أشعر بالحزن عندما أرى الحياة تجبرنا على أن نسلك طرقًا مختلفة لم نكن نخطط لأن نسلكها، أكره الحياة عندما تسلب شخصًا عزيزًا من بيننا، أكره الحياة عندما أرى الأطفال الصغار قد جعلت منهم كبارًا ناضجين، وقد فقدوا حس الطفولة ليتقلدوا زمام المسؤولية أمام أعباء الحياة التي تلقيها عليهم، حتى أصبحوا راشدين مثلنا دون أن ندرك.
أستطيع أن أرى في أعينهم تساؤلات طفولية: كيف آل بهم الحال إلى هذا المآل؟! لماذا هؤلاء الكبار لم يعودوا يروننا كما كنا من قبل؟! لماذا معاملتهم معنا تغيرت كثيرًا؟! لماذا أصبحوا يتوقعون أن نقدم أكثر مما نستطيع فعله أو فهمه؟! لماذا الوضع يؤول إلى الأسوأ فجأة ودون سابق إنذار؟! هل نحن الذين تغيرنا أم هم الذين تغيروا؟! ما الخطب الجلل الذي حدث وأحدث كل هذا الفارق بين السابق والآن؟!
أستطيع رؤية كل هذا في أعينهم، ذلك الارتباك والتشوش والتخبط في المشاعر والأفكار التي يعيشونها ظاهر، لكن ما لا يدركونه هو أن الحياة هي التي تغيرت وتيرتها.
فالراشدون أصبحوا لا يطيقون صبرًا لهؤلاء الصغار أن يكبروا، إنهم ينتظرون بفارغ الصبر أن يصبح هؤلاء الصغار كبارًا ويتحرروا من مسؤولياتهم وارتباطهم تجاههم؛ لذلك هم يعدونهم منذ الآن ليصبحوا كبارًا ويتحملوا مشكلاتهم ومسؤولياتهم بأنفسهم.
فهؤلاء الكبار قد أضنتهم الحياة بقسوتها وشدتها، وأصبحت الحياة كزمهرير الشتاء القارس لهم، يفتك في العظام وينخر في الأجساد، فأصبح جُل مناهم أن يروا هؤلاء الصغار منفذ أمل لهم، فأصبحوا يستقون منهم الدفء ويعلقون عليهم الآمال والتوقعات، ربما لأنهم يائسون ومتعبون، وكأنهم قد فقدوا الأمل في العيش حياة سوية قريرة؛ ولهذا هم يريدون أن يسلموا الراية لهؤلاء الصغار ويعلنوا استسلامهم ويعبروا عن إنهاكهم والآلام التي قاسوها والخسائر التي تكبدوها خلال مسيرتهم الطويلة والشاقة.
الأمر يبدو ساحة حرب خاض فيها هؤلاء صراعات ونزاعات تمزَّقت فيها الأجساد والأرواح، ولم يتبقَّ فيها إلا من صمد وناضل وجالد، لكنه أصبح لا يقوى حتى على الوقوف عند نهايتها، فقد سلبت تلك الحرب قوته وروحه، ولم تُبقِ إلا البقايا، لقد أنهى هؤلاء امتحانهم واجتازوه، لكنهم لا يستطيعون أن يخبروا هؤلاء الصغار بما واجهوه أو اختبروه.
فاختبار هؤلاء الصغار مختلف وأُعد ليكون كذلك، هم سيبدأون بما انتهى به مَن سبقهم في ساحة حرب وبيئة مضطربة ومعارك واختبارات مختلفة لا يفقهون فيها شيئًا كما عهدنا من هذه الحياة، فهي تختبرنا أولًا ثم تعطينا الدروس لاحقًا، لكن دروس الأولين لا تنفع اللاحقين، ومقولة التاريخ يعيد ذاته ليست سوى كذبة، فلو كان التاريخ يعيد نفسه لكان البشر تعلموا من أخطاء من سبقهم وتلافوها، لكنهم يعيدون الأخطاء ويكروون التجارب مرارًا وتكرارًا؛ لأن الحياة تريد أن تعلِّمنا دروسًا عجزنا عن أن نفهمها، وستظل تعيد وتكرر وتجدد إلى أن يفهم البشر فحواها.
👍👍👍🙏❤
بالتوفيق صديقتي
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.