ذلك الجيش الألماني الذي خاض الحرب العالمية الثانية لم يعد موجودًا، فأصبحت ألمانيا دولة دون جيش سنوات عدة بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، ما تغير بعد ذلك، فكيف تكوّن الجيش الألماني الجديد، وكيف أصبحت إدارته في يد البرلمان؟
أسئلة نجيب عنها في هذا المقال الذي يحكي قصة تكوين الجيش الألماني بعد الحرب العالمية الثانية، وحرص ألمانيا على أن يكون الجيش الجديد ذا تقاليد ديمقراطية، وابتعاده تمامًا عن حقبة الجيش النازي.
اقرأ أيضًا ما هي أسباب الحرب العالمية الثانية؟
تأسيس الجيش الألماني
لم تسمح قوات الحلفاء المنتصرين لألمانيا المهزومة في الحرب العالمية الثانية بالاحتفاظ بجيشها، أو حتى جزء منه، وإنما كانت توجد بعض القوات الرمزية التي تحمي الحدود على نحو رمزي فقط دون تنظيم وتسليح وإدارة عسكرية، لكن الأمر تغير بعد عشر سنوات من انتهاء الحرب، فقد أعلن تأسيس الجيش الجديد لألمانيا الحديثة يوم 5 مايو عام 1955.
كان الأمر مربكًا في ألمانيا وخارج ألمانيا، فكان يوجد خوف كبير من عودة أفكار الجيش النازي في أثناء حقبة هتلر والحكم الديكتاتوري.
ما دفع البرلمان في ألمانيا إلى إنشاء دستور جديد للجيش الألماني، وصُدّق عليه يوم 22 مايو عام 1956، فقد حرص الدستور على تأسيس تقاليد جديدة تمنع الجيش من الخروج عن النهج الجديد بألمانيا ذات المشروع الديمقراطي السلمي.
ومع أن الجيش الألماني الجديد تكون في البداية من الجنود العاملين في الجيش الألماني القديم من الضباط وضباط الصف، إضافة إلى قوات النخبة الخاصة المعروفة باسم (إس إس).
وهو ما كان مصدر قلق كبير في البداية، فإن الدستور الجديد الخاص بالجيش إضافة إلى التوجه العام في ألمانيا، وتأكيد أفراد الجيش باختلاف مواقعهم على الرغبة في نسيان الماضي وصناعة مستقبل آمن للدولة التي تسير على خطى التقدم السلمي، قد كان مصدرًا كبيرًا للأمان والاطمئنان والخروج من منطقة الخوف والقلق إلى منطقة العمل والبناء.
اقرأ أيضًا الفيلم الوثائقي "أبكالبيس".. خفايا ومفاجآت الحرب العالمية الثانية
جيش صغير وإجراءات قوية
لم يكن جيش ألمانيا يضم أكثر من 485 ألف فرد فقط في تلك المدة التي سميت بالحرب الباردة التي كانت تشهد الصراع بين المعسكر الشرقي بقيادة روسيا الشيوعية والمعسكر الغربي بقيادة أمريكا الرأسمالية، لكن عدد الجيش تقلص أكثر عندما سقط سور برلين عام 1989.
فقد نصت الاتفاقية الجديدة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا، إضافة إلى الألمانيتين ألا يتجاوز جيش ألمانيا الجديد الذي يعبر عن الدولة الموحدة أكثر من 285 ألف فرد، وهو عدد صغير وفقًا لتاريخ ألمانيا الكبير.
لكن الدولة التي تبحث عن النمو والتطور السلمي وافقت على هذا العدد المحدود للجيش الألماني.
كان جيش ألمانيا الشرقية لا يتجاوز 90 ألف فرد، وهو ما قامت الدولة الألمانية الموحدة بحله تمامًا وإحالة معظم قادته وجنرالاته إلى التقاعد، واختير نحو 20 ألف فرد فقط من هذا الجيش للانضمام إلى جيش ألمانيا الموحدة، إضافة إلى اتجاه الدولة الجديدة إلى التخلص من الأسلحة القديمة في مخازن ومعدات الجيش الشرقي.
فقد أعدمت كثيرًا من الأسلحة، وأقدمت على عمليات بيع للأسلحة الباقية؛ فعلى سبيل المثال: بيعت الطائرات (ميغ 29) إلى بولندا وإندونيسيا، وبيعت الدبابات إلى تركيا، وهكذا لم يبق شيء من الجيش الشرقي لمصلحة جيش ألمانيا الاتحادي.
اقرأ أيضًا كل ما تود معرفته عن ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية
مزيد من الإصلاحات في جيش ألمانيا
دائمًا ما كان الجيش الألماني الجديد تحت قبضة البرلمان الألماني، وبذلك لم يسمح أبدًا للقوات الألمانية بإجراء أي عمليات خارجية قبل عام 1994، فقد أجرت الدولة إصلاحات عدة من أجل تجديد الجيش على مستوى البنية، وعلى مستوى القوانين الحاكمة لحركة الجيش.
ومن هذه الإصلاحات صدور قرار المحكمة العليا بقدرة الجيش على أداء مهمات خارجية، والمشاركة في عمليات السلام، وبذلك عاد الجيش الألماني مرة أخرى إلى الظهور على الساحة العالمية في مهمات محدودة.
شارك الجيش الألماني منذ عام 2011 في عدد من المهمات والواجبات الدولية التابعة لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة التي تنوعت بين حل الأزمات ومواجهة النزاعات، إضافة إلى الأعمال الإنسانية التي توضح الرغبة الحقيقية للشعب الألماني في السلام والتنمية والمشاركة الدولية الإيجابية.
اقرأ أيضًا كيف كانت أثيوبيا سببا في اشتعال الحرب العالمية الثانية
ميزانية الجيش الألماني
مع التطورات الكبيرة التي أجرتها ألمانيا في الجيش ولا سيما مع إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية في البلاد منذ عام 2012، ما أدى إلى تقليص عدد قوات الجيش الألماني إلى 185 ألف فرد فقط، إضافة إلى نحو 90 ألفًا آخرين، يمثلون جنود الاحتياط، فإن العاملين والموظفين والمدربين الذين يعملون في خدمة الجيش الألماني يتجاوز عددهم 96 ألف شخص.
وعلى هذا، فإن ميزانية الجيش الألماني تبدو ضخمة بالنسبة لعدد الجيش الصغير نسبيًا، فقد وصلت في آخر تقرير إلى 34.2 مليار يورو، وهو ما يمثل نحو 1.2% من الناتج القومي في ألمانيا، وتسعى الحكومة الألمانية إلى زيادة الميزانية إلى نحو 40 مليار دولار في السنوات القادمة.
أما أهم فروع الجيش الألماني فتعد القوات البحرية والجوية والبرية أهمها التي يمكن أن يضاف إليها: الخدمات الطبية والقيادة العامة، ومع التطور الكبير في وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، فقد ضمت قوات الجيش الألماني إليها فرعًا جديدًا في السنوات الماضية، خاصًا بحروب السايبر وإدارة المعلومات.
أما على مستوى القيادة والمهمات، فإن وزير الدفاع الذي يُعيّن من الحكومة، وغالبًا ما يكون من السياسيين المدنيين يعد القائد الأعلى للقوات الألمانية الذي يعاونه المفتش العام للجيش الألماني، وهو ما يشبه منصب رئيس الأركان، فيكون صاحب خبرات عسكرية كبيرة، أضف إلى ذلك أن سلطة قيادة الجيش تنتقل من الوزير إلى مستشار البلاد في حالة اندلاع الحرب.
وفي آخر هذا المقال الذي حاولنا فيه توضيح الصورة فيما يخص الجيش الألماني الجديد الذي تكون بعد سنوات من الحرب العالمية الثانية نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة، والإضافة في هذا الموضوع.
ويسعدنا أن تشاركنا رأيك في التعليقات ومقترحاتك عن مقالات أخرى ترغب في قراءتها عبر جوك.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.