الذكاء الاصطناعي في صناعة السينما.. نهاية الإبداع أم بداية جديدة؟

في زوايا الاستوديوهات المغلقة، حيث كانت الأفلام السينمائية تنتج بأنامل بشرية خالصة، يتربص الآن عدو غير مرئي، لا يحتاج إلى نوم ولا راحة، لا يمل ولا يكل، إنه الذكاء الاصطناعي الذي اخترق حصن الإبداع البشري كالسهم الأخير في معركة مصيرية. فجأة، لم تعد الكاميرات والممثلون والمخرجون هم اللاعبون الوحيدون في هذه الصناعة، بل دخل عليها لاعب جديد لا يعرف الرحمة، لا يحتاج إلى إجازات أو مكافآت، ولا يشتكي من ساعات العمل الطويلة. إنه الفنان الجديد في المدينة، فنان من نوع آخر.

الذكاء الاصطناعي يحاكي العبقرية البشرية

لقد بلغ الذكاء الاصطناعي مرحلة يحاكي فيها العبقرية البشرية ببراعة مذهلة، تخيل أن برنامجًا مثل «تشات جي بي تي-5» يستطيع كتابة سيناريو فيلم كامل في دقائق معدودة، ليس فقط حوارات سطحية، بل نصوصًا معقدة ببنية درامية متقنة، مع تطور الشخصيات وحبكات فرعية مدهشة. والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فهناك أدوات مثل «ميدجورني V6» التي تولد مشاهد مرئية مذهلة من مجرد وصف نصي، و«سورا» من «أوبن إيه آي» التي تصنع أفلامًا قصيرة كاملة بمجرد إدخال سطر واحد من النص. لقد أصبح الحلم الذي كان يبدو خيالًا علميًّا قبل عقد من الزمن حقيقة ملموسة اليوم.

يستطيع تشات جي بي تي كتابة سيناريو فيلم كامل في دقائق معدودة

مخاوف الفنانين.. هل يصبح طاقم العمل مجرد قطع غيار؟

هذا التقدم المذهل لم يأت دون ثمن، فقد خشي الفنانون من أن تصبح مواهبهم ومهاراتهم التي كرسوا سنوات لاكتسابها مجرد قطع غيار في آلة الإنتاج الضخمة. ماذا يعني أن يغير ممثل بشري بصوت رقمي لممثل مات منذ سنوات؟ ماذا يعني أن يحاكي الذكاء الاصطناعي أسلوب كاتب عظيم ثم ينتج أعمالًا جديدة تحمل اسمه دون إذنه؟

رأي المؤيدين.. الذكاء الاصطناعي أداة ديمقراطية في صناعة السينما

إن المؤيدين لهذه التكنولوجيا لهم حججهم المقنعة. فهم يرون أن الذكاء الاصطناعي يمثل ديمقراطية حقيقية في صناعة السينما. فبفضل هذه الأدوات، أصبح بإمكان شاب بإمكانيات بسيطة أن ينتج فيلما دون حاجة إلى ملايين الدولارات أو الاتصالات النافذة في هوليوود.

لقد سمعنا عن حالات لأفلام قصيرة أنتجها أفراد باستخدام الذكاء الاصطناعي وحققت نجاحًا كبيرًا في مهرجانات دولية. أليس هذا هو الحلم الذي طالما راود كل مبدع: أن تقيم أفكاره لذاتها، لا لميزانيته الضخمة أو علاقاته الواسعة؟

الاستوديوهات الكبرى تتبنى الذكاء الاصطناعي مساعدًا إبداعيًّا لتقليل التكلفة

العجيب في الأمر أن بعض الاستوديوهات الكبرى بدأت تتبنى هذه التقنيات بطرق ذكية. فهم لا يستخدمون الذكاء الاصطناعي لاستبدال البشر تمامًا، بل مساعدًا إبداعيًّا. تخيل أن كاتب سيناريو يعمل مع ذكاء اصطناعي يمكنه أن يقترح عشرات التعديلات على المشهد في ثوان، أو أن مخرجًا يستطيع رؤية نسخ مختلفة من المشهد نفسه بتصوير رقمي قبل أن يبدأ التصوير الفعلي.

تستخدم بعض الاستوديوهات الكبرى الذكاء الاصطناعي مساعدًا إبداعيًّا للعامل البشري

هذه الأدوات تقلل التكلفة وتختصر الوقت على نحو مذهل. هناك تقارير تفيد بأن بعض الأفلام التي كانت تتطلب تصويرًا مدة 60 يومًا، تم إنجازها الآن في 20 يومًا فقط بفضل هذه التقنيات.

التحديات الأخلاقية والقانونية.. أفلام مزيفة واستخدام صور النجوم دون إذن

لكن الأسئلة الأخلاقية تظل كالغمامة السوداء في سماء هذه الثورة. ماذا لو استخدمت حكومة ما هذه التقنيات لصناعة أفلام دعائية مزيفة بتواقيع فنانين كبار؟ ماذا لو استطاع أي شخص إنشاء فيلم يظهر فيه نجوم وهم يفعلون أفعالًا لم يفعلوها قط؟

لقد شهدنا فعلًا حالات لنجوم رفعوا دعاوى قضائية لأن صورهم الرقمية استخدمت في أفلام غير لائقة دون علمهم. إنها معركة قانونية شائكة، فالتشريع يتخلف عن الركب السريع للتكنولوجيا.

نصيحة ثمينة للمخرجين الطموحين في هذا العصر الجديد

لا تخف من الذكاء الاصطناعي، لكن لا تعتمد عليه كليا، بل تعلم كيف تستخدمه أداة في يديك، لا سيدا يتحكم بك. تذكر أن الذكاء الاصطناعي يستطيع تقليد العواطف، لكنه لا يعيشها. ويمكنه كتابة حوار جيد، لكنه لا يعرف معنى أن يكون إنسانًا. إن الفيلم العظيم سيظل دائمًا ذلك الذي يلمس القلب البشري، وهذا يتطلب روحًا بشرية خلفه.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

اخي انا جديد في هذا الموقع هل رأيت مقالتي ارجو ذالك
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة