تأثير الذكاء الاصطناعي في البحث عن الأخبار.. هل ينهي عصر محركات البحث التقليدية؟

في البداية، لا يوجد شك في أنه خلال العقدين الماضيين، اعتمد الناس بدرجة كبيرة على محركات البحث للحصول على المعلومات، خاصة الأخبار، كانت الخطوات بسيطة، فقد كان المستخدم يكتب سؤاله، ثم تظهر له مجموعة من الروابط، يشاهدها ويختار ما يناسبه.

وبعد ذلك يتنقل بين المصادر المختلفة حتى يكوِّن فكرة شاملة عن الأحداث في العالم، ولكن كما هو الحال دائمًا، مع كل تقدم تقني، يحدث دائمًا تغيير قد يعيد تشكيل كيفية البحث عن الأخبار بطرق غير متوقعة.

البحث عن الأخبار من محركات البحث التقليدية إلى الذكاء الاصطناعي

 في الواقع، تعد أدوات الذكاء الاصطناعي مثل تشات جي بي تي الآن أكثر من مجرد أدوات مساعدة، فأصبحت منصات شاملة تقدم إجابات مباشرة ومخصصة، تستند إلى معلومات من مصادر متعددة وتلخص جوهر الموضوع دون الحاجة لتصفح عدد كبير من المواقع.

منصات البحث عبر الذكاء الاصطناعي

 الاختلاف الرئيس هنا هو أن هذه الأدوات لا تقتصر على تقديم نتائج البحث، بل تقدم إجابة جاهزة بناءً على تحليل شامل للمعلومات المتاحة، فالتركيز الآن ليس على العثور على رابط لمصدر ولكن على الحصول على إجابة في حد ذاتها، وهذا يثير تساؤلات حول مستقبل محركات البحث التقليدية.

أدوات الذكاء الاصطناعي تقدِّم إجابات مباشرة ومخصصة

 لم تغفل شركة جوجل هذا التحول! فالاختبار الحالي لميزة "AI Mode" يُظهر هذا الوعي، إذ تهدف إلى تقديم إجابات مستندة للذكاء الاصطناعي بدلًا من مجرد عرض قائمة روابط.

 من المحتمل أن تعني هذه الخطوة انخفاضًا في طريقة النقر التقليدية، إذ سيكتفي المستخدمون بالمعلومات التي يحصلون عليها مباشرة دون الحاجة لزيارة المواقع الأصلية، فتشير إحصائيات حديثة إلى أن 68% من البالغين يستخدمون بالفعل أدوات الذكاء الاصطناعي للبحث عن إجابات مباشرة، ما يعكس تحولًا واضحًا في تفضيلاتهم، ومع ميزات جديدة مثل دمج تشات جي بي تي في المتصفحات من خلال إضافة خاصة لكروم، يبدو أننا نواجه تغييرات جوهرية في كيفية البحث عن الأخبار واستهلاكها.

تأثير الذكاء الاصطناعي على محركات البحث التقليدية ومستقبلها

مع هذا التقدم، يظهر تحدٍ رئيس يتعلق بالشفافية والتحكم في تدفق المعلومات، فرغم الانتقادات التي تتعرض لها محركات البحث بشأن خوارزميات الترتيب، فإنها لا تزال تقدم تنوعًا واختيارًا، إذ يراجع المستخدم نتائج متعددة، ويقرأ من مجموعة متنوعة من المصادر، ويكوِّن آراءه بناءً على معلومات مختلفة.

 بينما تقدم أدوات الذكاء الاصطناعي إجابة واحدة مصاغة وفق نمطها التحليلي، ما قد يجعل المستخدمين أكثر اعتمادًا عليها وأقل رغبةً في البحث بأنفسهم، وهذا يثير أسئلة جدية حول كيف يمكن أن تؤثر هذه النماذج في بلورة الرأي العام وموضوعيتها في الاختيار.

تحديات الشفافية والتحكم في تدفق المعلومات في عصر الذكاء الاصطناعي

 نقطة أخرى تثير القلق تتعلق بالناشرين والشركات الإعلامية التي اعتمدت دائمًا على زيارات المستخدمين لمواقعها مصدرًا رئيسًا للإيرادات، سواء من اشتراكات أو إعلانات، فعلى سبيل المثال، إذا حصل المستخدم على ملخص لمقال دون زيارة الموقع نفسه، كيف سيؤثر ذلك في نموذج العمل الذي تعتمد عليه الصحافة؟

 في عالم يكون فيه معدل النقر عنصرًا حاسمًا لبقاء المؤسسات الإعلامية، فإن أي تحول كبير في سلوك المستخدمين نحو البحث قد يستلزم إعادة هيكلة شاملة لذلك النموذج، فنجد أن وكالة أسوشيتد برس أضافت في تقريرها أن الذكاء الاصطناعي قد يقلل من دخول المستخدمين المواقع الإخبارية، ما قد يؤثر سلبًا في إيرادات الصحف والمجلات الإلكترونية، ويعرِّض الصحافة لتحديات غير مسبوقة.

الذكاء الاصطناعي يهدد الصحافة

تأثير الذكاء الاصطناعي على الإعلام

 لكن، بجانب هذه المخاوف، توجد أيضًا فرص كبيرة، فالذكاء الاصطناعي لا يؤثر فقط في كيفية استهلاك الأخبار، بل يمتد تأثيره أيضًا إلى إنتاجها.

 فالمقدرة على تحليل كميات ضخمة من البيانات، وتوليد ملخصات فورية، وحتى تحويل الصوت إلى نص في لحظات، كلها إمكانات توسع الآفاق أمام الصحفيين وتساعدهم على التركيز على الجوانب التحليلية والإبداعية بدلًا من الانخراط في المهام الروتينية.

 بالنظر إلى هذه التطورات، من المحتمل أن نرى تغييرات في الأدوار الصحفية نفسها، فالصحفي سيصبح أكثر انخراطًا في التحقق من صحة البيانات وصياغة تفسيرات عميقة، في حين يتولى الذكاء الاصطناعي تقديم الأخبار الأولية والتحليل الأساسي.

أهمية هندسة الأوامر (Prompt Engineering) في تحسين جودة إجابات الذكاء الاصطناعي

 هنا تظهر أهمية هندسة الأوامر (Prompt Engineering) عنصرًا محوريًّا في تعزيز جودة الإجابات التي تقدمها نماذج الذكاء الاصطناعي.

 باختصار، يرتكز هذا المفهوم على أن صياغة الأسئلة بدقة تؤدي دورًا مباشرًا في جودة وعمق الإجابات التي يتلقاها المستخدم، فإذا طرح شخص سؤالًا عامًا كـ"ما آخر الأخبار؟"، فمن المرجح أن تكون الإجابة سطحية وغير دقيقة، لكن إذا كان السؤال محددًا عند طلب معلومات من مصادر معينة، أو إذا كان النموذج صحفيًا استقصائيًا، أو تضمن مقارنة بين وجهات نظر عدة، فستتاح للنموذج فرصة أكبر لتقديم إجابة أكثر توازنًا وموثوقية، مع ذكر المصادر المستخدمة.

كيفية التعامل مع الذكاء الاصطناعي

 بعبارة أخرى، كلما كان السؤال أكثر وضوحًا، زادت احتمالية الحصول على معلومات دقيقة وموضوعية، ما يساعد على التمييز بين الأخبار الموثوقة والمعلومات المشكوك فيها، ويحد من تأثير التحيزات الخفية في الإجابات التي تقدمها هذه النماذج.

مدى موثوقية أدوات الذكاء الاصطناعي مصادر للأخبار

 السؤال الأكبر الذي يبقى بلا إجابة مؤكدة هو: إلى أي مدى يمكن الاعتماد على هذه الأدوات بصفتها مصادر أساسية للأخبار؟ في الواقع، بينما تقدم نماذج الذكاء الاصطناعي إمكانات مدهشة، فإنها ليست بعيدة عن الأخطاء، إذ تعتمد هذه النماذج على البيانات التي دربوها عليها، ما يعني أنها قد تعكس تحيزات أو نقاط ضعف معينة في فهمها للأحداث.

إضافة إلى ذلك، ستقابلنا مشكلة دقة المعلومات، فقد لا تفرق هذه النماذج دائمًا بين الأخبار الموثوقة والشائعات، وقد تظهر أحيانًا إجابات تبدو جيدة لكن تكون غير دقيقة أو مضللة.

التوعية والتعامل مع الذكاء الاصطناعي مفتاح منع المعلومات المضللة وتعزيز جودة البحث

 لهذا السبب، من الضروري التأكيد على أن التوعية بكيفية التعامل مع الذكاء الاصطناعي قد تكون المفتاح لمنع الانزلاق وراء المعلومات المضللة أو التحيزات الخفية، فإذا أصبح المستخدمون أكثر دراية بكيفية توجيه هذه النماذج وطرحوا أسئلتهم بطريقة تشجع على التحقق، فقد يتحول الذكاء الاصطناعي من أداة قد تؤثر سلبًا في دقة الأخبار إلى وسيلة تعزز جودة المعلومات، وتجعل عملية البحث أكثر كفاءة ونزاهة.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة