الحديث عن مصر القديمة كلام لا يسعه الكلام، حديث ينطبق عليه ما قاله المتنبي:
أريد من زمني ذا أن يبلغني ما ليس يبلغه من نفسه الزمن
فعندما تقرأ عن مصر تجد أنها أقدم دولة في التاريخ، وأعظم حضارة في التاريخ، وأول مجتمع زراعي في التاريخ، وأول كل شيء وأعظم كل شيء في التاريخ، قد يصل بك الأمر لدرجة الاستفزاز، كأن الفراعنة هم من صنعوا كل شيء ولم يتركوا شيئًا للشعوب الأخرى.
وعلى سيرة الأولويات، فسوف نتحدث اليوم عن أول جيش نظامي في التاريخ، جيش مصر القديمة، سوف نتحدث اليوم عن فتوحاته وحروبه انتصاراته وهزائمه؛ لذا فتعال معي لنأخذ جرعة من المتعة والفن.
اقرأ أيضًا ماذا تعرف عن الحياة اليومية في مصر القديمة؟
ما نوع الجيش الذي كان لدى مصر القديمة؟
في البداية، نشأ الجيش المصري منذ عام 3200 ق.م. أو قبل ذلك، كانت مصر قديمًا مجموعة ممالك صغيرة، لكل مملكة جيش يحميها، إلى أن أتى الملك مينا "نارمر" ووحد تلك الممالك كلها، وأنشئت الأسر المصرية.
بعدها أخذالجيش نمطًا دقيقًا ومنظمًا للغاية، فقد كان لمصر قديمًا نوعان من الجيش، النوع الأول هو القوات البرية، وهي مثل المشاة والعربات والرماحين والرماة.
أما النوع الثاني، فكان هو الفرع البحري، أو القوات البحرية، وهي أساطيل مصرية هدفها حماية الحدود البحرية لمصر إضافة إلى نهر النيل.
اقرأ أيضًا أهم الأعياد والمناسبات عند المصريين لقدماء
ما دور الجيش المصري في الحضارة المصرية القديمة؟
من الغريب ما ستقرأه الآن، لكن دور الجيش في الحضارة المصرية لم يقتصر على الحرب وحسب، بل كانت توجد مهمات سلمية أخرى في الجيش يقوم بها الجنود، وفي الأسطر التالية نستعرض بعض المهمات للجيش:
شرطة الصحراء
فرقة في الجيش المصري، هدفها حماية الحدود المصرية من ناحية الصحراء.
الحرس الجمهوري
مهمته حماية القصر الملكي، وهذه الفرقة موجودة في الأوقات الحالية في دول العالم كلها.
المخابرات
فرق في الجيش المصري تشبه مؤسسة المخابرات الحالية في عملها، هدفها هو بث الرعب والخوف في نفوس الدول الأخرى.
قوات الزينة
قوات في الجيش هدفها جمع الأشياء الثمينة التي كان يستخدمها الملك كزينة له، ومن كان في الجيش المصري يعلم بعضًا من اللغات الأجنبية، فكان ذا حظ سعيد.
فقد كان يرسل إلى بلاد بونت والنوبة ومدينة "بيبلوس" التي تعرف الآن بمدينة "جبيل" في لبنان، وذلك من أجل التجارة وشراء المنتجات المهمة للدولة، وعلى رأسها الأخشاب التي كانت مقايضتها بلفائف البردي والكتان، والأواني الفخارية المصرية والمشغولات الذهبية.
المساهمة في بناء الأهرام
فقد كانت من مهمات الجيش نقل الحجارة المقطعة من المحاجر إلى أمكنة الإنشاءات، ولم ينس فضلهم فإن أسماءهم منقوشة إلى الآن على الأهرام.
اقرأ أيضًا من بنى معبد أبو سمبل؟ ولماذا سُمي بهذا الاسم؟
التجنيد
كان التجنيد في مصر القديمة إلزاميًا، فمثلًا في مدة الملوك الرعامسة "الذين كانوا يحملون اسم رمسيس" كانت مصر إمبراطورية، ولكي تحكم القبضة على تلك الإمبراطورية، قسمت إلى ممالك صغيرة، وكانت كل مملكة لا بد لها أن تقدم مجموعة من الجنود للإمبراطورية؛ لذا فكان يجب على كل عمدة لقرية أو مدينة أن يصطحب أبناء قريته لمقر حاكم الإقليم من أجل أن يختار أفضل الشبان وأقواهم من أجل أن يصبحوا جنودًا.
في عهد أمنحتب الثالث حدثت طفرة في التجنيد المصري، فكان الجيش يتألف من الجنود والقادة المصريين الذين كان تجنيدهم إلزاميًا، ومعهم دخلت المرتزقة من النوبة وليبيا وأسرى الحروب من الدول الأخرى.
ووصل الأمر في أواخر عهد أمنحتب إلى أن الجيش أصبح معظمه من المرتزقة الليبيين والنوبيين.
استمر تدفق المرتزقة في الجيش المصري في أثناء الدولة الحديثة، لدرجة أن المرتزقة وجنود البحرية كانوا يعيشون بوضع أفضل من المصريين، ويتقاضون الذهب ويعيشون بالدلتا.
اقرأ أيضًا ما مجمع معابد الكرنك؟ ولماذا سُمي بهذا الاسم؟
ما الحروب التي شاركت فيها مصر؟
فيما يأتي بعض المعارك التي شارك فيها الجيش المصري القديم:
معركة مجدو
حدثت تلك المعركة في عام 1468 قبل الميلاد، وكان أطرافها الجيش المصري بقيادة تحتمس الثالث ضد القادشيين، وكانت من أجل الاستيلاء على مدينة مجدو "واسمها الآن تل المسلم وتقع في غزة".
وكان النصر حليفًا للمصريين في بداية الأمر، لكن الجنود انشغلوا بجمع الغنائم، ما كاد أن يقلب المعركة، لكن تحتمس الثالث أعاد تجميع الجيش مرة أخرى، وحاصر مدينة مجدو وتحقق النصر في النهاية.
معركة قادش
حدثت تلك المعركة في عام 1275 قبل الميلاد في عهد رمسيس الثاني، وبالتحديد في عامه الرابع من الحكم، حدث تمرد في بلاد الشام، فجمع الملك المصري 20000 جندي وقائد مصري للحرب، وقسمهم إلى 4 فرق، كل فرقة 5000 مقاتل، وحقق أعظم انتصاراته، فحاربهم عند مدينة قادش وانتصر عليهم.
لكن فيما بعد حاول القادشيون إثارة الفتن، فعاد رمسيس للحرب مجددًا لمدة 15 عامًا إلى أن طلبوا الصلح فعقد معهم معاهدة سلام.
قاهر الهكسوس
لا يجب علينا أن نتحدث عن الحروب المصرية دون أن نذكر ملحمة أحمس الخالدة التي طهر فيها أرض مصر من الهكسوس عام 1580 قبل الميلاد، وذلك استئناف لمعركة التحرير التي بدأها أبوه الملك سقنن رع وأخوه الملك كامس واللذان قتلا من أجل تحرير تلك الأرض من الهكسوس، فكان الأمر بمنزلة ثأر شخصي له.
فقد قاد الجيش وهو ابن 19 عامًا، وطهر باقي مصر من الهكسوس بعد أن طهر أبوه وأخوه صعيد مصر منهم، فذهب ومعه الجيش والمصريين الذين تطوعوا بالجيش لتحرير تلك البلاد إلى عاصمتهم "أواريس"، وألحق بهم شر هزيمة، وبعدها لحقهم إلى ما يعرف الآن بـ"حصن شاروهين" في فلسطين، وهناك قضى عليهم نهائيًّا، إلى أن استسلموا وأعاد الوحدة إلى البلاد.
الجيش المصري القديم مظلوم، فعندما نتحدث عن عظمة مصر القديمة ننسى الجانب العسكري، مع أنه ممتلئ أيضًا بالمعجزات والعجائب، وعدد من حروبه تدرس إلى الآن بالأكاديميات العسكرية على مستوى العالم، فنرجو أن نكون قد ذكرنا ولو جزءًا قليلًا حق ذلك الجيش.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.