في أجواء باردة مظلمة تجول الخمسة المفقودين في العالم السفلي (أسر وفريدة، وسافاش ومريم وهايدى) باحثين عن شيء ليضيء ظلمة المكان، وعلى ضوء الهاتف المحمول استطاع سافاش أن يلمح شعاع من بعيد كوهج شمس الصيف؛ فأشار لآسر كي يذهب معه لتفقد المكان، تاركين النساء خلفهم، إلا أن مريم تنبأت بخطتهم وأسرعت إليهم وقالت: لا تتركونا بمفردنا هنا.. إذا لم تأخذونا معكم سنتبعكم.
فأجابها آسر: لكننا لا نعلم بالتحديد ماذا ينتظرنا هناك، ولا نستطيع أن نجازف ونخاطر بكم، وقبل أن يكمل قاطعته فريدة(زوجته): وهل تعتقد أني سأتركك تذهب بمفردك؟؟
وأثناء جدالهم لمحت هايدي شخصاً يقترب منهم؛ لكنه لا يبدو كالأشخاص العاديين، إذ أن بنيته تفوق جسم بطل كمال الأجسام وطوله يتجاوز الأربعة أمتار.
وقف الخمسة مذهولين، وكلما أقرب منهم أكثر زادت دقات قلوبهم وارتجفوا رعباً؛ لكنهم لم يستطيعوا الهرب، وكأن قوة خفية تتمسك بأقدامهم، وما زادهم رعباً هو رؤيتهم لعيون هذا العملاق التي بدت حمراء كالجمر.
وبعد لحظات معدودة أقترب منهم، وجثي علي ركبتيه أمامهم، وقال بصوت غليظ: ما الذي جاء بكم إلي هنا أيها الأغبياء، هل تعرفون أين أنتم الآن؟؟
فأجابه سافاش، وهو يحاول-بقدر الإمكان-السيطرة علي نبرة صوته التي ترتعد خوفاً: أخبرنا إذن أين نحن الآن؟ لكن يجب أن تعرف أننا لم نأتِ إلى هنا بمحض إرادتنا.. وبعدما فرغ سافاش من جملته نظر إليه العملاق، وتصاعدت ضحكاته، وقال لهم بسخرية: هذا لا يشكل فارق معي؛ فسواء جئتم بإرادتكم أم ألقتكم الأقدار-كما تؤمنون-في طريقي فلن أدعكم وشأنكم من الآن فصاعداً، خاصة أنت، يا من هربت من حياتك الزاخرة بالقوة من أجل شعارات زائفة، والآن بعد أن جئت إلي بقدميك سأجعلك تبحث عن مجازر عائلتك بشمعة-كما تقولون في تركيا-لكن أولاً سأجيب علي سؤالك وسأعطيكم نبذة صغيرة عن العالم الذي جئتم إليه؛ ولكن أليس من المفترض أن تسألوني عن اسمي أولاً؟؟
فأجابته هايدى: لسنا مهتمين بالتعرف إليك، أخبرنا فقط كيف سنخرج من هذا المكان الموحش؟؟
وفي تلك اللحظة أقترب العملاق برأسه من هايدى، وابتسم قائلاً: لماذا العجلة يا صغيرتي، هل نسيتِ عادات بلدك بعد هجرتك لكندا؟؟ لا تقلقي سأذكرك بعد قليل بالذي مضي.. وفجأة وقف العملاق ورفع يده وهو ينظر لأعلى، فأضيئت السماء فوقهم؛ وكأنها تحترق بنار الجحيم، وقال بصوت جهوري: مرحباً بكم أيها الإنس في عالم الجن، أنتم الآن في مملكتي"مملكة الموتى"، أنتم تطلقون عليها العالم السفلي، والآن-بعد أن عرفتم أين أنتم-أود أن أعرفكم بنفسي..أنا "جهنورش" أخر ملوك مملكة الموتى...
جلس الجميع في صمت علي طاولة الطعام ينظرون لبعضهم البعض علّ شخصاً منهم يبدأ في طرح سؤال يشغل تفكيرهم جميعاً؛ فأجاب ديفيد، وكأنه يقرأ أفكارهم، وقال: أعلم أنكم قلقون على أصدقائنا، ولا أستطيع إنكار قلقي أنا أيضاً؛ لكن أسمحوا لي أن أقترح عليكم اقتراح، وهو أن نظل معاً من الآن فصاعداً، وقبل أن يكمل ديفيد كلامه قال جايلز: إذن ماذا عن الآميترين؟!! هل سنتخلى عن أملنا الوحيد في إنهاء اللعنة؟؟ أجاب ديفيد بعصبية: بالطبع لا؛ لكن هل تعتقد أن بإمكاننا تشتيت أنفسنا أكثر من ذلك، هل ستتحمل اختفاء أحداً منا مجدداً كما أختفي أصدقائنا؟؟
وقبل أن يتحدث جايلز طرق شخص غريب الأطوار زجاج الفندق المُطل على الحديقة فذهب الجميع مسرعين، على أمل أن يساعدهم هذا الشخص في البحث عن الآميترين؛ لكن أثناء اقترابهم من الزجاج توقفوا فجأة ودققوا في ملامحه؛ فإذا به رجلًا تكسو بشرته طبقة من الرماد المحروق، يرتدي ملابس من جلود الماعز جعلته يبدو كإنسان العصر الحجري، ويغطي شعره الطويل والكثيف ملامح وجهه، إلا أن كل هذا لم يؤثر فيهم بقدر فزعهم من رؤية أسنانه التي كانت تبدو كبيرة مقارنة بأسنان الإنسان العادي، وقبل أن يقترب أليكسندر، ويوري من الزجاج ليسمحوا له بالدخول أخذ كريس وأنتوني بذراعيهم، وقال أنتوني للمجموعة في فزع: هل ستفتحون له الباب بتلك البساطة؟؟ آلا تعلمون أن هذا الشخص قد يشكل عليكم خطراً أكثر من خطر الثايلسين، وقبل أن يكمل حديثه أقترب جوني من أنتوني، وسأله: عن ماذا تتحدث، هل تعتقد أن هذا الشخص سيكون أخطر من تلك النمور التي انقرضت منذ سنوات؟؟
فأجابه كريس: أنتوني محق تماماً؛ لأن أسنانه تبدو كأسنان أكلي لحوم البشر..
نظر فهد لسليمان، وقال لكريس: هل تصدقون هذا الهراء الذي تخبرونا به؟؟
رد أنتوني علي الفور: لماذا لا تصدق، آلم تسمع من قبل عن الأشخاص الذين أكلوا لحوم أصدقائهم للبقاء على قيد الحياة بعدما ضلوا طريقهم في المحيط؟؟
وبعد مرور 5 دقائق أمضتها المجموعة في الجدال صرخ يوشياو، وقال: أصمتوا.. آلا تسمعون هذا الصوت؟؟ فصمت الجميع، وإذا بالهدوء يسيطر على الفندق؛ لكن المجموعة التي لم تكترث لمراقبة الرجل أثناء جدالهم لم يتخيلوا أن المشهد تغير تماماً؛ فعندما التفتوا لرؤيته وجدوه أمامهم، ومعه قبيلة ترتدي نفس ملابسه الغريبة وتُشبهه في كل شيء؛ لكن الغريب هذه المرة أن عيونهم كانت تحمل نظرات مخيفة؛ وكأنهم ينتهزون الفرصة للانقضاض عليهم، وبعد لحظات لم تكتفي القبيلة بالنظر إليهم في صمت؛ لكنهم ظلوا يطرقوا الزجاج بقوة، وأثناء مشاهدة المجموعة للمشهد في ذهول قالت جيوري: لماذا لا نفتح لهم؟؟ يبدو أنهم خائفون من شيئاً ما في الخارج؛ فأجاب كريس غاضباً: أنهم لا يخافون شيئاً بل يريدون الدخول إلينا لأنهم علي وشك الموت جوعاً؛ لذا إذا كنتِ تريدين أن تصبحي وجبة العشاء لهم فلتذهبي إليهم بمفردك؛ فأقترب سونغ هان من كريس، وكاد أن يضربه؛ لكن أنتوني أستوقفه، ونظر للجميع وقال: هل تعلمون لماذا نتخذ هذا الموقف العدائي من تلك القبيلة؟؟ لأن تلك القبيلة تشبه قبيلة الأغوريين، قبيلة أكلي لحوم البشر في الهند؛ لكن أكثر ما يقلقنا هو أن تلك القبيلة لا تخرج من عزلتها إلا كل أربع سنوات، وذلك من أجل الاحتفال بمهرجان "كمبه ميلا"؛ لكن ظهورها في هذا التوقيت بالتحديد لا يبشر أبداً بالخير.
نهاية الحلقة الرابعة
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.