تُمثل الحروب الصليبية جزءًا مهمًّا من تاريخ أوروبا السياسي والديني، فكانت تلك السلسلة المتواصلة من الحملات العسكرية التي انطلقت من قلب أوروبا نحو الشرق الإسلامي فصلًا محوريًا في سجلات التاريخ الإنساني، تاركةً بصمات عميقة على مسار العلاقات بين الشرق والغرب، تحت ستار الشعارات الدينية البراقة ونداءات تحرير الأراضي المقدسة، اختبأت دوافع سياسية واقتصادية واجتماعية متشابكة، قادت جموعًا غفيرة من الفرسان والعامة نحو أتون صراع استمر قرابة قرنين من الزمان.
يتناول هذا المقال بعمق وتحليل معمق الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه الحروب، متجاوزًا الرواية الدينية السطحية ليكشف عن الأهداف الخفية والمصالح المتضاربة التي أشعلت فتيلها. ويستعرض المقال النتائج النهائية لهذه الحقبة الدموية، موضحًا ماهية الحملات والحروب الصليبية وأغراضها الحقيقية، ومُبينًا كيف أعادت تكوين الخريطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لكلا العالمين الإسلامي والمسيحي، وتركت إرثًا معقدًا من التفاعل والصراع.
الحروب الصليبية
هي مجموعة من الحملات العسكرية المتواصلة التي خرجت من أوروبا تحت شعارات دينية، واستمرت أكثر من 200 عام في صورة 8 حملات رئيسة، وكثير من الأحداث والحملات والحروب الفرعية، ثم إن هذه الحملات تفاوتت في قوتها وحجمها ومدتها، وبذلك في مقدار نجاحها وتحقيقها لأغراضها الأصلية، لكن المقصد الأساسي للحروب الصليبية كان بلاد المشرق الإسلامي.

كان الداعي الرئيس لقيام الحروب الصليبية هو الكنيسة الكاثوليكية، وبناء على هذا رفعت الحملات شعار الصليب، ودعت الكنيسة رؤساء وفرسان وقادة الدول الأوروبية إلى تحرير الأراضي من أيدي المسلمين، وعلى رأسها «بيت المقدس»، من أجل إثارة النزعة الدينية وحشد القوات وتدعيم الجيوش وفتح باب التطوع للجنود والمحاربين والفرسان، لكن الأمر كان يشتمل على مجموعة من الأغراض الحقيقية التي أُخْفِيَت تحت عباءة الدين والصليب وتحرير الأراضي المسيحية.
أسباب الحروب الصليبية
كما أوضحنا فإن الأسباب المعلنة هي أسباب دينية رفعتها الكنيسة الكاثوليكية، لكن الوقائع التاريخية بعد ذلك أثبتت وجود عددٍ من الدوافع والأغراض المتعلقة بالسياسة والاقتصاد، إضافة إلى عدد من المصالح الفردية والشخصية التي تخص مجموعة من القادة والحكام والجماعات التي يمكن توضيحها في النقاط التالية:
الدوافع الدينية للحروب الصليبية
كانت الدوافع الدينية واضحة ومعلنة، وهي مجموعة من الأهداف، على رأسها تخليص بيت المقدس من أيدي المسلمين، الذين وصفتهم الكنيسة الكاثوليكية بأنهم «همج وقتلة» وأنهم «يسيئون معاملة المسيحيين ولا يسمحون للحجاج بأداء الفروض». وهو ما أعلنه البابا «أوربان الثاني» عام 1095 عندما ألقى خطابًا طويلًا في مدينة كليرمون أمام مئات النبلاء والفرسان والآلاف من عامة الناس، إذ كان هذا الخطاب هو بداية التحريض على الحروب المقدسة والزحف نحو المشرق الإسلامي، من أجل وقف الاضطهاد الذي يتعرض له المسيحيون في بيت المقدس وتحريرها، وتهيئة أجواء آمنة من أجل ممارسة الشعائر الدينية.

ووزع البابا مجموعة من الصلبان القماشية على الفرسان، ودعا بالغفران لكل المشاركين في هذه الحروب الصليبية، وهو ما كان له أغراض أخرى تتمثل في السيطرة على الكنيسة الشرقية وزيادة الهيمنة على العالم المسيحي، لكن كثيرًا من الفقراء والمتدينين في أوروبا انساقوا وراء دعوات البابا وشاركوا في الحروب الصليبية.
الدوافع السياسية للحروب الصليبية
بلا شك لن يتحرك القادة والرؤساء في أوروبا من أجل تحرير بيت المقدس إلا إذا وُجدت دوافع سياسية في هذه الحروب الصليبية التي تتمثل في توسيع النفوذ من خلال الاستيلاء على الإمارات الشرقية وتأسيس إمارات جديدة، بعد الصراعات الكبيرة التي عاشتها أوروبا، إضافة إلى أغراض الفرسان في الحصول على أراضٍ جديدة وألقاب جديدة في بلاد الشرق، بعد صعوبة تحقيق هذا الأمر بسبب الصراعات الإقطاعية في تلك المرحلة. وبناء على هذا كانت الحروب الصليبية كنزًا كبيرًا للحكام والقادة والسياسيين والإقطاعيين، وهو ما جعلهم يشاركون دون تردد.
الدوافع الاقتصادية للحروب الصليبية
كانت الخيرات والثروات الموجودة في بلاد المشرق الإسلامي تمثل مطمعًا كبيرًا للنخبة في أوروبا، خاصة بعد تدهور الأحوال وانتشار الفقر والبطالة والجوع في بعض دول أوروبا، ثم إن الأخبار كانت تصل دائمًا من بلاد المشرق وتصف حالة الرخاء والرواج الذي يعيشه أهل المشرق، فكان ينتشر في أوروبا أن بلاد الشرق «تفيض باللبن والعسل»، لذا كان لعاب القادة والفرسان والنبلاء والإقطاعيين يسيل لهذه الأخبار.
كذلك كان التجار وأصحاب الأعمال في المدن المتاخمة لبلاد المشرق في جنوب أوروبا مثل البندقية ومارسيليا و«جنوة» يرحبون تمامًا بقيام الحروب الصليبية للحصول على الأرباح الطائلة والسيطرة على مناطق التجارة والمراكز المهمة، وعلى هذا شاركوا في الحروب الصليبية عن طريق أساطيلهم التجارية التي نقلت المقاتلين وقدمت الإمدادات وأوصلت المعونات، مقابل مكاسب كبيرة وخدمات إضافية تُمْنَح لهم مع توسع الحروب الصليبية وتحقق المكاسب على الأرض.
الدوافع الاجتماعية للحروب الصليبية
عندما تعرف أن أوروبا كانت تعاني بسبب النظام الإقطاعي يمكنك أن تفهم المشكلات والأوضاع السيئة التي كان يعيشها العبيد والفلاحون في ظل ذلك النظام، والحياة البائسة التي تفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات والحقوق، وكذلك الظلم والتسخير الذي أدى في النهاية إلى تدنٍّ كبير في مستوى معيشة هذه الطبقات. وعلى هذا كانت الحملات الصليبية فرصة كبيرة لهؤلاء المعدمين والمظلومين للهروب من هذه الأوضاع، والذهاب إلى الأرض التي «تفيض لبنًا وعسلًا»، وكذلك الحصول على فرصة لتأسيس بداية جديدة في بلاد جديدة وبعيدة عن النظام الإقطاعي.

لذا كان قيام الحملات الصليبية مرتبطًا بحشد عدد هائل من العبيد والفلاحين الذين أقبلوا بكثافة شديدة على التطوع في الجيوش الأوروبية المشاركة في الحروب الصليبية، وهم يحملون الآمال والطموحات والأحلام المرتبطة بالسيطرة على الأراضي والثروات في بلاد الشرق الإسلامي.
الدوافع المباشرة للحروب الصليبية
وعلى الرغم أن كل الدوافع السابقة كانت كافية لقيام الحروب الصليبية، فإن من الدوافع المباشرة ما دفع لقيام الحروب الصليبية بأسرع وقت، وعلى رأس هذه الدوافع الانتصارات التي حققها السلطان «ألب أرسلان» سلطان السلاجقة في حروبه مع الدولة البيزنطية التي تتجلى في معركة «ملاذ كرد» عام 1071، إذ تولى ألب أرسلان على مناطق عدة كانت تابعة وقتها للإمبراطورية البيزنطية، وهو ما أرعب البيزنطيين وعلى رأسهم الإمبراطور «ألكسيوس الأول» الذي لم يجد أمامه إلا الاستغاثة بالبابا؛ لذا نشأت فكرة تحرير الأراضي المقدسة بين «ألكسيوس الأول» و«البابا أوربان الثاني»، وهو ما لاقى قبولًا كبيرًا عند حكام وملوك أوروبا للسبب نفسه؛ لأن كل منهم خاف على مُلكه، فقد يؤدي سقوط بيزنطة إلى احتلال أوروبا بالكامل.
الحروب الصليبية والحملات المتتالية
يمكن دمج الحروب الصليبية التي استمرت أكثر من 200 عام وتقسيمها إلى 8 حملات رئيسة، كما يمكننا إعطاء نبذة مختصرة عن كل حملة.
الحملة الصليبية الأولى 1096 م
بلا شك كانت الحملة الأولى من الحملات القوية التي حُشِد لها عن طريق البابا ورجال الكنيسة، وضمت عددًا كبيرًا من الأمراء والفرسان، واستمرت الحملة نحو 3 سنوات، يمكن تقسيمها إلى حملتين. منها «حملة العوام» التي تضم العبيد والفلاحين وقطاع الطرق، وكانت هذه الحملة تحت قيادة الأسقف «بطرس الناسك»، وانطلقت الحملة عام 1096، والتقت في طريقها بمجموعة أخرى يقودها رجل يُعرف باسم «المفلس»، وقامت الحملة في طريقها بكثير من أعمال السلب والنهب، وهو ما وصل إلى الإمبراطور البيزنطي الذي قرر إرسالهم لقتال السلاجقة لكنهم لقوا هزيمة نكراء.

ثم قامت حملة أخرى تُسمى «حملة الأمراء» التي شملت جزءًا من جيش فرنسا وألمانيا والنمسا والمجر، ووصل عدد المشاركين في الحملة إلى 100 ألف مقاتل، واستطاعت هذه الحملة إسقاط عاصمة دولة السلاجقة «نيقية» عام 1097، وانطلقت بعد ذلك إلى بلاد الشام وسيطرت على مجموعة من المدن والإمارات، واحتلت القدس عام 1099، لكن هذه الحملة ارتكبت عددًا من المذابح والفظائع ضد المسلمين والمسيحيين أيضًا، ونجم عن هذه الحملة تأسيس أربع إمارات صليبية في بلاد المشرق العربي، هي: «إمارة بيت المقدس»، و«إمارة طرابلس»، و«إمارة أنطاكيا»، و«إمارة الرها»، وأصبح للصليبيين وجود كبير في بلاد الشرق.
الحملة الصليبية الثانية 1147 م
بعد نحو 30 عامًا من وجود الصليبيين في بلاد المشرق العربي، ظهرت بعض الإمارات القوية التي أصبحت تمثل قلقًا كبيرًا على الإمارات الصليبية، وعلى رأسها إمارة الموصل التي يحكمها الأمير عماد الدين زنكي الذي استطاع أن يحارب الصليبيين ويسترد منهم إمارة الرها، ونتيجة لذلك التالي دعا بابا الكنيسة إلى حملة جديدة، وهو ما أدى إلى قيام الحرب الصليبية الثانية التي ضمت 70 ألف مقاتل، وشارك فيها إمبراطور ألمانيا وملك فرنسا.
وانطلقت عام 1147 وقد هاجمت دمشق، وهناك لقوا هزيمة كبيرة على يد السلطان نور الدين زنكي، وعادت الحملة دون تحقيق أهدافها، واستطاع بعد ذلك نور الدين زنكي الاستيلاء أيضًا على دمشق، وأسس صلاح الدين الأيوبي الدولة الأيوبية في مصر، ووحَّد الإمارات الموجودة في بلاد الشام بعد وفاة نور الدين زنكي، وانتصر على الصليبيين في معركة حطين، واستطاع تحرير بيت المقدس.
الحملة الصليبية الثالثة 1189 م
كان انتصار صلاح الدين واستعادته لبيت المقدس سببًا كافيًا لكي يدعو البابا «غريغوري الثامن» بابا الكنيسة إلى مواصلة الحروب الصليبية والإعداد لحملة صليبية ثالثة، لكنه توفي قبل قيام الحملة، وتولى من بعده البابا الجديد «كليمنت الثالث» الدعوة والإعداد لمواصلة الحروب الصليبية، وهو ما حدث فعلًا، وقد حُشِدَت الجيوش الأوروبية بقيادة الملك ريتشارد قلب الأسد ملك بريطانيا، ومعه ملوك ألمانيا وفرنسا.

واستولت الحملة على عكا وبعض المدن الساحلية، لكنها لم تستطع السيطرة على بيت المقدس، وفشلت الحملة الصليبية الثالثة في تحقيق أهدافها، وانتهى الأمر بعقد «صلح الرملة» بين صلاح الدين الأيوبي والصليبيين، وهو الصلح الذي منح الصليبيين بعض المدن الساحلية مثل يافا وصور، واشتمل على مجموعة من الضمانات التي تصب في مصلحة الحجاج المسيحيين.
الحملة الصليبية الرابعة 1202 م
كان البابا «إنوسنت» صاحب فكرة مواصلة الحروب الصليبية، فقد دعا إلى الحملة الصليبية الرابعة التي كانت تستهدف السيطرة على المواني المصرية بعد إدراك الأهمية الكبيرة لموقع مصر في العالم العربي والإسلامي. وفعلًا، انطلقت الحملة من البندقية نهاية عام 1201، لكنها غيَّرت مسارها إلى القسطنطينية بسبب الأحداث السياسية التي أدت إلى فقدان الإمبراطور «أليكسيوس» لعرشه، وبذلك ساندت الحملة الإمبراطور واستطاعت إعادته إلى كرسي الحكم، لكن الأمر تطور إلى خلاف بين الإمبراطور وقادة الحملة بسبب الأموال التي وعدهم بها والتعويضات التي يرغب قادة الحملة في الحصول عليها، لذا انقلبوا على الإمبراطور واحتلوا القسطنطينية عام 1204، ونفذوا كثيرًا من أعمال الفساد والتخريب، كما عينوا حاكمًا جديدًا على المدينة، وبذلك انتهت الحملة الصليبية الرابعة دون صدام مع العالم الإسلامي.
الحملة الصليبية الخامسة 1218 م
ظلت أهداف البابا «إنوسنت الثالث» معلقة، فدعا إلى مواصلة الحروب الصليبية وتأسيس حملة خامسة، وقد جُهِّزَت في أوروبا وإرسالها إلى بلاد الشام، ثم إلى مدينة دمياط المصرية من ناحية البحر المتوسط، وهناك حاصروا المدينة واستولوا عليها واستقروا فيها عام 1219.
وفي عام 1221 قرر الصليبيون التوسع والزحف جنوبًا، لكن سلطان الأيوبيين في ذلك الوقت، الملك الكامل، استطاع أن يكبدهم هزيمة ساحقة، واستولى على معداتهم البحرية وسفنهم، وهو ما أدى إلى خروجهم من دمياط وانتهاء الحملة دون تحقيق أهدافها، فأنشأ الملك الكامل مدينة جديدة في مكان المعركة، وأطلق عليها اسم «المنصورة»، وهي إحدى المدن المصرية المشهورة حتى الآن.
الحملة الصليبية السادسة 1228 م
لم تمر سنوات عدة حتى دعا البابا إلى مواصلة الحروب الصليبية والإعداد لحملة سادسة، وضع على رأسها الإمبراطور الألماني «فريدريك الثاني»، الذي خرج بجيشه عام 1228 واستطاع الحصول على عدد من المكاسب نتيجة هذه الحملة التي استمرت حتى عام 1228، وهو الوقت الذي شهد عددًا من المشكلات في بلاد المشرق الإسلامي، فكان من نتائج هذه الحملة الحصول على القدس وعكا وبيت لحم، مع احتفاظ المسلمين بقبة الصخرة والمسجد الأقصى وبعض المناطق الريفية، واشتمل الاتفاق على عدم قيام أي حملات صليبية جديدة في العشر سنوات التالية.
الحملة الصليبية السابعة 1248 م
مع انتهاء الهدنة وموت الملك الكامل، بدأ البابا «غريغوري التاسع» يدعو لمواصلة الحروب الصليبية، فكوَّن نبلاء أوروبا، وعلى رأسهم بعض الأمراء، جيشًا صغيرًا وزحفوا إلى مصر، لكن الجيش المصري استطاع التصدي له.

ثم زحف الملك الصالح واستولى على بيت المقدس، وهو ما أدى إلى قيام الحملة الصليبية السابعة التي كانت تحت قيادة لويس التاسع ملك فرنسا الذي استولى على مدينة دمياط المصرية عام 1249.
وفي أثناء الحرب توفي الملك الصالح، وهو ما جعل الصليبيين يتقدمون إلى منطقة فارسكور وملاقاة الجيش المصري هناك، لكن المعركة كانت في مصلحة الجيش المصري الذي أسر ملك فرنسا وعددًا من جنوده، وفي النهاية أُطْلِق سراحه مقابل فدية كبيرة وتوقيع هدنة مدة 10 سنوات متتالية. وبذلك انتهت الحملة الصليبية السابعة دون تحقيق أي أهداف تُذكر.
الحملة الصليبية الثامنة 1270 م
كان الملك لويس التاسع مشغولًا بفكرة تعويض الهزيمة واستعادة الهيبة، وهو ما جعله يجهز لحملة صليبية جديدة، وفعلًا انطلق إلى تونس عام 1270، لكن الملك لويس التاسع أُصيب بالحمى وتطورت حالته حتى فارق الحياة؛ ما أدى إلى انتهاء الحملة ومغادرتها إلى فرنسا، وعقد صلح بين الطرفين، لتكون هذه الحملة هي آخر الحملات الصليبية، لكنها لم تكن آخر الحروب مع الصليبيين، فقد حارب المماليك بعد ذلك الصليبيين في بلاد الشام والاستيلاء على الإمارات الصليبية واحدة تلو الأخرى على مدار سنوات متتالية، حتى انتهى الوجود الصليبي تمامًا من المشرق الإسلامي.
نتائج الحروب الصليبية
من الناحية العسكرية: على الرغم من تحقيق الحملات الصليبية لبعض الأهداف؛ فإنها فقدتها في النهاية، وعلى هذا فقد فشلت الحروب الصليبية في تحقيق أي أهداف عسكرية دائمة، فقد عادت كل القرى والإمارات والمدن والأماكن الإستراتيجية إلى أيدي المسلمين.

أما من الناحية الحضارية، فكانت النتائج كبيرة بسبب تأثر الأوروبيين بمظاهر الحضارة الإسلامية على مدى 200 عام، هي مدة الحروب الصليبية. ونقل كثير من الجوانب والابتكارات والمخترعات والأفكار في مجالات العلوم والأدب والزراعة والفنون والعمارة إلى أوروبا، إضافة إلى عدد من الجوانب العسكرية، وهو ما كان سببًا في تحفيز الغرب على التقدم والنهوض.
من الناحية السياسية، فقد ساعدت الحروب الصليبية على تغيير كثير من الأنماط والأشكال السياسية والاجتماعية في أوروبا، مثل الإقطاع، نتيجة بيع كثير من الإقطاعيين للأراضي من أجل المشاركة في الحروب الصليبية، إضافة إلى مغادرة الفلاحين والعبيد. وبذلك انهار النظام الإقطاعي، وأصبح نفوذ الإقطاعيين أقل مما كان عليه، وعلى هذا صبَّ الأمر في مصلحة السلطة المركزية للملوك والعائلات الملكية.
وعن الجانب الديني، فإن الحروب الصليبية كان لها تأثير كبير على زيادة نفوذ الكنيسة في أوروبا، إضافة إلى زيادة الاستقطاب الديني الذي أدى إلى تعميق الكراهية بين المسيحيين والمسلمين مدة طويلة من الزمن.
وهكذا، فإن استغلال الدين عباءة لتغطية الأغراض الحقيقية التي تتمثل في السيطرة والاستحواذ والنهب والسلب وتحقيق المكاسب الدنيوية ليس أمرًا جديدًا، ولطالما استُخدم في كل العصور، وقد يظل إلى الأبد.
وفي الأخير، نرجو أن نكون قد قدمنا لك كل المعلومات التي ترغب في معرفتها عن الحروب الصليبية، ويسعدنا أن تشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة الجميع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.