جاءت كلمة «الجراد» من الجذر جرد، وما أكثر المدلولات التي تشير إليها هذه الكلمة، فلو قلنا أرض جرداء: أي لا نبات فيها.
والجراد هو الحشرة التي تُعد من أخطر الآفات التي تُهلك الزرع، وقد سلَّطها الله على زرع قوم فرعون كما قال في سورة الأعراف: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ} (133).
اقرأ أيضاً اللغة العربية وعلاقتها بمجالات الحياة المختلفة
الجراد في اللغة العربية
وشاهد أعرابي الجراد على زرعه فقال:
مرَّ الجراد على زرعي فقلت له:
الزم طريقك لا تُولع بإفساد
فقال منهم خطيبٌ فوق سنبلةٍ:
أنا على سفرٍ لا بد من زادٍ
غير أن الأمر كان مختلفًا عند «حارثة بن مر»، فقد حمى الجراد من قبيلة طيء، حين جاء إليه بعض رجالها وقالوا له: نريد أن نغزو جارك، فقال: ومَن جاري؟ فقالوا: الجراد في فنائك. فرد غاضبًا وقد ركب فرسه وحمل رمحه: قد أسميتموه جاري، فلا أمكنكم منه، فانصرفوا عنه.
وفيه قالت العرب هذا المثل: «أنت أحمى من مجير جراد».
ويقال رجل جرد: إذا آلمه بطنه من أكل الجراد.
ولأن اللغة العربية تفوق غيرها من اللغات في الخيال والتصوير، فقد كان للجراد نصيب في الصورة الشعرية، حين يُشبِّه أحد الشعراء رؤوس دبابيس درعه بعيون الجراد جاعلًا من اللمعان وجه الشبه، فيقول:
ولكنما أغدو علي مفاضة
اقرأ أيضاً اللغة العربية الفصحى وخطر هجرها على الأجيال
معنى دلاص في البيت التالي
دلاص كأعيان الجراد المنظم
ومعنى دلاص: لامعة. ومعنى مفاضة: واسعة.
وقد ذكر الله -تعالى- الجراد في موضع التشبيه، إذ يشبه انتشار الناس يوم الحشر بانتشار الجراد، فقال -عز وجل- في سورة القمر: {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} (7).
وطالما سمى العرب بعض أسمائهم بأسماء الحيوانات من الضواري وغيرها مثل: نمر وذئب، وبالمثل، فقد أعطوا أسماء الحشرات حظًّا في تسمية أسمائهم، مثل: عكاشة (العنكبوت)، وجرادة، وهو اسم لمغنية كانت في زمن «عاد»، ويصفها الشاعر على أنها ألهت جنود «عاد» حين ذهبوا إليها للاستسقاء، فغنت لهم وألهتهم. يقول فيها الشاعر:
سحرًا كما سحرت جرادة شربها بغرور أيام ولهو ليال
وكان للملك النعمان بن المنذر مغنيتان عرفتا باسم «الجرادتان».
ومن الأمثال التي تقولها العرب: «حية جراد»، ويضرب هذا المثل فيمن يحتار في اختيار هدف من أهداف كثيرة أمامه فلا يُحصل أيًّا منها، فهو كالحية التي تضطرب من كثرة الجراد حولها، فلا تفترس منه شيئًا.
وحاصل الكلام أن الناطقين بالضاد الأوائل استثمروا لغتهم الأصيلة في خدمة المعنى، فما تركوا شيئًا ولا سلوكًا إلا وضعوا له اسمًا خاصًّا به، ثم كانت بلاغتهم، فوضعوا لها نهجًا وعلمًا، ما يدل على سعة خيال العقل العربي وتفوقه.
وصدق الشافعي حين قال: «لا يُحيط باللغة العربية إلا نبي».
سبتمبر 9, 2023, 1:42 م
مقال جميل 👍
سبتمبر 9, 2023, 1:59 م
بالتوفيق ان شاء الله
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.