فقدان الخصوصية وأثره النفسي.
عندما يفتقد الإنسان مساحته الخاصة وخصوصيته، يبدأ المعنى بالتلاشي داخله، ويتحول إلى العيش في مشهد مظلم بلا أضواء توضح معالم الأحداث الداخلية، عندها يصبح بلا سكون يرتاح فيه، قلبه المضطرب يبحث عن لحظات الانفراد، نفسه تشكو من عدم وجود من يتفهمها، ويجد أنه محاصر بأصوات الآخرين وأفكارهم، دون أن يجد له وقتًا خاصًّا يقضيه مع نفسه التي تفتقده بشدة، عندها يتحول إلى كائن مُنزعج، ومنه إلى مُزعج.
اقرأ أيضاً أضرار الدروس الخصوصية ووسائل مكافحتها
الأثر النفسي لفقدان الخصوصية على الإنسان
يجد نفسه محاصرًا بحدود لا تعبِّر عنه، وتتلاشى ذكرياته وأفكاره وتأملاته في بحر الاندماج والتشابه، وتصبح ذاته متاحة للجميع، ولذاته غير متاحة، محاطًا بأصوات الآخرين التي تسد كل مساحة لصوته الخاص، يصبح مفقودًا داخليًّا، ويكون وجهًا بين الزحام، لا يستطيع محادثة نفسه ويتحول إلى رد الكلام فقط، ممنوعًا من الدخول إلى ذاته، والتحدث معها والتفرد بها، وبذلك يشعر بالغربة ليس بين أهله، لكن بينه وبين نفسه.
عندما يصبح الفرد عاجزًا عن وجود مساحة خاصة له، يبدأ في تجربة مشاعر الضياع والعزلة داخل عالمه الخارجي، ما يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات نفسية شديدة الخطر.
أشارت كثير من الدراسات النفسية إلى خطورة هذا الوضع على الصحة النفسية والعقلية للفرد.
فزيادة مشاعر الضغط النفسى تعود إلى فقد الفرد مساحته الخاصة، ويصبح الشخص المرح المقبل والمقبول مُتذمرًا، مضطربًا، مزعجًا، ويزداد شعوره بالضغط النفسي والقلق، ويغرق نفسه ومَن حوله في دوامات الشكوى، ثم تدهور العلاقات الاجتماعية.
اقرأ أيضاً الضغط النفسي.. أعراضه وكيف تتحكم فيه
نتائج عدم وجود الخصوصية على الفرد
يؤدي عدم وجود مساحة خاصة للفرد إلى تقليل جودة علاقاته الاجتماعية، فيصبح أقل قدرة على التفاعل والتواصل على نحو صحيح مع الآخرين، فهو لا يستطيع أن يعطي نفسه ما يعطيه للآخرين؛ ما يؤدي إلى ارتفاع مستويات الإجهاد.
إن الشعور بعدم الخصوصية يؤدي إلى زيادة مستويات الإجهاد، ليؤثر سلبيًّا في الصحة العامة، ويزيد خطر الإصابة بالأمراض المزمنة.
ثم يبدأ مَن حوله في الشكوى من تقلباته المزاجية المفاجئة، نتيجة لعدم الراحة والاضطرابات النفسية التي تنتج عن فقدان الخصوصية، ويزيد هذا الرفض لذاته بداخله، فيبدأ بالانسحاب الاجتماعي، وقد يلجأ إلى الانعزال عن المجتمع، ليكون وسيلة للهروب من الضغوطات النفسية المرتبطة بفقدان الخصوصية.
لكنه لا يستطيع أن يجد مساحته الخاصة أو الشخصية، وبعد فقد الأمل فى وجودها يلجأ إلى استخدام وسائل التهدئة السلبية، وحينئذ تكون سلبية لأنه ليس بحاجة لها، هو بحاجة إلى ذاته التي هي بحاجة له.
يمكن أن يلجأ البعض للطبيب أو المعالج للتعامل مع مشاعر الضياع التى بينه وبين ذاته، وتبدأ رحلة العلاج بالعقاقير فيتحول إلى مرض عضوي واضطراب.
في النهاية، يجب أن ندرك أهمية إعطاء الأفراد مساحة خاصة للتفكير والاسترخاء؛ لأن فقدان الخصوصية له تأثيرات سلبية في الصحة النفسية والعقلية والجسدية، وقد يؤدي إلى تدهور العلاقات الاجتماعية وزيادة مستويات الإجهاد، والإصابة بأمراض عضوية، وفقدان الرغبة، وازدياد الرغبة لكن في الموت.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.