الخوف صديق يحمينا أم مرض خبيث يفتك بأحلامنا؟

عشت عمري أخاف القطط رغم إدراكي التام ألا شيء منطقي في كوني أخاف تلك الكائنات اللطيفة، ثم بدأت أسمع قصص صديقاتي عن الحب، وبتّ أخاف من فرط آلامهم أن أحب، لا أحد سيصدق أن تلك الفتاة القوية ذات العقلانية المفرطة، تملك قلبًا أرق من جناح فراشة كنت أظن أن الخوف هو المصير الحتمي لكل ما أتمنى إلى أن سألت نفسي ذات مرة: أين الأمان في أن نبتعد عما نحب بحجة أننا نخاف؟

يدفع الخجل كثيرًا منا لإخفاء مخاوفهم عن العلن، لمجرد الظن بأن الشجاع هو من لا يسمح للخوف أن يسلك طريقًا إلى قلبه، ولكن في الحقيقة، الشجاعة لا تشكل مع الخوف تضادًّا، إنما هي مواجهةٌ لِما نخافه. في حديث مع الأخصائية النفسية بنان الطيار حول الموضوع قالت: إن الخوف شعور طبيعي من مجموعة مشاعر يحفزها العقل، حيث لا يمكننا نفي أهمية أي حالة شعورية يمر بها الإنسان حتى ولو كنا نراها سلبية من منظورنا.

وأضافت: أنه علينا تقبل الخوف كأي شعور آخر، فلولا وجوده لرأينا المئات من حالات الانتحار والقتل، فالخوف يكون في بعض الأوقات رادعًا للإنسان ومانعًا له من أن يؤذي نفسه أو من حوله.

وعن سؤالنا كيف نتعامل مع مخاوفنا ونتجاوزها بما لا يمنعنا عن ممارسة تجارب الحياة تجيب الأخصائية بنان الطيار: علينا بداية تقبل وجود مشاعر الخوف في هذه اللحظة، ومن ثم تحديد من ماذا نخاف؟ ولماذا نحن نشعر بهذا الشعور الآن؟ ومن ثم الإجابة على السؤالين التاليين: ما أسوء ما قد يحصل إذا خضت زمام التجربة؟ وما أفضل ما قد يحصل إذا واجهت مخاوفي وبدأت؟

وغالبًا ما تكون معظم التجارب التي كنا خائفين من خوضها، لا تستحق الخوف الكبير، ولا يترتب على تجربتها خسائر فعلية، ولكن الدماغ البشري يتوقع دائمًا السيناريو الأسوأ، بهدف حمايتنا والحفاظ على استمرارية وجودنا!

وأردفت: إن الناس الذين يواجهون مخاوفهم ولا يستسلمون لها، غالبًا ما نراهم ممتلئين بالمعرفة، ومتحدثين بارعين، يتكلمون في السياسة والاقتصاد ومعظم العلوم، وناجحين في أماكن عملهم؛ لأنهم يتطورون باستمرار.

الخوف من المستقبل، وهم يعطل حياتنا تقول لي صديقتي رغد بارا وهي زميلتي في ميدان الصحافة: إنها تخاف الوحدة والمستقبل، تخشى من فكرة الغد! ولا تعلم هل تخاف؛ لأننا في بلد لا يمكنك أن ترسم فيه آمال بعيدة، فحتى حاضرك أنت لا تملكه، أو ربما نحن شعب درامي، نلبس خوفنا كما نلبس جلودنا، حتى عندما نضحك نقول بخوف: «الله يكفينا شر هالضحكة»، ولكن بكل تأكيد ليس علينا أن نتوقف، نحن سنواجه الخوف ما دام كتبت علينا الحياة.

ويقول لي صديقي: إنه يخشى الرفض. لذلك لم يقوَ على الاعتراف لمن يحبها بمشاعره، هي الآن تعيش الحب، ولكنه سيبقى دائمًا أسير الندم، ليته واجه ما يخاف، لربما كانت هي معه في هذه اللحظات، أو في أسوء الأحوال سيكون قد تجاوزها في هذا الوقت لو رفضته! الشجاعة تكمن في قلب الخوف أذكر ذلك الأسبوع الكارثي تمامًا، زلزال يضرب الأرض، ليل بارد وأنا أسافر وحدي أول مرة. في مهنة الصحافة نحن نعتاد الخوف حتى يصبح جزءًا منا، لا أحد سيركض لينقل آثار الزلزال، وكوارث الحرب إنها مهمتنا! ولأن الحياة ليست عادلة دائمًا كانت أول تغطية صحفية لي هي لكارثة الزلزال انطلقنا في سيارة العمل إلى حلب، حينها كنت أشعر بكومة مخاوف لا أتصورها، وسألت نفسي: هل أنا خائفة على نفسي أم على أمي التي قدمت لي الطعام قبل أن أرحل ولم أستطع تناوله لاستعجالي فغادرت وهي تبكي؟ ترى هل أنا قلقة مما قد أرى من مشاهد مؤلمة أم لأني أسافر أول مرة!!

تخبطات كثيرة كانت تراودني، لا أنكر أني حاولت أن أعود أدراجي، لكن أمور عدة منعتني منها واجبي المهني، الدافع الإنساني ورغبتي أن أكون قريبة من الناس. واليوم أقول لكم أن هذه التجربة صقلتني لولاها ما أصبحت أنا، وما كنت سأدرك أن الشجاع هو من يخاف -يخاف كثيرًا-، ولكنه لا يهرب، فالشجاعة ليست غيابًا للخوف، إنما هي قدرتك على مواجهته، والتصرف بشكل صحيح وسط كل تلك الأفكار التي تحاول أن تسحبك إلى الوراء، وتذكر دائمًا أن مواجهتك للخوف هي ما ستجعلك إنسانًا عظيمًا، أنت لن تصبح شيئًا ما دمت تختبئ في غرفتك توصد الأبواب هربًا من الحياة؛ لأن الحياة في جوهرها الحقيقي هي «خوف».

ابدأ بالتحدث أمام من تحب! إذا كان لديك شخص واحد يدعمك، ويذكرك أنك حتى ولو فشلت أو أخطأت، ومهما كان حجم الكارثة التي قد تحدث من فعل تخشى القيام به، فإنه سيبقى دائمًا مؤمنًا بنجاحك، سيحتضن ألمك حتى تتجاوز الأمر، وسيعانق خوفك في كل مرة تقف فيها مرتبكًا من تكرار التجربة.

يعاني 75% من الأفراد من خوف التحدث أمام الجمهور، ويعد من أكثر أنواع الخوف انتشارًا وأكثرها حدة في التأثير، ولكن علاجها دومًا يكون بالآلية نفسها: "إبدأ بالتحدث أمام من تحب" لا أحد منا يخشى أن يتكلم أمام عائلته أو أصدقائه؛ لأنه مؤمن في قرارة نفسه أنهم لن يحكموا عليه حكمًا سلبيًّا، لن يفقدوا إيمانهم به! فإذا كان محيطك آمنًا وداعمًا لا يطلق عليك أحكامًا مسبقة ستكسر حاجز الخوف الأولي، ثم بوجودهم في الصفوف الأولى في أول مرة تتحدث فيها أمام جمع من الناس سيتملكك الخوف هُنيهة، ثم بمجرد النظر إليهم سيتسرب الأمان إلى عروقك وستتجاوز، وفي كل مرة تتحدث فيها فيما بعد حتى لو لم يكونوا موجودين ستذكر وجوههم، وتصفيقهم، وابتسامتهم الفخورة وستنجح، فالمواجهة هي الحل، وحين تكون بدعم من نحب تصبح فكرة آمنة أكثر.

الهروب ليس فكرة آمنة، والخوف ليس مرضًا خبيثًا تعددت أنواع الخوف، والسبب واحد «بحثنا عن الأمان» ولكن لا أحد منا يدرك أن حجم ألم الندم على عدم خوض التجربة أكبر بأضعاف من ألم تجربتها ولو فشلت، ستتمكن من نسيان أنك فشلت عندما تنجح في المرة التالية، ولكن لا شيء سينسيك أنك تركت أمرًا ما على قارعة التجربة وخسرته؛ لذا الهروب ليس طريقًا آمنًا نسلكه فيحمينا من أذى رسمته مجرد أوهام، ولا الخوف مرض خبيث ينتشر في أحشائنا وعلينا استئصاله! ولأننا لا نطلب من السعادة أن تختفي ومن الحب أن يندثر، من المعيب أن نطلب من الخوف «حارسنا الخفي» أن يرحل، ببساطة المعادلة الرياضية للتعامل مع الخوف هي: «تقبل + مواجهة = تخطي مخاوفنا والانتصار عليها» طبقها واستمتع بنشوة الأدرينالين! وأما الآن أيتها الحياة أثقليني بما لديكِ فما عدت أخافكِ.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
ديسمبر 6, 2023, 7:11 ص - لجين منير شاكر
ديسمبر 6, 2023, 5:39 ص - شيماء دربالي
ديسمبر 4, 2023, 12:50 م - عبدالله مصطفى المساوى
ديسمبر 4, 2023, 9:30 ص - ليلى أحمد حسن مقبول
ديسمبر 4, 2023, 7:52 ص - ألولا عز الدين
ديسمبر 4, 2023, 7:21 ص - عبدالله مصطفى المساوى
ديسمبر 2, 2023, 3:30 م - قدوه نمر الشعار
ديسمبر 2, 2023, 8:20 ص - سندس إبراهيم أحمد
ديسمبر 2, 2023, 7:52 ص - نور الدين شعبو
نوفمبر 30, 2023, 11:37 ص - سمسم مختار ليشع سعد
نوفمبر 29, 2023, 2:41 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 29, 2023, 8:24 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 29, 2023, 7:31 ص - سادين عمار يوسف
نوفمبر 28, 2023, 7:06 ص - أسماء مداني
نوفمبر 27, 2023, 2:42 م - براءة عمر
نوفمبر 27, 2023, 1:56 م - جوَّك لايف ستايل
نوفمبر 27, 2023, 1:17 م - عزوز فوزية
نوفمبر 27, 2023, 11:52 ص - سيرين غازي بدير
نوفمبر 27, 2023, 6:34 ص - بشرى حسن الاحمد
نوفمبر 26, 2023, 2:58 م - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 2:24 م - إبراهيم محمد عبد الجليل
نوفمبر 26, 2023, 10:15 ص - ايه احمد عبدالله
نوفمبر 26, 2023, 9:51 ص - ليلى أحمد حسن مقبول
نوفمبر 26, 2023, 9:27 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 8:03 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 7:52 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 7:35 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 7:01 ص - محمد بخات
نوفمبر 26, 2023, 6:32 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 23, 2023, 12:46 م - رانيا بسام ابوكويك
نوفمبر 23, 2023, 10:41 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 23, 2023, 8:28 ص - احمد عزت عبد الحميد محيى الدين
نوفمبر 23, 2023, 7:26 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 22, 2023, 2:20 م - محمد سمير سيد علي
نوفمبر 22, 2023, 2:00 م - عبدالخالق كلاليب
نوفمبر 22, 2023, 6:45 ص - محمد بخات
نوفمبر 21, 2023, 8:51 ص - مدبولي ماهر مدبولي
نوفمبر 20, 2023, 3:47 م - جوَّك صحة
نوفمبر 20, 2023, 7:41 ص - هاجر فايز سعيد
نوفمبر 19, 2023, 1:27 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 19, 2023, 1:07 م - محمد بخات
نوفمبر 19, 2023, 12:07 م - أسرار الدحان
نوفمبر 19, 2023, 11:06 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 19, 2023, 10:03 ص - فاطمة محمد على
نوفمبر 19, 2023, 7:49 ص - شاكر علي احمد عبدالجبار
نوفمبر 18, 2023, 11:36 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 18, 2023, 10:56 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 18, 2023, 8:09 ص - شيماء عبد الشافي عبد الحميد
نوفمبر 17, 2023, 7:32 م - سادين عمار يوسف
نوفمبر 17, 2023, 6:13 ص - يغمور امازيغ
نوفمبر 16, 2023, 8:30 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 15, 2023, 6:01 م - كامش الهام
نوفمبر 15, 2023, 2:57 م - فاطمة حكمت حسن
نوفمبر 15, 2023, 12:21 م - ساره محمود
نوفمبر 15, 2023, 11:00 ص - يغمور امازيغ
نوفمبر 15, 2023, 9:50 ص - ميساء محمد ديب وهبة
نوفمبر 15, 2023, 8:56 ص - حسن خليل سعد الله
نوفمبر 15, 2023, 7:54 ص - عمرو عبد الحكيم عوض التهامي
نوفمبر 14, 2023, 4:39 م - رزان الفرزدق مصطفى
نوفمبر 14, 2023, 4:16 م - يغمور امازيغ
نوفمبر 14, 2023, 1:22 م - شهير عادل الغاياتي
نبذة عن الكاتب