق والمعلنين الذين يمثلون العملاء الحقيقيين لجوجل وفيسبوك.

إننا نسير حثيثاً باتجاه هذا المجتمع الأنوي المتشظي الذي تنبّأ به (توكفيل)،  حشد من الأفراد المتشابهين المتناظرين الذين يدورون حول ذواتهم دون توقف، كل منهم منسحب على ذاته، ومتشرنق في داخله، وكأن كلا منهم غير معنيٍّ بمصير الآخرين، كل منهم يُساكن الآخرين في ذات الحيز المكاني، إلا أنه لا يراهم، ويلمسهم، لكنه لا يشعر بهم.
لقد حذرنا (توكفيل) من أن الظلم قد يتلبَّس أشكالاً خفيَّة وصامتة، لكنها برغم ذلك مُدمّرة للحرية الحقيقية.

 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
يونيو 6, 2023, 8:20 ص - جمال عبدالرحمن قائد فرحان
يونيو 5, 2023, 5:50 م - جمال عبدالرحمن قائد فرحان
يونيو 4, 2023, 1:50 م - محمد محمد صالح عجيلي
يونيو 3, 2023, 8:50 م - رضوان عبدالله سعد الصغير
يونيو 3, 2023, 9:56 ص - جمال عبدالرحمن قائد فرحان
يونيو 1, 2023, 8:45 م - اسامه غندور جريس منصور
مايو 30, 2023, 2:23 م - اسامه غندور جريس منصور
مايو 29, 2023, 12:41 م - اسامه غندور جريس منصور
مايو 26, 2023, 11:24 ص - أميرة محمد المحيميد
مايو 22, 2023, 8:53 م - جمال عبدالرحمن قائد فرحان
مايو 22, 2023, 12:26 م - دكتور احمد رفعت محمد
مايو 22, 2023, 11:31 ص - محمد محمد صالح عجيلي
مايو 22, 2023, 10:59 ص - دكتور احمد رفعت محمد
مايو 21, 2023, 11:31 ص - عبدالرحمن ناصر عبدالدايم
مايو 19, 2023, 7:53 م - سداد طالب البغدادي
مايو 19, 2023, 7:34 م - عايدة عمار فرحات
مايو 19, 2023, 1:00 م - عبدالرحمن ناصر عبدالدايم
مايو 16, 2023, 1:49 م - خوله كامل عبدالله الكردي
مايو 16, 2023, 7:15 ص - جمال عبدالرحمن قائد فرحان
مايو 14, 2023, 12:39 م - عبدالمجيد ايت اباعمر
مايو 14, 2023, 10:04 ص - نورالدين محمود مزهر
مايو 13, 2023, 3:39 م - طارق عبد الحليل الصافي
مايو 13, 2023, 1:25 م - خوله كامل عبدالله الكردي
مايو 13, 2023, 9:42 ص - عز الدين محمد رشاد
مايو 9, 2023, 7:42 م - جمال عبدالرحمن قائد فرحان
مايو 9, 2023, 1:00 م - خوله كامل عبدالله الكردي
أبريل 19, 2023, 9:39 ص - مروان حامد اسماعيل
أبريل 13, 2023, 1:21 م - خوله كامل عبدالله الكردي
أبريل 13, 2023, 11:22 ص - محمد محمد صالح عجيلي
أبريل 10, 2023, 8:38 م - خوله كامل عبدالله الكردي
أبريل 10, 2023, 11:28 ص - وليد راجي شوجة
أبريل 4, 2023, 2:41 م - خوله كامل عبدالله الكردي
أبريل 2, 2023, 3:10 م - د جعفر عايد المعايطة التميمي
نبذة عن الكاتب