كان أغسطس يمتلك عبقرية عسكرية فذة، فضلًا عن قدرته التنظيمية، ورغم أنه كان مستنيرًا ومتحكمًا في أطماعه، فإنه لم يستطع مقاومة نزعة التوسع الروماني الذي تقتضيه العظمة الرومانية.
ولا سيما أنه كان يعتقد بأنه أعظم من حكم روما، فلا يوجد حاكم أضاف إلى إمبراطوريته بلادًا جديدة مثلما أضاف أغسطس.
ونستطيع أن نصف سياسة هذا الإمبراطور بأنها سياسة استعمارية توسعية، فقد حدد الولايات أو المناطق التي كانت روما بحاجة إليها، تعد مصر إحداهن.
اقرأ أيضًا تدريبات على درس مصر تحت حكم الرومان الصف الأول الثانوي
الغزو الروماني على مصر
كان لغزو أغسطس مصر عام (30ق.م) أو سيطرته عليها وضمها إلى أملاك الإمبراطورية الرومانية، أهمية كبيرة لدى الرومان، لاسيما في نظر الإمبراطور بعد انتصاره على أنطونيوس وكليوباترا المنافس الوحيد والشرعي على عرش روما.
إن علاقة مصر القديمة بروما ليست مرتبطة بالغزو الروماني المسلح، بل هذه العلاقات قبل قرنين ونصف من الزمن.
وما كان غزو أغسطس إلا الحلقة الأخيرة من العلاقات، لا سيما العسكرية بين البلدين، ومصر لم تفتحها روما إلا في وقت متأخر، إذ اشتهر شعبها بالميل إلى الشغب فكانت بحاجة إلى حامية قوية.
فضلًا عن ذلك تعد مصر من أغنى ولايات الإمبراطورية الرومانية وأهمها استراتيجيًّا وتجاريًا، إذ كانت ولاية إفريقية تمد الإمبراطورية بنحو خمسة ملايين طن من القمح، وهو ما يعادل ثلث الكمية التي يستهلكها الشعب الروماني سنويًا.
كانت مصر ولاية هادئة لم يحدث فيها ما يعكر صفو السلام الروماني، إلا بعض الثورات الصغيرة التي حدثت في الجنوب، وبعض المعارك على الحدود الإثيوبية، إذ تعرضت لبعض الغزوات من الجانب الإثيوبي في عام (29-25- 22ق.م).
ما دفع الإمبراطور إلى شن حملة عسكرية تأديبية ضد النوبيين في عام (29ق.م)، الذين حرضوا مدينة طيبة على الثورة.
اقرأ أيضًا كليوباترا.. حقائق هامة لا تعرفها من قبل
الإمبراطورية الرومانية في إفريقيا
وبعد سحق الثورة في طيبة قرر الوالي أن يؤمن حدود مصر وحدود الإمبراطورية في إفريقيا، فسار حتى أسوان ثم إلى جزيرة فيلة (قصر أنس الوجود) وقبل عقد اتفاق مع ملكة النوبة بتحديد منطقة عازلة بين مصر والنوبة.
ولشدة حرص أغسطس على مصر ترك فيها ثلاث فرق رومانية واحدة في الإسكندرية والثانية في منف والثالثة في طبية، فضلًا عن عدد من فصائل الخيالة لحماية حدود مصر الشرقية والغربية، وعند مدخل الفيوم لحراسة الطرق المؤدية إلى موانئ البحر الأحمر.
وقد بلغ حجم القوات الرومانية في مصر حوالي (22,800)، يعكس هذا العدد القلق السياسي الذي كان يسيطر على الإمبراطور خوفًا من أن تستغل مصر أو يستقل بها أحد ولاتها.
فضلًا عن ذلك حرم على رجال السناتو ومشاهير رجال طبقة الفرسان تولي الوظائف فيها أو حتى دخولها، إلا بإذن خاص منه، وسرى هذا الحظر على أفراد عائلته أيضًا.
وظل هذا الأمر يعمل به حتى القرن الثالث ميلادي عندما بدأ خير مصر يقل، ولا سيما عندما بدأت شمال إفريقيا تحل محلها لتكون مصدرًا بديلًا للقمح.
ولم يشأ الإمبراطور أغسطس أن يدمج مصر دمجًا كاملًا في الإمبراطورية الرومانية نظرًا لمشكلاتها الكثيرة، وللتركيبة الغريبة لمجتمعها السكاني والعنصري، بل أيضًا خوفًا من أن تصبح مطمعًا لجباة الضرائب من رجال الفرسان الذين يتحرقون شوقًا من أيام يوليوس قيصر.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.