«الحنكة الحوارية».. وكيف تخرج بأفضل نتاج ممكن من الحوار؟

بعضُ النَّاسِ يظنُّونَ أنَّ الصَّمتَ أحد الحلولِ المناسبةِ لعقباتِهِم أو ربَّما لمشكلاتهم على حدٍّ خاص أو على حدٍّ عام، حيثُ إنَّهم عندما يواجهونَ أزمة مع شخصٍ أو أشخاصٍ في حياتهِم ولا يستطيعونَ حلَّها أو يصْعُب عليهم تجاوزُها بِحلولٍ تُرضي جميعَ الأطراف، فيلجَأون حينها (لِفجوةِ الصَّمت)، هذه الفجوة التي أَسميْتُها في قناعاتي (الفجوةِ الخادعة)؛ لأنَّها تَخدعُ من يلجأ لها بأنَّها سَتكون حَلًّا مناسبًا، تُريح قلبهُ من مشكلاتهِ، كَطبقِ طعامٍ مفضَّل لديه وجدهُ على مائدةِ غدائهِ يَستلذُّ به لِيَقضي شعورَهُ بالجوعِ، ولكن الحقيقة تخالفهُ حتمًا، كما أنَّ هذهِ الحقيقة تُعرَفُ بِأنَّها طبقٌ مرُّ المذاقِ لا يستَسيغَهُ أَغلب البشر. 

خلقَ اللّهُ لنا عقولًا وألسِنة بينهُما علاقةٌ وطيدة، لكنَّ هذهِ العلاقة تحتاجُ للإِدارةِ والتَّوجيه الصَّحيح  لتكونَ مثاليَّة. علينا أن نوفِّق بين ما نقولُهُ ويخرُج على أطرافِ ألسِنتِنا، وبين ما نفكِّر بهِ ونَطرحهُ في عقولِنا؛ لِننْجحَ في حِواراتِنا مع أيِّ طرفٍ آخر، ويكون الحوار بنَّاءً هادفًا يبدأ بجملٍ مقنعة وسلسة لينتهي بنتائج مرضية، حيثُ إنَّ الحِوار هو سبيلُ الخروجِ مِن أيِّ مشكلةٍ قائمة على سوءِ تفاهمٍ أو غيره، وهو ضد مفهوم الصَّمت وعكسَهُ تمامًا في جميعِ النَّتائِج؛ لأنَّ نتاج الصَّمت سَيندرِجُ حتمًا تحتَ قائمةِ السَّلبيات التي يمكن أن تُضيف للمشكلة مشكلة أخرى تعقِّد الأمر وتجعلهُ أكثرَ صعوبةً من قبل. ونستدِلُّ على هذا المبدأ من كلامِ اللّهِ عزَّ وَجلَّ بقوله: (وجادِلهُم بالَّتي هيَ أحسَنُ) أي أمرَنا اللّه أن نُجادِل من يخالفونَنا أو نختلفُ معَهم بشيءٍ، لكن جدالنا يكونُ بالحُسنى والكلامِ الحَسنِ اللَّين ذي الحكمةِ والموعظةِ الحسَنةِ، وأن نكون سَلِسينَ ليِّنينَ في جدالِنا.

"الحِنكَة الحِواريَّة" أن نستبدل في حواراتنا جملة بجملة أخرى لنحصل على أفضلِ نتاجٍ مُمكن من الحوار

هنالِك شيءٌ في فنِّ الحوارِ أَستطيعُ أن أطلِق عليهِ اسم (الحِنكَة الحِواريَّة)، أي أنَّنا في حواراتِنا في مختلفِ أنواعِها نستطيعُ استبدال شيءٍ بشيء؛ لنحصل على أفضلِ نتاجٍ مُمكن من الحوار. أقصدُ من هذهِ الجملة أَنَّنا في مضمونِ حوارِنا ومناقشةِ الكلماتِ والجملِ وطرحِ الأفكارِ على الطَّرفِ الآخر ومحاورتهِ، نستطيعُ أن نستبدِل ببعض الجمَل جملًا أُخرى تجعَل الطرف الآخر يُنصِتُ لكَ ويهتمُّ لِما ستقوله دونَ الغضبِ من أُسلوبكَ، كَقولِنا في البدايةِ مثلًا: هلْ لديكَ الوقت الكافي لتُعطني منهُ قليلًا؟ أُريدُ محاورَتكَ من فضلِك، بدلًا من قولنا أُريدُ أن أَتحدثُ إِليكَ بموضوعٍ، استمع إليَّ.

فأسلوب الأمر في مضمونِ الحِوار جديرٌ لِوحدهِ بأن يفسِد حوارَك وينَفِّر الطَّرف الآخر في الحِوار، حيثُ إنَّ  أُسلوب الأمر مِلحٌ في قهوةِ المُستمِع. نَستطيعُ أن نرى الحِوار الناجِح كأنَّه منزلٌ يتكوَّن من عدَّةِ طوابِق لكن هذا المنزل وهذهِ الطَّوابق لا تقوم إلّا بِوجودِ أساساتٍ صحيحة ومكينة تمكِّنُنا منَ الانتقال لبناء باقي طوابق المَنزل، هكذا هو الحوار الناجح يجب أن يقوم على أسسٍ صحيحة وقوية تمكِّنكَ من الانتقال لطرحِ باقي أفكارك، ومن هذه الأسُس: أولًا أن يكون هدفك في الحوار هو الوصول للحقِّ بالأدلَّة والحُجج المقنِعة والبراهين وليسَ إثبات صحَّة فكرتكَ، ثانيًا الهدوء وعدم استخدام الصَّوت المرتفع؛ لأنَّه دليلٌ على ضَعفِ الحُجَّة والفكر، ثالثًا عليكَ استخدام التواصل البصري ولغةِ الجسدِ فهي تساعد في جذب الطَّرف الآخر واهتمامه. هنالك أسُس كثيرة بإمكانكَ استخدامها في حوارك لكن أُؤكِّد على أهم النِّقاط أَلا وهي (انتقاءِ الألفاظ المناسبةِ في الحوار) لتُلائم الحالة النفسيَّة مثلًا للطَّرفِ الآخر أو لِردود فعلهِ؛ لأنَّ الألفاظ مفتاح الحوار تستطيع رفعه وتستطيع هدمهِ ودثره، فاحرصْ على هذهِ النُّقطة.

إنَّ الحوار هو شرطٌ أساسيٌّ للعلاقاتِ الأَصيلة بينَ الناس، فهوَ بمثابةِ وسيلةٍ لِتأصُّل العلاقاتِ وجعلِها مكينة وقوية، كما أنَّ له أثرًا كبيرًا في الفردِ والمجتمع، فهو يساعدُ في تنميةِ التفكيرِ وصقلِ شخصيَّة الفردِ وتقويةِ الرَّوابط الاجتماعيَّة، فالحوار هو علاقة أمانٍ شبيهة بعلاقة الطِّفل بأُمِّهِ. حيثُ إنَّه يستطيع حل خلافاتكَ مع معظمِ الأشخاصِ في حياتكَ، ويساعدُكَ في الحفاظ على علاقةٍ سليمة وصحيَّة وطويلة الأمد؛ لأَنه يَخلقُ جوًّا من الألفةِ والمحبَّة في التَّواصُلِ بين الأشخاصِ في علاقاتهم، وأَكبرُ دليلٍ على هذا هو علاقات الدُّول السَّليمة ببَعضِها، فجميعُها قائمة على أسسِ الحوارِ في مختلف قاضاياهُم، يلجأون دائمًا لعقدِ مؤتمراتٍ أو جلساتٍ مغلقة يتمُّ بها النِّقاش والمحاورة للوصولِ لحلولٍ لمشكلة ما، تتعلَّق بدولهم، ويستخدمونَ كل ما يدعم أفكارهم في الحوار والحُججِ والأساليبِ التي ذكرتُها سابقًا، ولولا هذا الحوار لما وصلوا لحلٍّ لقضاياهم وقضايا أَغلب الدُّولِ في جميع المجالات. 

وقبلَ ختامي لهذا المقال، الذي تحدثتُ بهِ عن الحوار وأساليبه وطرائق طَرح الأفكار ليكون ناجحًا، إن أردته استخدم هذه العبارة (فَليرتفِع منكَ المعنى لا الصوت!)، فإن ما يجعل الزهر ينمو ويتفتح هو المطر لا الرعد.

وأريد أن أنوِّه وأوصي بنقطة يهملها بعض البشر في كلامهم مع غيرهم، وهي مراعاة الشخص الذي تتحدث معه بالابتعاد عن مواطن الحزن لديه أو مواطن ضعفه التي لو دست على أرض من هذه الأراضي ستحصل على نتاجين: إما أن تكون قد دست على لغم فينفجر بك، وإما أنك دست على أرض زهور توحي لك بأنها بخير وجميلة لكن جذورها تحت الأرض تتمزق، فعندما تدوس عليها تميتها، أقصد من كلامي هذا أن بعض الكلام يجرح ويكسر ويبكي، وبعضه يضمد ويجبر ويسعد، فعلينا أن ننتبه لما نقوله لأن اللسان سلاح قوي ذو حدين، فعجبًا من خلق الله عز وجل، خلق عضو اللسان ليس به عظم ولا قوة ليكسر به شيئًا، لكنه قادر على كسر قلوب وجبرها.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة