الحياة في إسكتلندا.. خاطرة اجتماعية

في إسكتلندا لا ينفقون مبالغ كبيرةً نظير تقديم الإنذار القضائي؛ لأنه يعمل وفق النظم الإلكترونية، ولا يتطلب جهدًا ولا وقتًا ولا متابعين من موظفي وزارة العدل؛ لذلك فهي من أكثر الدول تنفيذًا لهذا الإجراء الصارم الشكلي قديمًا العادي حديثًا بعد أن أفرطوا في الاستخدام.

ولقد لقيت صديقي على حين غفلة فوجدته يكتب إنذارًا قضائيًا إلكترونيًا، وقد ذهلت عندما صارحني إنه ضدي! 

يا إلهي، كيف وأنا صديقه؟ وما من أي مشاحة بيني وبينه تقريبًا إلا في تفاهات الأمور كلعب الدومينو أو حساب قهوة قديمة شربتها وتركته يدفع الحساب، ومن حسن أدبه أخذ يشرح لي أهمية نظام الإنذار القضائي، وأنه يحفظ الحقوق، ويعد خطوة مهمة قبل القضاء، وعليه فلا مشكلة منه، ولا يفسد للود قضية.

- قلت له: ما المشكلة؟

- قال: كلبكم بالأمس بات عند كلبتنا متخطيًا سور الحديقة المرتفع دون استئذان منا، ونحن نحافظ على سلالة المجموعة...

- قاطعته: انتهى الأمر، لدي موعد عمل، وغدًا نتكلم بعد أن ترسل لي الإنذار عبر الوسائط الإلكترونية والقضائية وأجيب عنه.

- قلت: لعل الإنسان يخترع نظمًا يملأ بها الفراغات البينية في حياته الزمانية والمكانية والقيمية، ولعل الحكومات تخترع نظمًا تُلهي بها الشعوب عن السياسة ودروبها الوعرة، ولعل الكلاب تكون أكثر أهمية من البشر، فلا تكاد تسمع شكوى ضد فتاة نامت عند شاب في بيت العائلة، فهو (البوي فرند) أو العكس، وربما أكون قد نسيت فكرة الاستئذان، فهي واردة لحفظ ماء غسيل الوجه لا ماء الحياء.

اقرأ أيضًا: خاطرة "محكمة المشاعر".. خواطر وجدانية

لقد تذكرت صديقي الذي سافر إلى أوروبا من سنوات في رحلة بحثه عن ابنته الوحيدة التي تركت البيت على الرغْم من وجود البيت في ربوة ساحرة، من تحتها جداول مياه باردة، وخلفها جبال متوسطة الارتفاع تشرق عليها الشمس صيفًا فقط، وتملأ جدرانه الخارجية الورودُ والزهورُ الملونة، وحوله كلاب حراسة من سلالات عريقة، وقد قيل إنها رحلت مع صديقها إلى الشمال، حيث تحملت البرد الشديد بفضل حرارة الحب التي اشتعلت بها، وبالتأكيد فإنها لم تعرف حمرة الخجل ولم تسمع عنها.

وحين وجدها بعد سنوات لم يكن بوسعه عمل أي شيء، لقد فات الأوان، وبالمناسبة كانت عندما وجدها تحمل طفلًا غريبًا وكلبًا أليفًا من سلالة نادرة، وبعد أن قلتُ ما قلت، تركت المخيلة لعقلي ليتذكر عدد الإنذارات المجانية القضائية الإلكترونية التي سأحتاج إليها ما دام لكل واحد في القرية والولاية له إيميل رسمي، يرد ويجيب ويسأل الدولة والسلطات عبره، وله بصمة إلكترونية تمنع التزوير والاحتيال وعدم العلم.

تذكرت كومة الأوراق التي يحملها كل مراجع في بلدي للشهر العقاري، أو المحكمة، أو الشرطة، أو الموثق، وتساءلت: أيها أكثر إلهاءً ورقنا الكثير المكلف أم إنذاراتهم المجانية الإلكترونية.

دمتم بخير...

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة