بعدما تفقد الجميع المنطقة المحيطة بالفندق ولم يجدوا أحداً في الأرجاء تحطمت نفسيتهم وانهارت قواهم؛ فذهبوا لحديقة الفندق، وجلسوا بالضبط كما كانوا يجلسون في حفلة الشواء، لم يجرؤ أحد على التحدث؛ لكنهم نظروا لديفيد وجايلز بملامح مُحمله بالغضب والاستياء والتساؤل.
في تلك الأثناء وقف جايلز ونظر لديفيد ،وقال: هل تريد أن تخبرهم أنت أم أخبرهم أنا؟؟ فأشار ديفيد بيديه كي يتولى جايلز مهمة إخبارهم بالكارثة التي حلت عليهم ... نظر جايلز بيأس وقال: كنت أتوقع حدوث ذلك؛ لكني لم أصدق أن الأسطورة التي اعتبرناها خرافة ستفاجئنا اليوم ... وقبل أن يكمل نهض يوري أرتيم واتجه نحو جايلز ونظر في الأرض وهو يمسك بنظارته ثم حدق بجايلز، وقال: أتعتقد أننا مازلنا في جولة سياحية بالجبال الزرقاء؟؟ لماذا تخبرنا بكل هذا الهراء وكأنك تحكي لأطفالك قصة قبل النوم، ثم ألتفت لديفيد ووجه إليه الحديث: أتريد أن تخبرنا بما يحدث أم ستستمر في مراقبة صديقك وهو يصيبنا بالشلل؟؟ فأشار ديفيد للجميع أن يجلسوا في أماكنهم ثم نظر لهاتفه، وقال: كما توقعت لا توجد شبكة، جايلز كان يريد إخباركم أن اللعنة هي عبارة عن أسطورة انتقلت إلينا من الأبورجيون أول شعوب عاشت في أستراليا، سكانها الأصليين بمعنى أدق؛ لكن لأن اللعنة لم تحدث منذ قرون عديدة فأغلب الأستراليين اعتبروها خرافة، وأنا وجايلز نعتقد أن تغيير الجو وخلو المنطقة من البشر، كل هذا مؤشر على حدوث اللعنة؛ لأن بناء على الظروف الحالية فذلك يشير إلى شيء واحد فقط، وهو أننا سافرنا بالزمن؛ لكن لا نعلم بالتحديد هل سافرنا للماضي البعيد أم للمستقبل.
بعد أن أنهي ديفيد حديثه نظر لملامح الجالسون فلم يجد أي رد فعل؛ وكأنهم لم يستوعبوا ما قاله؛ لكن فجاءه نظر سونغ وقال مازحاً: أعتقد أن ديفيد يتحدث عن إحدى أعمالكم الدرامية، ثم صمت لبرهة ونظر للجميع، وقال بنبرة سخرية: أتصدقون تلك المسرحية السخيفة؟!! في ذلك الحين كان لوكاس علي وشك الرد على سونغ؛ لكنه لمح شيء يتحرك من بعيد، فنظر وإذا بهم مجموعة من النمور التسمانية، وقبل أن يدرك الجميع الموقف صرخ فيهم جايلز: اركضوا للفندق، وأغلقوا كل الأبواب والنوافذ المفتوحة على الفور، في تلك الأثناء راقب الجميع النمور من خارج النوافذ؛ لكن كريس وأنتوني صعدوا للدور الرابع لمراقبة قطيع الثايلسين، وبعد دقائق توجهوا لمطعم الفندق وملامحهم يبدو عليها التوتر؛ فبادر لوكاس بسؤالهم: ماذا حدث، أين ذهبتم ولماذا وجوهكم شاحبة هكذا؟؟ فأجابه أنتوني: ذهبنا لمشاهدة قطيع النمور، وللأسف أنا وكريس نعتقد أننا بالفعل انتقلنا بالزمن للوراء.. وقبل أن يكمل قاطعته هايدي(بعصبية): عن ماذا تتحدث، هل تصدق حقاً تلك الخرافات التي قالها جايلز وديفيد؟؟، وهنا قامت مريم لتهدئتها، وقالت: لا داعي للتوتر الآن، دعينا نستمع لوجهة نظرهم أولاً، فربما يعرفون شيئاً نجهله، ووجهت حديثها وأنتوني: أخبرونا لماذا تظنون أننا سافرنا بالزمن للماضي، وعن أي نمور تتحدثون، أنا لا أرى بالخارج نمور، هم فقط عبارة عن مجموعة كلاب.. ألا تتفقون معي في الرأي؟؟ فأجابها آسر: معك حق، لأن النمور المعتادة إما صفراء أو بيضاء؛ لكن تلك المجموعة أشبه بحيوان السلعوة الذي ظهر في مصر في فترة من الفترات.
وبنفاد صبر يقاطع كريس حديثهم: انتظروا لحظة من فضلكم، أنا وأنتوني متأكدون أن قطيع الحيوانات بالخارج هم قطيع من الثايلسين ، والذي يعرف أيضاً بالذئب لكنه أنقرض بالفعل... وبدهشة نظر له الجميع وقالوا: أنقرض!!، ثم أضاف لوكاس: ماذا تعني بــ أنقرض؟!! هل تخبرنا الآن بأننا انتقلنا لعصور الديناصورات.
فطمأنه أنتوني، وقال: لا داعي للمبالغة؛ الثايلسين بدأ ينقرض منذ القرن الثامن العشر.. أعلم أنكم تتعجبون؛ لكن أثناء دراستنا لعلوم التربة درسنا أنا وكريس تأثير العوامل البشرية والبيئية على التربة والحيوانات؛ لذلك تعرفنا على الثايلسين بمجرد رؤيته ... وقبل أن يكمل أنتوني حديثه قاطعه روبرتو: إذن أخبرونا على الفور كل المعلومات التي تعرفوها عن تلك الكائنات الغريبة؛ فأجاب كريس بابتسامة لا يستطيع إخفائها؛ وكأنه ربح جائزة نوبل لجهوده في حماية الحيوانات النادرة من خطر الانقراض: النمر التسماني أو الثايلسين هو حيوان لأحم منقرضٌ، وكان من أكبر أنواع مجموعة الدصيورات خلال عصر الهولوسين، وكان يعيش فقط في قارة أستراليا وجزيرتي تسمانيا وغينيا الجديدة، ويعتقد أنه انقرض تماماً خلال القرن العشرين، ويعتبر النمر التسماني آخر نوع من فصيلة الثايلسينيات، وفي عصر الميوسين عثروا على أخر أحافير من الثايلسينيات.
وبعد أن فرغ كريس من حديثه عن الثايلسين تنهد ديفيد وقال: الآن اطمأننت بأن اللعنة لن تصيبنا بسوء، فرد لوكاس(متعجباً): لماذا تظن ذلك؟؟ فأكمل ديفيد: لأن كُلّ منا لديه نقاط قوة مميزة ستجعلنا نتجاوز تلك الأزمة سوياً، على كل حال دعونا نذهب لتناول الطعام الآن؛ فيجب أن نحافظ على طاقتنا وصحتنا لنستعد للتعامل مع توابع اللعنة.
ترددت كلمة توابع اللعنة على أسماع الحاضرين كأنها صدى؛ فنظرت فريدة لآسر بقلق، وقالت لديفيد: ماذا تعني بالتوابع؟؟؟ فأجاب ديفيد بابتسامة غامضة وأشار لطاولة الطعام؛ فصمتت فريدة وذهبت للطاولة بخفي حنين، وكأنها تخشي طرح السؤال مجدداً.
قبل أن يحل المساء نظر الجميع وإذا بالسماء بدأت في عرض مشهد ساحر، مشهد الشفق القطبي، في حين اختفى قطيع الثايلسين تماماً دون ترك أي أثر، وأثناء مشاهدتهم للسماء الخضراء اهتزت الأرض فجاءه؛ وكأن زلزال بقوة 8.9 درجة بمقياس ريختر قد ضرب أستراليا بأكملها.
نظروا من نافذة الفندق وإذا بجسم غريب يرقد بالقرب من مكان الحفلة التي أقامتها المجموعة بالأمس، خرج الجميع-بحذر-ينظرون حولهم بترقب واقتربوا من الجسم الغريب يتفحصونه، فوجدوه أشبه بكتله صخرية ضخمة مجوفة من الداخل وملونة باللون الأخضر الزيتي والأحمر الناري والأزرق السماوي، وقبل أن يلمسه كييتشي صرخ ديفيد وأخذه بعيداً عن الجسم الغريب، وقال بعصبية: من فضلك كن حذراً، ولا تفعل مثل هذه الحماقة مجدداً، وأكمل حديثه وهو ينظر للجميع: آلم تدركوا حتى الآن حجم الخطر الذي وقعنا فيه؟؟ من فضلكم لا تقدموا على أي مخاطرة أو أي خطوة جنونية من تلقاء أنفسكم ... وأعتقد أن من الأفضل آلا نلمس هذا الشيء، وأن نتركه كما هو ونعود للفندق على الفور.
بعد لحظات قليلة دخل الجميع للفندق ووقفوا في حالة صدمة وذهول حينما رأوا الجسم الغريب راقداً أمامهم بجوار مكتب الاستقبال.
تابع الحلقة الثالثة
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.