قصة الخديوي إسماعيل وأوجيني حب أم طموح أغرق مصر بالديون؟

قصة حفل افتتاح قناة السويس الأسطوري عام 1869، ووجود الإمبراطورة أوجيني في مصر، وارتباطها بالخديوي إسماعيل، لا تزال تثير الجدل والخيال. هل كان «حب» الخديوي لإمبراطورة فرنسا هو الدافع الحقيقي وراء البذخ الهائل الذي أغرق مصر في الديون وأدى إلى عزله؟ أم أن الطموح السياسي ومحاولة تحديث مصر لعبا الدور الأكبر؟

يكشف هذا المقال عن تفاصيل هذه العلاقة التاريخية المثيرة بين الخديوي إسماعيل وأوجيني، بدءًا من دعوة أوجيني لحضور افتتاح قناة السويس والإنفاق الهائل على إرضائها، وصولًا إلى الإذلال الشخصي للخديوي والنهاية المأساوية لكليهما، نتعمق في الخلفية السياسية والاقتصادية لمصر وفرنسا في تلك الحقبة، ونستعرض كيف أثر هذا حب الخديوي إسماعيل وأوجيني العابر للقارات على مصير مصر، محاولين فصل الحقيقة عن الأسطورة، استعد لرحلة عبر التاريخ لاستكشاف قصة حب مدمرة تركت بصماتها على جبين مصر.

تحت تأثير الحب، استدان الخديوي إسماعيل وأغرق مصر في الديون من أجل إرضاء حبيبته الإمبراطورة أوجيني إمبراطورة فرنسا التي دعاها إلى حضور حفل افتتاح قناة السويس وبنى من أجلها قصر الروضة، وأغدق عليها الهدايا، حتى وصل الأمر إلى ركوبه الحمار والتجول معها في شوارع القاهرة ليصل المستبد إلى مرحلة من الإذلال والإهانة والسقوط، قبل أن تدفع به الظروف والتطورات السياسية إلى خارج المشهد بالكامل ليموت وحيدًا في المنفى.

أوجيني إمبراطورة فرنسا

تبدأ الحكاية بالإمبراطورة أوجيني، تلك الجميلة الفاتنة، صاحبة الذكاء والطموح الكبير، التي تزوجت بنابليون الثالث، الذي أحبها بدوره على الرغْم معارضة أسرته والمقربين منه.

الإمبراطورة أوجيني الجميلة الفاتنة صاحبة الذكاء والطموح الكبير التي تزوجت نابليون الثالث رغم معارضة أسرته والمقربين منه

وكان نابليون قد عيَّن نفسه إمبراطورًا على البلاد بعد ما نفذ انقلابًا عام 1852، وصار يحكم بالقوة والاستبداد، فنفى المعارضين وفرض الرقابة على الصحف، وتحكم تمامًا في البرلمان، كما استغل الأموال التي حصل عليها من المستعمرات الفرنسية من أجل إنشاء القصور الفاخرة في العاصمة الفرنسية.

ومع إصرار نابليون الثالث على الزواج بأوجيني، بنى لها قصر «توليري دي باري» في باريس وأغرقها في الترف والهدايا، حتى إنه أصدر أوامره بأن لا تلبس أوجيني الحذاء إلا مرة واحدة، وهو ما أدى مع الوقت إلى تنامي الكراهية الشعبية نحو أوجيني، خاصة مع انتشار قصص الإسراف والبذخ المرتبطة بالإمبراطورة الجميلة، وهو ما أدى إلى تعرضها لمحاولة اغتيال عام 1858.

الخديوي إسماعيل حاكمًا لمصر

أما الخديوي إسماعيل الذي تولى حكم البلاد في ظروف مريبة، وبعد حادث غامض وقع لشقيقه «أحمد رفعت» ولي العهد، وبعد أن لَقَّب نفسه بالخديوي وتزوج 4 نساء، ظل حاكم مصر مشغولًا بالفاتنة الجميلة أوجيني، وهو ما دفعه إلى دعوتها إلى حضور حفل افتتاح قناة السويس وبنائه قصر الروضة من أجل إقامة إمبراطورة فرنسا، فقد حرص الخديوي إسماعيل على أن يكون القصر مشابهًا لقصرها في فرنسا، وهو ما جعله ينفق نحو 750 ألف جنيه في بناء القصر، وهو رقم ضخم يوازي حاليًّا مليارات الدولارات.

تولى الخديوي إسماعيل حكم مصر في ظروف مريبة بعد حادث غامض وقع لشقيقه أحمد رفعت ولي العهد

ولم يكتفِ الخديوي إسماعيل ببناء القصر، وإنما أنشأ لها حديقة أمام القصر، وزرع كل أنواع الزهور التي تحبها الإمبراطورة الفاتنة، وتبع ذلك حفل الافتتاح الأسطوري لقناة السويس، الذي كان طريقة تعبير الخديوي إسماعيل عن حبه وتقديره للإمبراطورة أوجيني، إلا أن الأمر تجاوز الاحتفال إلى التقليل من قيمة نفسه بوصفه حاكمًا لمصر، والقيام بأمور عدة أهدر معها كرامته في التعامل مع الإمبراطورة أوجيني.

على ظهر الحمار

الغريب في الأمر أن الإمبراطورة أوجيني لم تعد إلى فرنسا مباشرة بعد انتهاء مراسم حفل افتتاح قناة السويس، وإنما ظلت تعيش حياة البذخ والترف تحت رعاية الخديوي إسماعيل، الذي أغدق عليها الهدايا والعطاءات، وهو ما دعا إلى كثير من الاستدانة.

ثم كانت الحادثة الشهيرة عندما طلبت الإمبراطورة الجميلة أن تتجول في شوارع القاهرة على ظهر الحمار، وهو الطلب الذي لبَّاه الخديوي إسماعيل وأصر على أن يركب معها ويصحبها في تلك الجولة ليهين الخديوي نفسه أكثر ويهدر كرامته بطريقة استفزازية.

لم تعد أوجيني إلى فرنسا بعد انتهاء حفل افتتاح قناة السويس وظلت تعيش حياة البذخ والترف تحت رعاية الخديوي إسماعيل

وبعد هذه الحادثة، بدأ الرأي العام في باريس يتحدث عن علاقة الإمبراطورة أوجيني بالخديوي إسماعيل، وهو ما جعل نابليون الثالث يرسل في طلب الإمبراطورة لكي تعود إلى فرنسا.

حتى في وداعها، أصر الخديوي إسماعيل على أن يهديها هدية خاصة، فأهدى لها تحفة فنية تتكون من غرفة نوم مصنوعة من الذهب الخالص ومرصعة بياقوتة حمراء، كتب عليها الخديوي عبارة من الغزل توضح لها أنه سيظل يحبها إلى الأبد، وكأنها قصة حب تجري بين مراهقين وليس بين حاكم دولة كبيرة وإمبراطورة دولة عظمى.

نهاية حزينة للإمبراطورة والخديوي

لم تستمر الأمور على حالها طويلًا، فقد أعلن نابليون حربه على بروسيا، وتعرض لهزيمة قاسية، وحوصرت باريس، ودخلت فرنسا في دوامة الجوع والفقر، وقامت المظاهرات ضد نابليون وزوجته التي هربت إلى إحدى قرى إنجلترا لتعيش فيها ذليلة طوال السنوات الباقية، بعد أن اغتالت إحدى العصابات ابنها الوحيد، لتنتقل أوجيني في نهاية حياتها من الترف والبذخ والهدايا والإسراف والحب والإعجاب من جميع من حولها إلى حياة الذل والوحدة بطريقة درامية.

عزل الخديوي إسماعيل ونفيه

أما في مصر، فلم تكن أحوال الخديوي إسماعيل بأحسن من مصير أوجيني، فقد أغرقت ديونه البلاد حتى تدخَّل الإنجليز والفرنسيون في شؤونها، وعجزت الحكومة عن سداد الفوائد، ما أدى في النهاية إلى خلعه ونفيه، ليقضي أيامه الأخيرة في منفاه بنابولي، يعاني أمراضًا نجمت عن وحدته وحزنه، كان أخطرها السرطان الذي قضى عليه عام 1895، حتى عند إعادة جثمانه للقاهرة، لقي تجاهلًا شعبيًّا صارخًا ردًّا مناسبًا لحاكمٍ مستبدٍّ أفقر البلاد لإرضاء إمبراطورة جميلة.

أغرقت الديون مصر وتدخَّل إنجلترا وفرنسا  في شؤونها وعجزت الحكومة عن سداد الفوائد ما أدى إلى خلع الخديوي إسماعيل

هل كان الحب هو السبب؟ إعادة تقييم لدوافع الخديوي إسماعيل

إن اختزال دوافع الخديوي إسماعيل ومشروعاته العملاقة في حب أو إعجاب بالإمبراطورة أوجيني هو تبسيط مخل للتاريخ، لا شك أن إسماعيل كان معجبًا بأوروبا وراغبًا في إبهارها، وكانت أوجيني رمزًا لتلك أوروبا، لكن طموحاته كانت أبعد من ذلك بكثير: بناء دولة حديثة، توسيع النفوذ المصري، الحصول على استقلال أكبر عن الدولة العثمانية.

هذه الطموحات، ممزوجة بسوء الإدارة المالية وشروط الاقتراض المجحفة، هي التي أدت إلى أزمة الديون وعزل إسماعيل في نهاية المطاف، زيارة أوجيني واحتفالات القناة كانت جزءًا من هذا السياق الواسع ومظهرًا من مظاهره الباذخة، وليست السبب الوحيد أو الرئيس للأزمة.

الخديوي إسماعيل بين التحديث والإفلاس

يظل الخديوي إسماعيل شخصية تاريخية مركبة ومثيرة للجدل، فحين يُذكر له سعيه الحثيث لتحديث مصر وإدخال مظاهر الحضارة الأوروبية إليها في مجالات التعليم والعمران والبنية التحتية، يُذكر عليه أيضًا الإسراف المالي الهائل الذي أرهق البلاد بالديون وفتح الباب للتدخل الأجنبي الذي انتهى بالاحتلال البريطاني.

أما قصة علاقته بالإمبراطورة أوجيني، فتبقى جزءًا من الصورة الكبرى، شاهدًا على بذخ تلك الحقبة وتقاطع الطموحات الشخصية والسياسية، لكنها لا تكفي وحدها لتفسير مسار الأحداث وتداعياتها العميقة على تاريخ مصر الحديث.

وفي نهاية هذا المقال الذي تضمن حكاية الخديوي إسماعيل مع الإمبراطورة الفرنسية أوجيني، نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة، ويسعدنا كثيرًا أن تشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة  الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة