هل الديناصورات حقيقة علمية أم خيال أسطوري؟

لطالما أثارت الديناصورات خيال البشر، فهي عمالقة الماضي السحيق التي تجوب مخيلتنا وأفلامنا، لكن هل كانت هذه الكائنات الضخمة أسطورة أم حقيقة علمية؟ في الواقع، معرفتنا بالديناصورات هي انتصار لعلم الحفريات (Paleontology) وقوة الملاحظة العلمية. بدأت القصة باكتشاف عظام متحجرة غريبة، لتتكشف تدريجيًا حقيقة عالم مفقود حكم الأرض لملايين السنين.

يستكشف هذا المقال رحلة اكتشاف الديناصورات على يد علماء مثل ريتشارد أوين، وكيف انتقلت من كونها حفريات فقط إلى أيقونات ثقافية، والصلة المدهشة التي ربطها الباحثون بينها وبين الأساطير القديمة مثل الجريفن، وصولًا إلى فهمنا لانقراضها العظيم قبل ظهور الإنسان بملايين السنين، اكتشف معنا كيف حوَّل البشر بقايا هذه الكائنات الضخمة إلى حكايات خالدة، وكيف أثبت العلم الحديث أنها كانت حقيقةً لا خيالًا؟

تاريخ اكتشاف الديناصورات

مع الدراسات التاريخية لهذا النوع من الكائنات، ونتيجة الأعمال البحثية لعالم التشريح البريطاني المدعو ريتشارد أوين، فقد أعلن رسميًا أن الديناصورات اكتشفت عام 1842، وركز أوين على الطبيعة الفريدة لبعض الحفريات التي تشمل الزواحف البريطانية المنقرضة، وعندما أجرى أوين بحوثه كانت تقتصر فقط على مجموعة قليلة من العظام والأسنان المتحجرة، أي المتحولة فعلًا إلى حجر التي اكتشفت في ذلك الوقت، وكانت مبعثرة في أنحاء الجزر البريطانية.

ريتشارد أوين مكتشف الديناصورات

وبما أن الحديث عن نشأة الديناصورات كان أمرًا غريبًا في ذلك الوقت، فقد ظهر الحديث عنها كونها فكرة ثانوية في التقرير المنشور للاجتماع الحادي عشر للجمعية البريطانية لتقدم العلوم، وبناء على هذا التقرير فإن موضوع الديناصورات لقي اهتمام العالم في ذلك الوقت، والسبب في ذلك أن أوين عمل في متحف الكلية الملكية للجراحين، والإنجاز الذي توصل إليه أقيم على إثره المعرض الكبير عام 1851.

ومن أجل استضافة هذا الحدث بنيت قاعة عرض ضخمة مؤقتة عرفت بالقصر البلوري، لجوزيف إباكستون، من الفولاذ والزجاج في هايد بارك بوسط لندن، ونقلت هذه القاعة إلى موقع دائم في ضاحية سيدنهام بلندن التي أصبحت تعرف الآن بحديقة القصر البلوري، وقد صممت أرض الحديقة ونسقت وفقًا لما وصل إليه العلماء في التاريخ الطبيعي وعلم الجيولوجيا.

محتوى حديقة القصر البلوري 

احتوت هذه الحديقة ذات الطابع الجيولوجي على إعادة بناء لملامح جيولوجية حقيقية، كالكهوف وأرصفة من الحجر الجيري وطبقات جيولوجية، إضافة إلى تمثيلات لسكان العالم القديم، وقد أضيفت -بالتعاون مع النحات رجل الأعمال بنجامين ووتر هاوس هو كينز- نماذج الديناصورات بهيكل من الحديد ومكسوة بالإسمنت، وغيرها من كائنات ما قبل التاريخ التي كانت معروفة في هذا الوقت.

يرى بعض الباحثين أن الديناصورات كائنات منقرضة كانت تسكن عوالم الزمن القديم، وكانت تجسيدًا للتنانين الموجودة في الخرافات والأساطير، وقد ظهرت في أعمال تشارلز ديكنز، ونظرًا لما سبق -أعمال أوين وتشارلز- نما الاهتمام بالديناصورات، واستمر منذ ذلك الحين.

حقيقة الديناصورات

وقد خضع السبب وراء استمرار جاذبية هذا الموضوع لتفكير عميق، ويرجع إلى سرد القصص بعدِّها وسيلة تحفيزية للقدرات التخيلية لدى البشر، فالديناصورات كما أشار إليها ستيفن جاي جولد -وهو أكبر مروج للتاريخ الطبيعي العلمي- كبيرة ومخيفة وميتة، وعلى الرغم أن هياكلها العظمية نحيلة، فإنها تمارس قوة جذب هائلة على المشهد التخيلي للأطفال الذين هم بين سن الثالثة والعاشرة.

علاقة الأساطير بالديناصورات 

كانت الأدلة البارزة على وجود علاقة بين الجاذبية الخفية للديناصورات والنفس البشرية، موجودة في علم الأساطير والتراث الشعبي، فقد بينت أدريان مايور أن الإغريق اتصلوا بالثقافات البدوية في وسط آسيا، وتضم الروايات المكتوبة في ذلك الوقت وصفًا للجريفن، وهو كائن يقال إنه يكنز الذهب ويحرسه بحذر شديد، وهو بحجم الذئب، وله منقار و4 أرجل، ومخالب حادة في أقدامه.

إضافة إلى ذلك، فقد ظهرت في الأعمال الفنية في الشرق الأدنى التي ترجع إلى عام 3000 قبل الميلاد، كائنات تشبه الجريفن في منغوليا شمال غرب الصين، بالتوازي مع طرق القوافل القديمة، والتنقيب عن الذهب في جبال تيان شان والتاي، وهذا الجزء من العالم الآن يحتوي تراثًا حفريًّا شديد الثراء، ويشتهر بوفرة هياكل الديناصورات المحفوظة جيدًا، وسط الحجر الرملي الأحمر الناعم، حيث دُفنت العظام البيضاء داخله.

وكانت من الأنواع المحفوظة البروتوسيراتوبس التي وصفت بأنها بحجم الذئب، ولديها منقار معقوف ناتئ، و4 أرجل في نهايتها أصابع حادة المخالب، وتحتوي جمجمة هذا النوع على نتوءات مقوسة لأعلى، وقد وضع احتمال أن هذا النوع هو أصل التكوينات التي تشبه الأجنحة التي تظهر دومًا في صور الجرفين.

جاء وصف الجريفن وتصويره منذ أكثر من ألف عام، لكن بعد القرن الثالث الميلادي أصبح يوصف بصفات استعارية، وعلى هذا الأساس وُضع احتمال كبير أن الجريفن بأصوله يعود إلى مشاهدات فعليه للهياكل العظمية للديناصورات التي نشرها البدو الرحالة في أنحاء منغوليا، فهي تعرض صلة عجيبة بين الوحوش الأسطورية الغريبة وعالم الديناصورات الحقيقي.

الديناصورات والأساطير

في نهاية الأمر، يبقى الانتشار الثقافي للديناصورات أمرًا استثنائيًّا، فلم يرَ إنسان قط ديناصورًا حيًّا من النوع الذي لا يطير، بغض النظر عن نظرية الخلق غير المنطقية، فقد عاش أوائل البشر منذ 500 ألف سنة، وفي مقابل ذلك قالت آراء إن نيزكًا ضخمًا ضرب الأرض وأباد الديناصورات، وبوصفها كائنات بها قدر كبير من التنوع، فقد عاشت على الأرض منذ نحو 65 مليون سنة، ويعتقد أنها عاشت على سطح الأرض أكثر من 160 مليون سنة قبل زوالها المفاجئ. 

وفي الختام، فإن حقيقة معرفتنا اليوم بالديناصورات والعالم المختلف تمامًا الذي عاشت فيه، دليل على القوة التفسيرية الفائقة للعلم، والقدرة على التساؤل وسبر أغوار العالم الطبيعي وكل نواتجه.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

أبدعتي أيتها المبدعة
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

دوماً موضوعاتك منتقاه ببراعه تدل علي عقل واعي
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مرحبا من جديد، ما أروع تناولك لهذا الموضوع الشيق، دمتي رائعة ومتآلقة، ودمتم بخير وسلام وسعادة.
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

جميل موفقة إن شاء الله
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

محتوى هادف ومميز لمزيد من المعرفة والثقافة
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

احسنت بإضافة المعلومة المفيدة
شكرا لحسن الاختيار
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة