الخوارج في العصر الأموي.. تعرف الآن

 الخوارج كانت من أهم الاضطرابات التي أصابت الدولة الأموية في آخر عهدها ظهور الخصومات والنزاعات الدينية، فمنذ البداية ظهرت حركة الخوارج في مركز الدولة الإسلامية، لكن بفضل جهود الحجاج بن يوسف الثقفي.

تمكنت الدولة من القضاء عليهم، ولكن ذلك لم يكن قضاءً تامًا على الحركة، إذ إنها ظهرت ونجحت في المشرق والمغرب الإسلاميين.

اقرأ أيضاً من فنون الفن المصري القديم في الدولة القديمة والوسطى والحديثة فن النحت

من هم الخوارج؟ ولماذا عرفوا بهذا الاسم؟

   كان الخوارج يطلقون على أنفسهم اسم (الشراة)، أي الذين شروا آخرتهم بدنياهم، كما يطلق عليهم اسم (الحرورية). ومن الأسماء الأخرى التي تطلق عليهم (المحكِّمة) أي الذين يرفعون شعار «لا حكم إلا لله». 

   ومنذ عام 127هـ/745م بدأ الخوارج بقيادة الضحاك بن قيس الشيباني يثيرون الاضطرابات من جديد في مركز الدولة، وكان الخوارج قد استخلفوا عليهم الضحاك بن قيس الشيباني بعد موت سعيد بن بحدل في عام 127هـ/745م، منتهزين ضعف الحكومة المركزية.

وقد كان من عادة الخوارج أن يظهرون على مسرح الأحداث في حال وقوع نزاع أو خلاف داخلي، أو عندما تكون الظروف مواتية لظهورهم.

وقد استغل الخوارج الخلاف الذي وقع بين عبد الله بن عمر وبين النضر بن سعيد الحرشي المدعوم من الخليفة مباشرة، فتقدم الخوارج بزعامة الضحاك نحو الكوفة، كما ذكر سابقًا بعد اجتياح تكريت.

وعندما علم الطرفان المتحاربان بقدوم الضحاك اتفقا على حربه مجتمعين، لكن الضحاك هزمهم واستولى على الكوفة، فتراجع الطرفان المهزومان إلى واسط، وعادا إلى الاقتتال فيها فيما بينهما من جديد.

ولما تقدم الخوارج بقيادة الضحاك نحو واسط اجتمعا ثانية على قتاله، واستمرت الحرب بين الطرفين ثلاثة أشهر، انتهت بدخول عبد الله بن عمر في حلف الضحاك الخارجي، ومعه منصور بن جمهور -والي العراق سابقًا ليزيد الثالث- وسليمان بن هشام بن عبد الملك، بعد فراره أمام قوات الخليفة التي قضت على ثورته في قنسرين ومدينة حمص.

أما والي الخليفة النضر بن سعيد الحرشي فقد هرب إلى مروان بن محمد لعدم قدرته على مواجهة الوضع الجديد، وكان ذلك في شوال من سنة 127هـ /745م.

   لقد كانت هذه المرة الأولى التي يتفق فيها الخوارج مع أمراء بني أمية، ويأخذون البيعة منهم، ومن المؤكد أن ذلك يعد نصرًا كبيرًا للخوارج ومصدر سعادة لهم، لا سيما ما حصل من انضمام عبد الله بن عمر بن عبد العزيز إليهم، ومكانة والده عند الخوارج، إذ ولَّاه الخوارج حكم شرقي العراق وكوزستان وفارس. 

   وقد تقدم الضحاك باتجاه الشمال مرة أخرى، فدخل الموصل واستولى عليها، وحقق ما كان يسعى إليه سلفه سعيد بن بحدل -كما مر أعلاه- وأخذ يهدد نصيبين، في حين لا زال مروان بن محمد منشغلًا بإخضاع حمص، وقد طلب مروان من ابنه عبد الله أن يسير إلى الضحاك ويحاربه فيمن معه، ليمنع الضحاك في الأقل من احتلال وسط الجزيرة، لكن جنود عبد الله بن مروان كانوا قلة بالمقارنة مع القوة العظيمة للضحاك، ما أدى إلى حصار عبد الله بن مروان في نصيبين من قبل الخوارج.

ولما انتهى مروان من أمر حمص سار إلى الضحاك، والتقى به بالقرب من ماردين، فانهزم جيش الضحاك، وقُتل الضحاك نفسه في تلك المعركة، وقد حدث ذلك في سنة 129هـ/747م.

   وقد بايع الخوارج بعد الضحاك شخص يدعى الخيبري، وتمكن جنود مروان أيضًا من قتل الخيبري في الحرب الدائرة بين الفريقين، ثم ولى الخوارج أمرهم إلى شخص ثالث اسمه شيبان الحروري الذي هُزم هو الآخر أمام قوات مروان، أما سليمان بن هشام فقد ركب ومن معه من أهله ومواليه السفن إلى السند، ثم عاد بعد أن قامت دولة بني العباس، حيث قتل على يد أبي العباس السفاح.

   أما عبد الله بن عمر بن عبد العزيز فقد قبض عليه في واسط، في حين هرب منصور بن جمهور إلى الهند، أما عبد الله بن معاوية بن جعفر الذي غلب على الجبال وحلوان وهمذان وإصطخر من بلاد فارس، فقد حاربه قائد الخليفة الذي كان يطارد شيبان الحروري الخارجي، وهو «عامر بن خبارة» فهُزم عبد الله بن معاوية وتراجع إلى هراة. وبذلك تكون جيوش الخليفة قد تمكنت من السيطرة على العراق كله بعد طرد الخوارج وعمالهم منه.

   أما الخوارج في جزيرة العرب فقد تمكن الخليفة من القضاء عليهم بحلول عام 129-130هـ. وأصبح بذلك غربي الإمبراطورية الإسلامية وجنوبي شرقها تحت سلطة الخليفة مروان بن محمد.

   وما حارب الخليفة الخوارج ( الشراة) الذين ظهروا في شرق العالم الإسلامي في أرمينية وأذربيجان وأردبيل وبيلقان، وداوم على ذلك لولا ظهور أبو مسلم الخراساني في خراسان، إذ شعرت جيوش الأمويين بقرب زوال حكم بني أمية. 

   وعلى الرغم من قلة عدد الخوارج النسبية؛ فإنهم استطاعوا اكتساح العراق بجنوبه وشماله، والحجاز واليمن، والاستيلاء عليها ردحًا من الزمن. وكانت سنة 128هـ/746م هي السنة التي شهدت سيطرة الخوارج على أجزاء واسعة من الدولة الإسلامية، وقد بلغ بهم الأمر أن ضربوا الدراهم والفلوس في مدينة الكوفة، وكذلك في مدينة الموصل في شمال العراق.

وقد استطاع مروان بن محمد بخبرته العسكرية الفذة أن يهزمهم، فقتل معظم زعمائهم، وقد لجأ الخوارج الفارون من الحجاز واليمن إلى حضرموت، في حين لجأ الخوارج الفارون من العراق إلى بلاد فارس، حيث أضافوا عاملًا جديدًا من عوامل الفوضى والاضطراب التي كانت سائدة هناك. 

اقرأ أيضاً  ملخص القانون الدولي العام

ثورة جديع بن علي الكرماني

   ذكرنا سابقًا ما وقع من الخلاف بين زعيم قبيلة الأزد اليمانية جديع بن علي الكرماني وبين نصر بن سيار والي خراسان عقب مقتل الوليد الثاني.

في معرض حديثنا عن الفتن والاضطرابات التي ترتبت على مقتل الوليد الثاني. وكان ذلك في عهد يزيد الثالث، فقد عزل والي العراق ليزيد الثالث منصور بن جمهور نصر بن سيار عن خراسان وعيّن أخاه منظور بن جمهور، لكن نصر رفض التسليم بذلك، ما يعني خروجه على السلطة في دمشق.

فكان حكمه لذلك غير شرعي؛ لأنه لا يستند إلى تأييد الخليفة. وقد استغل الكرماني هذه المحنة التي وقع فيها نصر، وأخذ يسعى لنيل ولاية خراسان. 

   فضلًا عن ذلك برزت هناك مشكلة أخرى استغلها الكرماني، وهي الصدام والشقاق الذي كان يحصل باستمرار بين القادمين الجدد من الجند والعرب الذين يرسلهم الخليفة إلى بلاد خراسان لدعم موقف الوالي في الإقليم وبين العرب القدماء من أهل خراسان الذين استقروا واشتغلوا بالتجارة وشراء الأراضي، وأصبحوا يتذمرون من دفع الضرائب.

ومن إجبار الدولة لهم على القتال حتى في فصل الشتاء، فقد كان الجند يعودون إلى عوائلهم في الشتاء، ويقاتلون ضد قبائل الترك في الصيف فقط.

   فتكونت في خراسان كتلتان من أهل خراسان العرب، اتخذت كل منهما ممثلًا لها، هما كتلة نصر بن سيار والي خراسان، وكتلة جديع بن علي الكرماني، خصم نصر العنيد ومنافسه على الولاية.

اقرأ أيضاً دور الثقافة المجتمعية في تحسين كفاءة الانفاق العام المصري

ولاية الخليفة مروان على العراق

عيَّن الخليفة مروان على العراق واليًّا جديدًا هو يزيد بن عمر بن هبيرة سنة 128هـ/746م، فأقر الأخير بولاية نصر بن سيار على خراسان، ذلك أن ولاية خراسان كانت تتبع العراق، كما سبق شرحه، وقد أعلن نصر بيعته للخليفة مروان بن محمد، ما أثار من جديد غضب القبائل اليمانية بزعامة جديع بن علي الكرماني الذي كان يطمع بولاية خراسان لنفسه. 

   وقد تحالف الكرماني مع أحد الخارجين على نصر بن سيار وهو الحارث بن سريج (المرجئ)، على حرب بن سيار، وقد تغلب نصر على الحارث لكنه انسحب إلى نيسابور أمام الكرماني حيث دخل الأخير مرو.

ولكن خلافًا وقع بين المتحالفين (الحارث والكرماني) أدى إلى قتل الحارث على يد الكرماني في سنة 128هـ/746م. وفاز الكرماني ومن معه من القبائل اليمانية بمدينة مرو. ولكن نصر بن سيار أخذ يعد العدة لاستعادة مرو من الكرماني.

اقرأ أيضاً ماذا تعرف عن المملكة المغربية؟.. موقعها وتاريخها

إغتيال الكرمانى

   وقد حاول نصر الحصول على دعم الخليفة لكن الأخير لم يستطع إنجاده، وذلك بسبب انشغاله بالثورات والاضطرابات التي خرجت عليه في بلاد الشام والعراق والجزيرة العربية.

ولذلك اضطر نصر إلى التقرب من الكرماني ثانية، وأقنعه باللقاء معه والمفاوضة لحل الأزمة سلميًّا، ولكن الكرماني اغتيل في مكان المقابلة تلك على يد ابن الحارث المرجئ ثأرًا لوالده بالتنسيق مع نصر بن سيار. وهكذا انتهت حركة هذا المغامر السياسي، وبدأ نصر يحاول استعادة سلطته على خراسان من جديد.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة
بقلم عبدالحليم ماهاما دادولا عيدالرحمن
بقلم عبدالحليم ماهاما دادولا عيدالرحمن
بقلم عبدالحليم ماهاما دادولا عيدالرحمن
بقلم عبدالحليم ماهاما دادولا عيدالرحمن
بقلم عبدالحليم ماهاما دادولا عيدالرحمن