كان الجسد نقطة البداية لربط الممارسات الجسدية والعلاقات في الظروف الاجتماعية، أي ربط القضايا التي تتعلق بالعمل والحياة اليومية واستخدام الخدمات الاجتماعية لاكتشاف جوانب متنوعة في الحياة الاجتماعية.
اقرأ أيضاً ما هو الانسان؟ وهل الروح تتحكم فينا بالكامل؟!
بيير بورديو وحديثه عن الجسد
ولا شك أن التطورات التي ظهرت، والتي تتعلق بالهندسة الوراثية والتناسل البيولوجي والعلوم الرياضية وغيرها، أدت إلى جعل الجسد ظاهرة بدلاء، ومن ذلك يرى عالم الاجتماع الفرنسي (بيير بورديو) أن أهم ميزة في الجسد هي الاجتماعية التي تكوِّن عادة الأفراد، أي أن الجسد هو مكان تنقش فيه الفوارق وتتجلى فيه الاستعدادات التي تظهر في سلوكيات الأفراد وإعجاباتهم وغيرها، إذن الجسد هو ساحة لتسجيل الاستعدادات والمشغل الذي ينفذ هذه الاستعدادات.
في الواقع أسهم بيير بورديو في ظهور علم اجتماع الجسد بتحليلاته للمفاهيم الأساسية كالهابيتوس، أو الاعتياد والمفاهيم المختلفة لرأس المال الثقافي، وعلاقة كل ذلك بالسلطة الرمزية للجسد، ولا يجب أن ننسى أن بورديو تناول الجسد مؤشرًا على التمايزات بين الطبقات الاجتماعية، بل هذا يجرنا أيضًا إلى القول إن بورديو تناول سوسيولوجيا الجسد ضمنيًّا، فالسوسيولوجيا تتميز بالصعوبة التي تحول بينها وبين أن تصبح مثل العلوم الأخرى.
فإذا أرادت أن تتخلى عن مرمى الميثولوجيات فيجب عليها دراسة الصراع من أجل الفهم المشروع للميدان أو الواقع الاجتماعي، الذي يتعلق بالفئات سواء كانت مقسمة بواسطة السن أو الجنس أو حتى الظروف الاجتماعية، فبذلك يتبين أن التقسيمات البشرية تتميز عن التقسيمات الحيوانية والنباتية؛ لأن الموضوعات هنا هي ذوات قادرة على التقسيم والترتيب.
اقرأ أيضاً تطور علاقة الإنسان بلغة الجسد
الجسد أداة
نخلص مما سبق إلى أن الجسد لدى بيير بورديو هو أداة كل إنسان، مثله مثل أي أداة أخرى لها تفوق مثل التقنية الرمزية، ولا شك أن علم اجتماع الجسد لدى بورديو يكوِّن الفصل المركزي في علم اجتماع الهيمنة؛ لأن بورديو بنى أسس الهيمنة على مخططات جسدية.
إذن الجسد ليس قطعة أخرى في علم الاجتماع، بل هو الركيزة الأساسية لآلية تفسيره، وبذلك يعد بورديو أهم المنظرين الذين تعد أعمالهم أدوات للنضال الفكري والنظري في ما يعرف الآن بالعولمة البديلة التي كانت تعرف بحركة مناهضة للعولمة، فلم يكتفِ بورديو بذلك، بل جسد أعماله في مفاهيم أساسية عدة، كان لها وقعها الخاص في مجال الفلسفة وعلم الاجتماع.
ومن ثم لم تشهد أوروبا منذ رحيل جان بول سارتر وميشيل فوكو وبرتراند رسل هذا النوع من المفكرين ذوي الوزن الثقيل في الفكر المعاصر، فبلا شك كان بيير بورديو إحدى هذه الشخصيات الاستثنائية النادرة.
وهذا يشير إلى عدد من مؤلفاته التي كان لها أثر ظاهر في أوروبا وعدد من البلدان المجاورة حتى البلدان العربية، ومن أهمها العنف الرمزي والورثة والهيمنة الذكورية والتلفزيون وآليات التلاعب بالعقول، وغيرها من المؤلفات التي كان لها صخب عالٍ في هذا الوقت، الذي لا يزال مستمرًّا إلى وقتنا هذا.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.