تزايدت في العقود الأخيرة تزايدًا ملحوظًا حالات الاضطرابات السلوكية بين الأطفال، وهو ما فرض البحث عن حلول تحفظ حقوقهم الأساسية، وعلى رأسها التعلم والارتقاء الدراسي، فكان السعي نحو إدماج هذه الحالات في الفصول الدراسية العادية في إطار رؤية تربوية تقوم على مبدأ تكافؤ الفرص.
الاضطرابات السلوكية
تتعدد أصناف الاضطرابات السلوكية، وأكثرها انتشارًا: طيف التوحد، وفرط الحركة، وصعوبات التعلم.
وتشترك هذه الاضطرابات في بعض أعراضها، مثل افتقاد مهارات التواصل الاجتماعي، والحساسية المفرطة تجاه بعض المحفزات كالصياح والضوء، وهي أعراض تؤثر في حياة المصابين بأنماط مختلفة وفي مختلف المجالات، ومنها الدراسة.
طيف التوحد، وفرط الحركة، وصعوبات التعلم هي حالات سلوكية وعصبية يُصنَّف أصحابها في بلادنا كحاملي إعاقة، وهي فئة تعاني التهميش والإقصاء، ما يصعِّب تأهيلها علاجيًّا ومعرفيًّا، وبذلك تتابعت التوصيات على مستوى الهياكل الرسمية بضرورة توفير المناخ الملائم لها للتعلم والاستفادة من خدمات المدرسة العمومية عبر آلية الإدماج في النظام التعليمي.
لكن هذه التوصيات تبقى حبرًا على ورق في ظل تعدد التحديات، فوفق تقرير رسمي عن وضع الطفولة صادر عن وزارة الأسرة في ماي 2022، فإن وضعية حاملي الإعاقة شائكة، وتؤثر فيها عدد من النقائص، وهو ما يتجلى في ضعف نسبة التمدرس العامة لدى الأطفال ذوي الإعاقة، إذ لا تتجاوز 5%، وهو معدل ضعيف جدًّا.
عراقيل في طريق الدمج
يُفسَّر بطء سياسة إدماج الأطفال حاملي الإعاقات بأسباب موضوعية، أهمها العراقيل الإدارية، فعملية الدمج المدرسي معقدة وتتطلب الحصول على بطاقة إعاقة ومجموعة من الإجراءات البيروقراطية.
مقابل ضعف مسلك الإدماج، "يتسرَّب" إلى المدارس العمومية العادية عدد كبير من حاملي الإعاقة، ولا سيما الاضطرابات السلوكية، والعدد في تزايد لافت للنظر، وهذا مرتبط أساسًا بقاعدة النجاح الآلي في المدارس الابتدائية، إذ توجه التوصيات للمديرين والمعلمين بعدم الالتجاء إلى الرسوب إلا في حالات استثنائية، وقد أدى ذلك إلى ارتقاء كثير من التلاميذ أصحاب المعدلات التقييمية المتدنية جدًّا من مستوى ابتدائي إلى آخر، ثم الانتقال "دون كفاءة" إلى الإعداديات، إذ تتبدل معايير الارتقاء، لتنتهي برفت أعداد متزايدة من التلاميذ من هذا الصنف.
يسهم تزايد أعداد المسجلين من هؤلاء في فصول الدراسة في تعقيد عملية التعلم، ويعجز التلامذة أصحاب "الوضعيات الخصوصية" عن التكيف لأسباب عدة، أولها عدم توافر البنية التحتية المناسبة، فغالبية المدارس غير مؤهلة لاستقبال الأطفال "المختلفين"، ثانيها انعدام المرافقة المختصة نتيجة عدم مبادرة وزارة التربية إلى توظيف إطارات في التربية المختصة ومختصين نفسيين وفي سلوك الأطفال، ثم إنها لم تنفذ أي خطوات في اتجاه تدريب المدرسين المباشرين في التعليم.
كل هذه النقائص تجعل من وجود الأطفال من هذه الفئة عامل توتر لصعوبة السيطرة على سلوكهم، ومحدودية استيعاب أغلبهم للمناهج الدراسية، وهو ما يؤدي غالبًا إلى تهرب المدرسين من إدارة فصول فيها حالات من هذا النوع، وهذه حقيقة مؤلمة أخلاقيًّا ولكنها مبررة مهنيًّا.
حق كل طفل في الدراسة مسألة بديهية، ولكن خصوصية حالات بعض الأطفال تحتاج إلى إجراءات استثنائية تراعي تلك الخصوصية، والمدرسة العمومية في تونس بواقعها الراهن لا تقدر على توفير بيئة تجتمع فيها مقومات التعلم والعلاج والاندماج.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.