اكتشف عالم الخنزير القزم المدهش، أصغر وأندر أنواع الخنازير البرية على وجه الأرض الذي يتشبث بالبقاء في بقعة صغيرة من شمال شرق الهند، هذا المخلوق الصغير الذي يحمل سحرًا خاصًّا يثير فضولنا تجاه عالمه الغامض، فهو يصنف من أندر وأصغر أنواع الخنازير عالميًّا، إذ لا يتجاوز طوله 70 سم، إضافة إلى انتشاره الجغرافي المحدود للغاية، وقد اعتقد الباحثون أنه انقرض منتصف القرن العشرين، لكن أعيد اكتشافه لاحقًا، ما دفع المنظمات البيئية إلى مضاعفة جهود الحفاظ عليه.
هذا المقال يأخذك في رحلة شاملة للتعرف على هذا الكائن المصغر، بدءًا من تفاصيل حياته اليومية ونظام غذائه، وصولًا إلى التحديات الجسيمة التي تهدد وجوده وجهود الحفاظ عليه، استعد لمعرفة كل شيء عن هذا الحيوان الفريد والمهدد بالانقراض.
الخنزير القزم.. أصغر وأندر خنزير بري في العالم
الخنزير القزم، أو كما يُسمى العفر القزم والرت أو الخنزير البري القزم، اسمه بالإنجليزية «Pygmy hog»، ويُطلق عليه باللغة العلمية «Porcula salvania»، وقد تم تصنيفه سابقًا ضمن جنس Sus، ولكنه الآن يُعترف به في جنسه الخاص Porcula، ويعيش بصورة أساسية في مناطق محدودة من شمال شرق الهند، ويُعد الخنزير القزم أصغر وأندر أنواع الخنازير البرية في العالم، وهو الآن يواجه خطر الانقراض الشديد، فهو يُصنف كونه مهددًا بالانقراض بدرجة قصوى (Critically Endangered) من قبل الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)، ومع ذلك تبعث جهود إعادة توطينه مثل تلك التي يقوم بها برنامج الحفاظ على الخنزير القزم (Pygmy Hog Conservation Programme - PHCP) الأمل في تحسين فرص بقائه، ما يمنحنا تفاؤلًا بمستقبل هذا النوع النادر من الثدييات، ويمكنك الاطلاع على حالة حفظه الحالية عبر موقع القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض التابع لـ IUCN.
موطن الخنزير القزم
الخنزير القزم هو نوع متوطن في شمال شرق الهند، حيث كان ينتشر في الماضي عبر مناطق واسعة تمتد من تيراي في أوتار براديش عبر نيبال إلى بنغلاديش وشمال غرب البنغال وولاية آسام، وكان موجودًا في كل من الهند ونيبال وبوتان، لكن أعداده تراجعت بدرجة كبيرة نتيجة فقدان الموائل والصيد الجائر.
واليوم، لم يعد بالإمكان العثور عليه إلا في المناطق الشمالية الغربية من ولاية آسام، وتحديدًا في حديقة ماناس الوطنية، حيث يعيش في المراعي الطويلة الكثيفة عند سفوح جبال الهيمالايا الجنوبية، وعلى الرغم من انحسار وجوده إلى رقعة جغرافية ضيقة، فإن الهند تظل موطنه الأصلي، حيث لا يزال يكافح من أجل البقاء في بيئته الطبيعية.
الصفات الجسدية والحجم المميز للخنزير القزم
يتميز هذا الحيوان بحجمه الصغير، فهو من أصغر أنواع الخنازير البرية في العالم، يتراوح طوله بين 55 و71 سم، في حين يبلغ ارتفاعه عند الكتف من 20 إلى 25 سم.
يتميز هذا الخنزير بجسمه الصغير والبنية المدمجة مع أرجل قصيرة، ما يمنحه مظهرًا فريدًا بين أفراد عائلته.
يزن الذكر البالغ نحو 8.5 كجم في المتوسط، في حين تكون الإناث أصغر حجمًا قليلًا، وتزن حديثة الولادة ما بين 150 و200 جرام فقط.
يتميز جلد الخنزير القزم بلونه البني المائل إلى الرمادي، فيما يكسو جسمه معطف من الشعيرات البنية المسودة. ويظهر الجزء الظهري من جسمه داكن اللون على عكس منطقة البطن الأفتح لونًا.
تمتلك صغار الخنازير القزمة حديثة الولادة لونًا رماديًّا ورديًّا، في حين تظهر على الصغار الأكبر سنًا خطوط صفراء طولية على معطفها البني.
أما رأسه، فهو مدبب الشكل مع قمة خفيفة من الشعر تمتد من الجبهة إلى مؤخرة الرقبة. لدى الذكور البالغة أنياب علوية ظاهرة على جانبي الفم، وهي متطورة بصورة جيدة، إلى جانب الأضراس ذات النتوءات المستديرة.
ثم إن لديها شعرًا طويلًا فوق الشفة العليا، وبشرة داكنة اللون على الجبهة والرقبة، ما يمنحها مظهرًا مميزًا عن الإناث.
يعيش الخنزير القزم في المروج العشبية الكثيفة في الهند، ويمثل نموذجًا مصغرًا لعالم الحيوان، ما يقدم لنا لمحة عن التنوع البيولوجي المذهل الذي يزخر به كوكبنا.
السلوك الاجتماعي والنظام الغذائي للخنزير القزم
ينتمي الخنزير القزم إلى الحيوانات النهارية، فنجده يخصص 6-10 ساعات يوميًّا للبحث عن الطعام، وعادةً ما يأخذ استراحة في منتصف النهار للهروب من حرارة الظهيرة المرتفعة، ويتغذى هذا الحيوان على مجموعة متنوعة من الأطعمة، فهو من الكائنات القارتة، ويعني آكلة النباتات واللحوم، ويعتمد غذاؤه على الجذور والدرنات، والبذور، والفواكه والأعشاب، بالإضافة إلى الحشرات والبيض، والزواحف الصغيرة، حتى الطيور الصغيرة.
يُعد الخنزير القزم من الحيوانات الاجتماعية، حيث يعيش في مجموعات عائلية صغيرة تُسمى (ساوندرز) (Sounders)، وتتكوَّن عادة من أنثى أو اثنتين مع صغارها.
ومع أنها غير إقليمية، فإن بعض المجموعات قد تصل إلى 20 فردًا، في المقابل، تعيش الذكور البالغة حياة منعزلة، ولكنها تحافظ على تواصل فضفاض مع مجموعتها العائلية.
تتواصل هذه الخنازير بواسطة أصوات شخير ناعمة، وتعتمد بدرجة كبيرة على الروائح والإشارات الصوتية في التواصل بين أفراد المجموعة.
يتمتع الخنزير القزم بسلوك تعشيش فريد من نوعه، فالإناث تستغل الأعشاب الطويلة في بيئتها لبناء أعشاش قوية ومتينة، وتُستخدم هذه الأعشاش للنوم ليلًا، والاحتماء من حرارة النهار، وأيضًا لحماية الصغار حديثي الولادة.
وعندما تصل الخنازير الصغيرة إلى سن معينة، تبدأ في مساعدة الأمهات في إصلاح الأعشاش. على عكس الأنواع الأخرى من الخنازير، تبني الخنازير القزمة أعشاشًا على شكل قباب، توفِّر لها الحماية من المفترسات والظروف الجوية القاسية.
التكاثر ودورة حياة الخنزير القزم
يبدأ موسم التزاوج للخنزير القزم بين نوفمبر وفبراير، خلال هذه المدة تتنافس الذكور لجذب الإناث باستخدام أنيابها لتخويف المنافسين، وعادةً ما تلد الإناث خلال بداية موسم الرياح الموسمية (أبريل-مايو)، عندما يكون الغذاء وفيرًا. وبعد مرحلة حمل تمتد من 100 إلى 120 يومًا، تلد الأنثى ما بين 2 و6 صغار، بمتوسط 3 إلى 4 خنازير صغيرة.
تختار الأنثى الابتعاد عن المجموعة لبناء عش من الأعشاب والقش، حيث تلد وترعى صغارها في أمان، وتبقى الأم مع صغارها مدة أسبوع في الأقل قبل أن تبدأ في السماح لهم بالاندماج مع المجموعة العائلية.
تصل الخنازير القزمة إلى مرحلة النضج الجنسي بين عام وعامين، ويمكنها العيش حتى 8 سنوات في البرية، في حين قد تصل أعمارها إلى 14 عامًا في الأسر.
يعيش الخنزير القزم ضمن نطاق مساحات تصل إلى 25 هكتارًا، وهو يعتمد على التكيّف السلوكي للحفاظ على بقائه في بيئته البرية.
التهديدات التي تواجه الخنزير القزم
نظرًا لصغر حجمه، يتعرض الخنزير القزم لعدد من التهديدات في بيئته الطبيعية، ويُعد أكثر الثدييات المهددة بالانقراض في العالم، وصُنف هكذا منذ عام 2008، وتمثل كل من الثعابين، والطيور الجارحة، والحيوانات المفترسة الكبيرة خطرًا عليه.
عند الشعور بالخطر، تُصدر الصغار أصواتًا شبيهة بمواء القطط أو أصوات النمس، في محاولة للهرب أو طلب المساعدة.
ثم إن النشاط البشري من أكبر التهديدات التي تواجه هذا النوع، إذ أدى تدمير موائله الطبيعية إلى انخفاض أعداده بدرجة كبيرة. حتى في المناطق المحمية، تتعرض للحرق المتكرر كجزء من عمليات الصيانة. وبسبب النمو السكاني السريع، وإزالة الغابات، وزراعة الأشجار في الأراضي العشبية، يمثل اليوم خطرًا حقيقيًّا على أعداد الخنزير القزم المتبقية في البرية.
جهود الحفظ وإعادة التوطين
لمواجهة هذا الوضع الحرج، تم إطلاق برنامج الحفاظ على الخنزير القزم (PHCP) في عام 1995، وهو جهد تعاوني بين عدة منظمات حكومية وغير حكومية، ويركز البرنامج على إستراتيجية متعددة المحاور تشمل:
- الإكثار في الأسر (Captive Breeding): إنشاء مجموعات تكاثر في الأسر من عدد قليل من الأفراد البرية التي تم أسرها لضمان وجود مصدر للخنازير لإعادة التوطين والحفاظ على التنوع الجيني.
- إدارة الموائل: العمل مع السلطات المحلية والمجتمعات لتحسين إدارة الأراضي العشبية في المناطق المحمية، بما في ذلك التحكم في الحرائق وإزالة الأنواع النباتية الغازية.
- إعادة التوطين (Reintroduction): إطلاق مجموعات من الخنازير التي تمت تربيتها في الأسر إلى مناطق محمية مناسبة ضمن نطاقها التاريخي، مثل حديقة أورانج الوطنية (Orang National Park) ومحمية سوناي روباي للحياة البرية (Sonai Rupai Wildlife Sanctuary) ومحمية بارنادي للحياة البرية (Barnadi Wildlife Sanctuary)، بالإضافة إلى تعزيز الأعداد في حديقة ماناس الوطنية.
- المراقبة والبحث العلمي: متابعة المجموعات المُعاد توطينها باستخدام تقنيات مثل الكاميرات الفخية والتحليل الجيني لدراسة تأقلمها ونجاح تكاثرها، وفهم بيولوجيتها بشكل أفضل.
- التوعية والمشاركة المجتمعية: العمل مع المجتمعات المحلية لزيادة الوعي بأهمية الخنزير القزم وموائله وتقليل الأنشطة البشرية الضارة، وقد حقق البرنامج نجاحات ملحوظة في إعادة تأسيس تجمعات برية خارج حديقة ماناس، ولكنه يواجه تحديات مستمرة تتعلق بضمان الأمن طويل الأمد للموائل المُعاد تأهيلها والحفاظ على تنوع جيني صحي للسكان في الأسر والبرية.
يمثل الخنزير القزم -أصغر حجم وأندر وجود بين الخنازير البرية- كنزًا بيولوجيًا فريدًا في سهول الهند الشمالية الشرقية، وقصة بقائه هي صراع مستمر ضد فقدان الموائل والضغوط البشرية، ما يجعله رمزًا للتحديات التي تواجه التنوع البيولوجي العالمي، إن فهمنا لحياته وسلوكه والتهديدات التي يواجهها هو الخطوة الأولى نحو دعم جهود الحفاظ عليه، بفضل برامج الحماية وإعادة التوطين المستمرة، لا يزال يوجد أمل في تأمين مستقبل هذا الكائن المذهل وضمان استمراره كجزء لا يتجزأ من النظام البيئي لسفوح الهيمالايا.
وصلنا إلى نهاية مقالنا اليوم عن الخنزير القزم الذي قدمنا لك فيه معلومات جمَّة تخص حياته ومكان وجوده، إلى جانب التحديات التي تواجهه، ودورة التكاثر الخاصة به، وبعض المعلومات الأخرى المهمة عنه، وفي النهاية، يجب الحث على جهود برنامج الحفاظ على الخنازير القزمة الذي يُدَار بالتعاون بين الحكومة الهندية، ومؤسسة دوريل البريطانية للحفاظ على الحياة البرية، ومنظمة «أرانياك» المحلية غير الربحية، لضمان استدامة بيئته، للحفاظ على بقائه في البرية للأجيال القادمة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.