(م، ل)، شابٌ قصيرُ القامةِ، عدواني النزعة، مغرور، يعاني انحرافاتٍ جنسية وإحباطاتٍ اجتماعية وعائلية، المغامرات مَجْدهُ وتُراثَهُ، لذا تراهُ يتغَنْى بالمخاطراتِ والصعوباتِ التي اجتازَها، في نفسِ الوقت الذي يدافعُ فيهِ عَنْ جميع انحرافاته، باعتبارِه ضحية مجتمع وصريع قيم موروثة، قصة حقيقية لمجرم يسرد قصة حياته للمحقق بكل ثقة واطمئنان فيقول: -
"عائلتي تسكن في احدى القرى، تمتهن الفلاحة، رحل والدي من الريف الى المدينة، طلبا للرزق، وسكنا في بعض ضواحيها، في سكن متواضع، وأصبحَ والدي شرطيا ًيعيلُ اخاً وأختين بالإضافةِ لوالدتي. دخلت المدرسة، محروما من أشياءٍ كثيرة بالنسبة ِلأبناء تلكَ المنطقة، وكنتُ انظر الى الأطفالِ وهم بملابِسهم الزاهية يأكلونَ الفاكهة والحلوى، فأحقد عليهم، لأنني لم أكن اعرفْ في حينِها مصدرَ فقري، وصرتُ ابتعدْ عَنهم.. كانت عائلتي مفككة، الوالد يتشاجر معَ والدتي باستمرار، ويطردها الى أهلِها في أكثرِ الأحيانْ وهو في حالةِ سكرٍ شديّد. وبعد أن نجحت الى الصفٍ الخامس الابتدائي توفى والدي وتركتُ المدرسة.
زاولتُ العملَ مع امي –ولم يشمِلنا قانون التقاعد آنذاك- وتنقلتُ بينَ عدةِ اعمال تركتها لصغرِ سني ونحولِ جسمي. ومارستُ أخيراً جمعِ اعقابِ السكائر وبقيتُ أذرعُ الشوارعِ وأتجولُ بين المحلات العامة. وبعد مضي أكثرَ مِنْ سنتين تركتُ هذه ِ"المهنة". ثم اشتغلتُ حمالاً وشقيقتي تبيعُ الخبزَ، وكنتُ اذهبُ مع صبيانِ المنطقة ِالى أحد معسكرات الجيش لأجل جلب فضلات الطعام من هناك. وبعد مضي أكثر من سنتين تَزوجَتْ والدتي مُستخدماً (عامل بأجر لدى الدولة) لهُ زوجة وعدة أطفال، وكنتُ أكْرْهَهُ لأنني اشكُ في علاقتِه بوالدتي قبلَ الزواج.
وتشردتُ واخوتي بين الشارع والبيت من جهة، والهروب الى بيتِ عمي من جهةٍ ثانية، وبالرغمِ من كل ذلك، بقيتُ أحبُ أُمي وأكن لها الاحترام. كانَ زوجُ امي يتوددَ اليّ كثيراً، عندما كنتُ اجلبُ لهُ ولأمي المسروقات. وذاتَ يومٍ مر بي عمي وأبنهُ وطلبوا مني مصاحبتِهم لسرقةِ دارا كانتْ ابنةُ عمي تعمل خادمة ٌفيها، فاشتركتُ معهم، ودخلتُ الإصلاحية بعدها مدة ثلاثةِ سنوات وكان عمري آنذاك لا يتجاوز الثالثة عشر، وفي هذهِ المدرسة ِتعلمتُ فنونَ الاجرام ِوالانحرافاتِ الجنسية وتعاطي المخدرات، وكنتُ اشعرُ بوجودي – بالرغم من ذلك - داخل هذه المدرسة، لتعرّفني على عدةِ أصدقاء ولتوفّر المأكلِ والملبسِ والسكن المريح فيها، ولأنها انقذتني من حالة التشردِ والضياع ِوالحرمانِ الذي اُعانيِه. ويستمر (ك) في سردِ المغامرات فيقول:
أُوقفْتُ مرة بتهمةِ سرقة، وكانت معي داخل غرفة الموقف مومسأ، وقد اشّفقَتْ هذهِ علىّ بعدَ ان عدتُ من التحقيق منهكا ًمرتجفِ الاوصالْ، فأدخَلَتْني فراشَها وقضيتُ تلكَ الليلةِ أمارسُ تجربة جديدة، وبعدها اتفقت مع مجموعة –أسمتها السلطاتُ التحقيقية فيما بعد (عصابةُ الليلِ والهوى) -هدفَها الانتقام من اللوطيينَ (كان "ك " يشكو من استغلال الكبار من اللوطيين سذاجة الأطفال وضعفهم والذي كان هو أحَدهم فيما مضى).
وكانت المجموعة تُقَسّمُ الى فئتين، احداهما تتكون من الصبيان المشردين، يغررونَ بالمارةِ من الرجالِ ليحلقوا بهم الى منطقةِ معينة، الفئة الثانية المختفيةُ وهي بقيادتي، تنقض على الضحايا إذا وافق فتسلبُ كلَ ما معهم ونأخذُ حتى ملابِسهم ونضربَهم بقسوةٍ ونتركَهم غير آسفينَ عليهم. وقد ارتكبنا تسع وثلاثين جريمة من هذا النوعِ، وسجنتُ بسببها ثلاث سنوات في المدرسة الإصلاحية أيضا. وبعد خروجي من الإصلاحية بمدة، ارتكبتُ جريمةَ الشروع ِفي القتلْ لعداوةٍ سابقةٍ وسُجِنْتُ لمدةِ سنة، وفي هذهِ الاثناء زورتُ هويةً مدرسية. وبقيتُ هكذا بين الانحرافات السلوكية أعاني المرارةَ والالمْ داخلِ السجون وخارجِها حتى اتُهمتُ بجريمةِ قتلِ تاجرٍ، واوقفتُ لمدةِ سنة وثمانية أشهر. وبعد أن بُرِئتْ ساحتي وجدت ، شقيقتي الكبيرة قد اختفتْ مع عشيقِها. فبقيتُ أفتشُ عنها لسنينٍ عديدة أعاني الألمَ وأكابدُ مرارة عذاب النفس الذي ملأ جميعَ جوانحي، وبَدأتُ ارتكبُ السرقات مصحوبةٌ باعتداءاتٍ جنسية حتى اصبحتُ لا اَتلذّذّ بالعمل الجنسي الا مقروناً بالاغتصابِ والقوةِ .
بقي "م، ل " مشرداٍ لا يعرفُ للخيرِ مَعنى، ففتح َمقهىً تُمارسُ فيها جميع أنواع الرذائل، من تخطيط للسرقات وتعاطي للحشيش ولعبٌ القمار.
وكلما كبَر كَبَرتْ معهُ جرائِمهُ ومغامراته –فيقول متفاخرا- تعرفتُ خلال هروبي في احدى المدن على فتاةٍ متزوجةٍ جميلةٍ، فخطفتُها من زوجِها برضّاها، ورحتُ امارسُ السرقات الكبيرة مع مجموعةِ لصوص، واشتريتُ داراً فخمةً في ارقى حي من المدينة، وسيارتين إحداهما لي والثانية تحت تصرفِ عشيقتي الغالية ،كما استأجرتُ لها خادمة أيضا وبقينا نعيشُ كالأمراءِ في هذهِ المدينةِ الجميلة، نخالطُ ذوي الجاهِ والمالِ في النهارِ ونمارسُ المغامرات الخطيرة ليلاً- وهنا( (زفَر الحسراتِ وهو يقول)- رغم َاني أكابرُ دوماً وأتحدى الموت باستمرار ألا انني اُصارَحَك بأنني أفضلُ انّ ابقى في زنزانةِ الإعدام هذهٍ طيلةِ حياتي على أنْ اُعلَقْ بحبلِ المشنقة. فقد باتت رقبتي تُؤلمني منذُ الانَ خوفاً من ذلكَ الحبل اللعين).
ودارَ الزمنُ دورتَه، وكانت النهاية بعد سرقةٍ كبيرة، اختلفتُ بعدَها مباشرةً مع أحدِ شركائي، وتشاجرنا فأطلقتُ عليهِ النارَ وأرديتهُ قتيلاً واستوليتُ على حصتَه في هذهِ السرقة وعلى مسدسهِ وتوصلَ التحقيقُ بسبب هذه ِالجريمة ِالأخيرة، على اعترافٍ كاملٍ بها وبالجرائمِ الأخرى، واودعتُ السجنَ وفي داخلِه ارتكبتُ جريمةَ قتلٍ أخرى لاحد السجناء، على أثرِ مشادةٍ كلامية، وقعت بيننا، فتوالت علي الاحكام، فبلغتْ مجموع محكومياتي (62) سنة، عن السرقات، وأخيراً حُكِم َعليّ بالإعدام عن جريمةِ قتلِ الشريك، ومؤبداً عن جريمة قتل السجين.
أما عشيقتي فقد قَتَلها أهلها –غسلاً للعار- خلال وجودي في السجن بعد أن استولت السلطات على المنزل والسيارات والأثاث - تعويضاً للمبالغ المسروقة -.
ويقول "م ": ومعَ ذلكَ فلمْ اعتدِ على أحد، ولكنْ دافعتُ عن حقي في الحياة، وكما تراني الآن في هذهِ الزنزانة، عدتُ معدماً تماماً مثلما كنتُ في طفولتي، أتأرجح بين الموت والحياة "
وقد قال "م " اثناء تنفيذ حكم الإعدام بحقه:
"إذا كنتم تنفذونَ حكمَ الإعدام ِ بحقي لاعتقادِكم بأنني مجرم شرير، فأرجو أن لا يفوتَكم حمايةِ الأطفال المشردين من الانحرافِ والسقوط في طريقي"
الى هنا تنتهي قصة الشاب "م "، وعلى الرغم من ذلك، ما زال الكثير من الأطفال المشردين، يتسكعون في الشوارع، في الكثير من البلدان، ويتعرضون للكثير من الجرائم، ويتعلمونَ فنونِ السرقات وغير السرقات، دون ان يتعظَ المجتمع من قصةِ الشاب "م " او من قصص عشرات الشباب والشابات اللواتي يتعرضنّ، لأشدِ جرائمَ الاغتصاب وهتك الاعراض.
وفيها حكمة ونصيحة للوالدين والابناء والشباب، ان المجرم مهما حصل على أموال، ومهما سَرق، ومهما علا شأنه ُوزادتْ ثروتهُ، موظف كان ام غير موظف، فأنه لا بد وان يدفع الثمن، وسيكون الثمن غاليا "كما دفعه المجرم "م ". فهل من متعظ؟
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
تسجيل دخول إنشاء حساب جديد
نعم النصحية
بارك الله فيك وارجو ان تكون درسا للأحداث والشباب
احسنت النشر ليكون هذا درسا لكل الشباب
احسنت النشر ليكون هذا درسا لكل الشباب
والأحداث
المحامية راقية العاني
شكرا ملاحظتك