الخروج من لحظات الإحباط

تمهيد

تمر في حياتنا لحظات كثير من الإحباط.. أحيانًا تمر قارصة سريعة سرعان ما تختفي وأحيانًا تمر بطيئة ثقيلة ممتدة تقاوم الفناء وتعاند البلاء.. فما هذه اللحظات؟ ولماذا تنشأ؟ وكيف نتغلب عليها؟ وهل هي دائمًا لحظات سلبية تقتص من زمن حياتنا أم يمكن أن يكون لها جوانب وأبعاد إيجابية تضيف إلي حياتنا؟

الإحباط في اللغة

في اللغة العربية يعرف الإحباط بأنه (الحيلولة دُونَ تحقيقِ المرءِ رغبةً مِن رغَباتِه، ويصاحب ذلك ضرب من الحسرة وخيبة الأمل، وهو مجموعة من مشاعر مؤلمة تنتج عن وجود عائق يحول دون إشباع حاجة من الحاجات أو معالجة مشكلة من المشكلات لدى الشخص.

وفي اللغة الإنجليزية يعرف الإحباط frustration بأنه (رد فعل شائع لضغوطات متكررة لم يتم حلها. ويكون مصحوبًا بالعدوان والعداء والاندفاع والدفاع). وفي علم النفس هو (استجابة عاطفية شائعة للمعارضة، تتعلق بالغضب والانزعاج وخيبة الأمل. وينشأ من المقاومة المتصورة لتحقيق إرادة الفرد أو هدفه).

اقرأ أيضًا: كيف ترفع معنوياتك بنفسك عندما تصاب بالإحباط دون مساعدة الآخرين؟

الإحباط وخيبة الأمل واليأس

and despair  Frustration, disappointment

الإحباط وخيبة الأمل عاطفتان مترابطتان لكن توجد فواصل بينهما، فالإحباط ينشأ عندما نواجه عقبات أو حواجز تمنعنا من تحقيق أهدافنا أو رغباتنا أي إن الإحباط يصدر إلينا الشعور بالعجز وعدم المقدرة، وهو شعور قد يؤدي بنا لفقدان الثقة بأنفسنا وقدرتنا علي فعل الشيء، ومن ثم يمثل تهديدًا شديد الخطر لوجودنا الفعال، وقد يدفعنا للسلبية أو الانسحاب من مسرح الحياة الاجتماعية.

أما خيبة الأمل فهي تعني عدم تحقق توقعاتنا أو عدم نجاح مبادراتنا العاطفية، فخيبة الأمل هي مفهوم وإحساس عاطفي يغلب عليه الأسي والحسرة نتيجة الفشل أو الخيبة التي واجهت توقعاتنا في الآخرين. إذن الإحباط مرتبط أكثر بالحدث وخيبة الأمل مرتبطة أكثر بالأشخاص وأحيانا يرتبط الحدث بالأشخاص، فيمتزج شعور الإحباط بشعور خيبة الأمل.

ويمكن القول إن الإحباط هو علي الأحرى عاطفة موضوعية تتوقف علي الموضوع أو الحدث، أما خيبة الأمل فهي علي الأرجح عاطفة شخصية تتوقف علي علاقاتنا بالأشخاص وردود أفعالهم. وعندما نواجه عقبة في حياتنا ولا نستطيع تخطيها فهذا يولد في الإحساس بالإحباط، وعندما تكون هذه العقبة مرتبطة برغبات أو مداخلات أو قرارات عاطفية لأشخاص آخرين، فإن شعور الإحباط يمتزج هنا بشعور خيبة الأمل، فلم نجد في الآخرين الدعم الذي كنا نتوقعه أو العدل الذي كنا نحسبه نافذًا قراره.

أما اليأس فهو النتيجة النهائية التي يؤول إليها الإحباط عندما تتكرر أحداثه. فالإحباط هو رد فعل لحدث واحد ويمكن أن يتغلب علي الإنسان، أما اليأس فهو عاطفة دائمة بعدم المقدرة علي الفعل والنجاح نتيجة تأكد العجز بتكرار وقوع مشاعر الإحباط.

اقرأ أيضًا: كيفية التخلص من الإحباط والفشل والاستمرار في حياتك

الإحباط والاكتئاب والخروج من الدائرة الجهنمية

يمكن أن يؤدي الإحباط (Frustration) إلي اكتئاب (Depression) وهو اضطراب مزاجي يسبب مشاعر الحزن المستمرة وفقدان الاهتمام، فيؤثر ذلك على المشاعر والتفكير والتصرفات، ما يؤدي إلى تحديات عاطفية وجسدية تتوجه نحو الذات، ما ينتج أعراضًا من الحزن والهيجان واضطرابات النوم والتعب وتغيرات الشهية، وأفكار غاضبة تتبلور نحو الضيق بالنفس وعقابها، وتصل في أقصي درجاتها للتفكير في الموت أو الانتحار، ما يتطلب المساعدة الطبية المبكرًة قبل استفحال الأمر؛ لذا فإنه من الضرورة القصوي أن نواجه الإحباط أولًا بأول قبل أن يتحول إلي اكتئاب قد يصعب السيطرة عليه عندما يصل لمراحل متأخرة.

إستراتيجيات عامة للخروج من الإحباط

1- النفس العميق

عند أول وهلة نقابل فيها موقفًا محبطًا علينا أن نغمض أعيننا ونأخذ نفسًا عميقًا ونقول لأنفسنا هذه ليست نهاية العالم. دعنا نري ماذا نحن فاعلون، وعلي أي شيء قادرون.

2-تحليل عناصر موقف الإحباط

يؤدي تحليل عناصر الإحباط إلي الوقوف علي أيها أكثر تأثيرًا كي يمكن تحديد طريقة نزع الفتيل ووضع حلول إبداعية لعناصر معقد الإحباط.

3- النظرة الموضوعية لمعادلة الفشل:

ما السبب في عدم القدرة علي تخطي العقبات.. هل هو عظم العقبة في حد ذاتها أم تضاؤل قدرة الشخص أمام العقبة أم تدخل عوامل خارجية لزيادة العقبة أو إضعاف الفرد. وكل هذه الافتراضات حالات موضوعية يمكن مواجهتها ولا تدين الفرد.

4- الاعتراف بالأمر الواقع

إذا كان الأمر الواقع يقول إن العقبة أكبر من قدراتنا، فلابد أن ننمي قدراتنا حتي تفوق العقبة أو نسعي لاستجلاب مساعدة الآخرين. أو ننتظر حتي يتغير الوضع القائم تلقائيًّا أو نتيجة أفعالنا المتواصلة ببحثنا عن إزالة أو تحييد العوامل المتحالفة ضدنا.

5- الصبر والمثابرة.

كثير من المواقف المحبطة تنشأ نتيجة تداخل عوامل عدة في آن واحد؛ لذا فإن ترك الزمن يعمل بحرية يمكنه أن يفكك بعض هذه العوامل، ومن ثم تصبح العقبة أيسر علي الحل؛ لذا فإن ترك مساحة زمنية يمكن في حد ذاته أن يقلل أو يهون من شأن العقبة مسببة الإحباط. مرور الزمن يجعلنا نخرج من صدمة الإحباط الأولي فنري العقبة في حجمها الحقيقي، ثم إن ثقتنا في أنفسنا تعود تدريجيًّا لوضعها السابق، ما يولد في أنفسنا ليس فقط ثقافة وشجاعة المواجهة، ولكن أيضًا القدرة علي إنتاج حلول جديدة للتحدي الذي نواجه، وإذا كان الصبر هو ترك الزمن يعمل فإن المثابرة هي أن ندعوا أنفسنا لدوام العمل مع دوران الزمن.

اقرأ أيضًا: 5 أسباب تحيط الشخص الذكي بالإحباط.. تعرف عليها الآن

6- تحويل لحظات الإحباط لعناصر قوة.

عندما نحلل عناصر الإحباط يمكننا بسهولة أن نحولها لعناصر قوة بتحديد الفعل المطلوب لمواجه النقص الملحوظ، فمثلًا إذا كنا نعاني نقص قدرات، فإن وضع خطة لاكتساب هذه القدرات يعد في حد ذاته نقطة إيجابية ليس فقط لمواجهة الموقف الحالي، ولكن أيضًا لدعم بناء العقل في مواجهة المواقف المستقبلية ذات الصلة.

7- التخطي الزمني للحظة الإحباط.

يجب أن يستقر في وعينا أن الإحباط يحدث في لحظة واحدة وهذه اللحظة ستمر وسط آلاف اللحظات الأخرى، ويمكن أن تترك مكانها للحظات أكثر إشراقًا؛ لذا يجب أن نفكر علي المدي الزمني الطويل ولا نقصره علي هذه اللحظة الضيقة. وهذا التفكير الشامل يحررنا من قبضة هذه اللحظة، ويجعلنا نتصور ونفكر في معزل عن ضغط اللحظة الآنية، ما يعطينا قوة أكبر في مواجهة لحظة الإحباط الآنية.

8- التفكير بكامل الوعي واليقظة

والتأمل مليًّا في الموضوع يخضع لحظة الإحباط لقوة وعي كبيرة، فيتضاءل الخطر ويصل لحجمه الطبيعي، وينحسر الخوف من الإحباط.

9- مناقشة الموضوع مع صديق حميم

يمكن أن يقلل ذلك الأثر الآني للحظة الإحباط، ويقلل من حجم الإحباط والمخاوف المرتبطة به.

10- ممارسة بعض الأنشطة الترويحية

مثل سماع الموسيقي أو ممارسة الرياضة يمكن أن يساعد علي الخروج من اختناق وقتامة لحظة الإحباط إلي رحابة الأمل والتجدد، فلا شك أن انفتاح القلب والعقل لمثل هذه الأنشطة سيقلل الضغط من ناحية، ويفتح آفاقًا وآمالًا جديدة من ناحية أخرى نتيجة اتساع مدى الرؤية وتغير الحالة المزاجية.

أخيرًا فالتعامل الموضوعي الهادئ مع لحظات الإحباط يقلصها أو يمسحها ويمنع تراكمها، فلا تؤدي إلي اليأس وهو السلبية التامة وفقدان الأمل في العمل أو الاكتئاب، وهي حالة غضب شديدة من النفس، وقد تتطور لمراحل شديدة الخطر من عقاب النفس والانتقام منها. فلحظة الإحباط يمكن التخلص منها فورًا إذا تفاعلنا معها لحظيًّا بكل وعي وثقة وواقعية واقتدار. فالإنسان يمتلك كل مقومات التغلب علي الإحباط وسد كل الأبواب، أما مضاعفاته شديدة الخطر من يأس أو اكتئاب وما عليه إلا التفكير والمواجهة والفعل.

أ.د. محمود سطوحي

4 يوليو 2024

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

‏مقالة الخروج من لحظات الإحباط لاأستاذي الأستاذ الدكتور محمود سطوحي هي مقالة تحتاج إلى القراءة بعناية وتفصيل لأنها غنية بالمعلومات الجديدة ‏فيمكن ان تكون داعم لأي شخص يمر في حياته بمثل هذه اللحظات كل التحية والشكر والتقدير لكم أستاذي على هذا الإبداع🌺♥️
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

الشكر والامتنان للأستاذ الدكتور محمود سطوحي على هذا العمل القيم راجيا من الله عز وجل بطول العمر مع تحياتي لكم بالتوفيق والنجاح
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة