كل يوم يمر في حياتنا تتقاطع خطواتنا مع خطوات الخير وخطوات الشر، وتتقابل وجوهنا مع وجوه الخير ووجوه الشر، وتتصارع أفعالنا مع قوى الخير والشر.. غالبًا ما ينتصر الخير فنسير في دروب حياتنا مطمئنين آمنين، ولكن في لحظة قد يظهر في الأفق وجه الشر، فتُقلب حياتنا فجأة متوجسين، خائفين، قلقين. وليس هذا بسبب أن الشر أقوى من الخير، ولكن لأننا آمَنَّا وسلمنا ولم نحتط لهذه اللحظة الآثمة التي يطل فيها وجه الشر بعد غياب واختفاء وتمويه، فالشر عنصر غريب دخيل على الحياة، ويعرف الأشرار هذه الحقيقة فيتخفون دائمًا عن المشهد بسبب ضعف قوتهم ومنطقهم، ويتحينون الفرصة ليوجهوا ضربات لمسيرة الحياة ومسيرة الخير.
إذن لسنا بحاجة لتعريف الخير، فهو دائمًا ظاهر الوجه، طاهر اليد، وهو الوجه الحقيقي للحياة وداعمها على الأرض.. فكل ما يدعم هذه الحياة ويؤمنها ويطورها نشعر دائمًا أنه الخير، وكل ما يهدد هذه الحياة أو يدمرها معنويًّا أو ماديًّا فهو الشر، واتساقًا مع التعريف السابق، توجد أحداث غير بشرية تضر وتهدد الحياة مثل الكوارث الطبيعية، وقد يُطلق عليها الشر الطبيعي، ولكنها لا ترتقي أبدًا لمرتبة الشر البشري الذي يدعو للعجب والحيرة والاستياء، فكيف لبعض أبناء الحياة أن يحاربوا الحياة مهما كانت المكاسب والإغراءات؟
الأخيار والأشرار
الأخيار هم النتاج الطبيعي للحياة، وبذا فهم مجبولون على حب الحياة والعمل من أجلها بمن تحملهم تحت أجنحتها من بشر مسالمين وكيانات حيوية آمنة مسالمة.. هؤلاء الأخيار لا يعلنون عن أنفسهم، فهم ليسوا في حاجة لذلك، بل تعلن عنهم أفعالهم الطيبة ومن تأثروا بهذه الأفعال، وهم إلى ذلك ليسوا بحاجة للإعلان عن فعل الخير، فلا توجد متعة وسمو في الحياة أكثر قوة من فعل الخير، أما الأشرار المجبولون على كره الحياة وإيذاء الأحياء، فهم يعلمون أنه لا مكان لهم في قلوب الأحياء، لذا لا يعلنون أبدًا عن نواياهم التدميرية، بل يخفونها ويتظاهرون بغيرها، وغالبًا ما يختفون عن المشهد حتى تنطلق عقدهم المريضة وينفذون أفعالهم الدنيئة، وتتجسد نواياهم الشريرة بأيديهم الآثمة أو بأيدي بعض السذج الغافلين، وهم قبل ذلك لا يتوانون عن تجميل صورهم بمديح أنفسهم وهجاء وسب الآخرين، أو إيهام الآخرين بأنهم يفعلون الخير ويدافعون عن المظلومين، فيقع في شراك تصديقهم من لا يعرف بعد مدى تملك الشر من أرواحهم وكياناتهم.
الشخص الخير يحس بالأمان من الحياة لأنه لا يعاديها، بل يحبها ويصونها ويحميها.. أما الشخص الشرير فهو يحس دائمًا بالخوف من الحياة فيحاربها ويعاديها، مع أنه نفسه ابن لهذه الحياة، ولكنه وضع نفسه كعدو خفي لها، وهو لا يدرك أنه بفعلته هذه يؤذي نفسه ربما أكثر مما يؤذي الآخرين، وأنه بموقفه هذا قد أقدم على الانتحار.. الشخص الخير يبحث دائمًا عن أنفاس الحياة في رائحة أو لون الزهر البديع.. أما الشخص الشرير فلا تُشبعه إلا رائحة الدماء والعدم والخواء المريع.. الشخص الخير ليس بحاجة للتظاهر أو التباهي أو الخيلاء لأنه يتناغم مع منطق الحياة وتفاعل الأشياء.. أما الشخص الشرير، فغالبًا ما يتملكه التيه والكبرياء لأنه يعتقد أن أفعاله الساذجة من إيذاء وتخفٍّ قد فاتت على إدراك عقول الأذكياء.
الإنسان ومفهوم الشر والأشرار
قد يكون تعريف "الشر" معقدًا للغاية؛ لأنه يعتمد غالبًا على وجهات نظر ثقافية وفلسفية وشخصية، بوجه عام يُعد الشر عكس الخير، وهو فكرة ترتبط بالأفعال أو النيات أو السلوكيات التي تسبب الأذى أو المعاناة أو الدمار. والشر الأخلاقي يشير إلى الأفعال الضارة أو الخبيثة عمدًا، مثل القتل أو السرقة أو الخداع، وبعض أو كل هذه الظواهر والسمات تتجمع في شخصية الشرير، ولكننا في تعاملنا مع الحياة والأحداث تختلف وجهات نظرنا حول ما الخير وما الشر.
وفي الأديان السماوية الثلاث، تتجسد ظاهرة الشر في الشيطان، ويتخذ هذا الشيطان أسماء أخرى في المعتقدات الدينية الأخرى منذ قديم الأزل، مثل الأرواح الشريرة حتى يومنا هذا، وهذه دلالة على أن البشرية تواجه أخطارًا محدقة بالشر مهما كان مسماه.
الشر في عيون الفلسفة
لأن مفهوم الشر معقد ومتراكب، فقد ظهرت عدة اجتهادات فلسفية لسبر غور الشر دون الوصول إلى مفهوم محدد، ولا زال الأمر محلًا للاجتهاد، فقد ظهرت نظرية الحرمان أو الغياب التي فسرت الشر على أنه غياب الخير، تشبيهًا بالظلام الذي يعبر عن غياب الضوء؛ أي إن الشر في حد ذاته ليس كائنًا حاضرًا له وجود، ولكنه تعبير عن غياب كائن ضروري وهو الخير، ولكن ما ندركه من أذى متعمد للشر يجعلنا لا نصدق أنه مجرد غياب للخير، بل هو وجود للأذى المتعمد.
أما المفهوم الفلسفي الثاني للشر في نظريات الثنائية (مثل الزرادشتية)، فهو أن الخير والشر قوتان أساسيتان متعارضتان في الكون، كلاهما ضروريان للتوازن، والصراع بينهما يمثل الوجود، وهذه النظرية قد تبعث الراحة النفسية في نفوسنا عندما نعترف بوجود هذا التوازن والتعارض، ولكن الشر ليس له دور إيجابي لإحداث توازن مع الخير، وكل ما يفعله الشر هو إحداث خلل في مسيرة الحياة، وما يعيد التوازن لهذه المسيرة هو الخير نفسه. فالشر ليس هو ما يحدث التوازن، ولكنه يحدث خللًا في التوازن الطبيعي لمسيرة سرعان ما يعود بطل الخير لإعادة التوازن لمسيرة الحياة.
أما نظرية النسبية الأخلاقية فتذهب إلى أن مفهوم الشر يعتمد بدرجة كبيرة على وجهات النظر الثقافية والاجتماعية والفردية، ولا يوجد معيار مطلق للشر، وقد تكون لهذه النظرية بعض المصداقية في وصف بعض الأفعال بالشر بواسطة معايير كل مجتمع وثقافة، ولكن مفهوم إلحاق الأذى بحياة الآخرين لا يمكن أن يتغير من ثقافة لأخرى، ثم إن مفهوم الأذى أصبح متقاربًا مع التقارب الثقافي والتفاعلات المجتمعية العالمية.
أما نظرية النفعية فهي تُعد الأفعال شريرة إذا كانت تؤدي إلى ضرر أكثر مما تؤدي إلى خير، وعلى ذلك تُعد الأفعال شريرة إذا سببت معاناة غير ضرورية أو قللت من السعادة بوجه عام، وهذا مفهوم عام للشر ولكنه لا يحدد هويته أو دافعه.
أما نظرية الوجودية (جان بول سارتر ونيتشه)، فتذهب إلى أن الشر ينشأ من الحرية البشرية والاختيارات التي يتخذها الأفراد، وهذا يعني أن الشر مكون طبيعي في الكائن البشري لا يظهر إلا إذا سمح له بالوجود بالحرية البشرية، وهذا يعني أنه لا بد من وضع ضوابط تمنع ظهور الشر من البداية، فهذه النظرية تدعي أن الشر يكون نتيجة لأفعال تخون قيم المرء أو تضر بالآخرين نتيجة وجود الحرية، ولكن لا يمكن اتهام الحرية بأنها مولدة الشر، فالحرية لا تجعل كل الأشخاص شريرين، ولكنها قد تسمح للأشرار بالإعلان عن أنفسهم.
ثم إن المجتمعات التي تزداد فيها حرية الفرد تقل فيها بنسبة كبيرة دوافع الشر، لا سيما مع ارتفاع المستوى الثقافي لهذه المجتمعات، لكن وضع قيود على حرية الفرد يجعله ناقمًا على المجتمع وشاعرًا بالظلم، ما يحول رد فعله أحيانًا إلى الإيذاء بالآخرين، وليس هذا مبررًا للشر، ولكنه مجرد مناخ يسهم في توليد دوافع الشر لدى أشخاص ربما يكونون من بداية نشأتهم محبين عابدين للشر أو يتحولون لهذا النحو إثر حادث عابر في حياتهم.
طريق الخلاص
الشر إذًا لا يزال عصيًّا على الفهم، هل هو مرض أم نقص ثقافة أم بطولة زائفة يتخيلها الأشرار في أنفسهم ويهلل لها السذج والغافلون ويصمت أمامها الخائفون؟ إذن لا بد من دراسة ظاهرة الشر وإخضاعها للتحليل الطبي والعلمي حتى يمكن تشخيص الدوافع والأسباب المولدة، ومن ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة على مستوى التنشئة والتعليم والتربية والثقافة، حتى تنحسر رقعة الشر إلى أقل ما يمكن، وبذلك نتفادى كثيرًا من الأذى والجرائم المتولدة عنه، سواء مادية أو معنوية.. نريد مجتمعًا مفتوحًا يستطيع الجميع العيش فيه بحرية وعدالة وسلام، ويتعاون البشر من أجل خير الجميع.
سيبقى الشر والخير فى
عراك ولكن الخير هو من فى
النهاية ينتصر
مقال رائع تحياتى وتقديرى لك
نعم أستاذة سعاد إنتصار الخير في النهاية هو ما يدفعنا في الدفاع عن إستمرار الحياة.. ولو لم ينتصرالخير في النهاية لما إستمرت الحياة وما,صلت إلينا.. فكوننا لازلنا نرفع رايات الحياة هو خير دليل علي إنتصار الخير
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.