«الثعلب الحائر».. قصص أطفال

في يوم من الأيام، حين كان الثعلب ليمو يسير في بعض طرقات الغابة بحثًا عن شيء يأكله، إذ سمع صوتًا عاليًا يأتي من ناحية الشجرة الكبيرة التي توجد في وسط الغابة، كان الصوت يشبه البكاء أو الأنين، لم يكن ليمو متيقِّنا، ولكنه قرر أن يذهب ليعرف ما الأمر.

وبالفعل، ذهب ليمو صوب الشجرة الكبيرة ونظر من بعيد؛ لأنه كان قد تعلَّم من تجاربه أنه يجب أن يتحلى بالحذر، وأن يفكر مرتين قبل أن يقدم على أمر قد يعرضه للخطر، وسرعان ما تبين له الأمر، فقد وجد غزالًا صغيرًا قد علقت قدمه الصغيرة في بعض جذور الشجرة العملاقة الموجودة في وسط الغابة، كان الغزال الصغير رائع الجمال، وعيناه واسعتان، وأنفه صغير، وكان يبكي ويرتجف من الخوف. فكَّر الثعلب ليمو قليلًا ثم قال لنفسه: «هذا أمر لا يهمني، عليَّ أن أُقبل على شؤوني الخاصة»، وفعلًا، عاد ليمو إلى طرقات الغابة ليستأنف رحلته في البحث عن الطعام.

تحرك ليمو بضع خطوات قليلة وهو يحدِّث نفسه قائلًا: «ما فعلته هو الصواب حتمًا، لا ينبغي لأحد أن يتدخل في شؤون الآخرين، حتى لو كانوا بحاجة إلى المساعدة». ولكن الثعلب ليمو كان طيب القلب، فلم يستطع أن يقنع نفسه بكلمته تلك، وسرعان ما غلبه قلبه الطيب فتوقف قليلًا وهو يقول لنفسه: «لا أستطيع ترك هذا الغزال الصغير بمفرده، سأعود إليه كي أساعده».

وهكذا عاد ليمو إلى الغزال الصغير ووجد حاله أسوأ، إذ إنه وهو في محاولاته المستمرة كي يخلص نفسه من جذور الشجره، أصاب وجهه وجسده بجروح، وحينئذ رقَّ له ليمو أكثر وسرعان ما بدأ محاولاته كي يخلصه.

نجح الثعلب في تخليص الغزال الصغير، ورأى أنه قد صار حرًا، وكاد أن ينصرف عنه ليكمل رحلته، إلا إنه وجد مشكلة جديدة قد ظهرت، ألا وهي أن الغزال ليس بإمكانه السير بمفرده بسبب الجروح التي أصابته والإرهاق الشديد الذي أصابه في أثناء محاولاته تخليص نفسه، عندئذٍ قال ليمو مخاطبًا نفسه: «كنت أعلم أنني سأتورط في هذا الأمر».

نظر ليمو حوله ليتأكد أنه لا أحد يراقب ما يحدث، لأنه كان حذرًا إلى أبعد الحدود، ثم اتخذ قراره. نعم، لقد قرر ليمو أن يصحب الغزال الصغير حتى يوصله إلى مكان عائلته، وفعلًا، انطلق ليمو والغزال الصغير في طريقهما نحو البحيرة التي طالما كان ليمو يرى الغزلان تشرب منها وتعيش بالقرب منها، وقال محدثًا الغزال الصغير: «أنت محظوظ أيها الصغير، إنني أنا من رأيتك أولًا، ففي مثل هذه الغابة لو رآك غيري لكنت الآن فريسة».

الثعلب ليمو يصحب الغزال

كان الطريق إلى البحيرة ممهدًا، وكانت الأمور تسير على ما يرام، حتى حدث شيء لم يكن في الحسبان، إذ رأى ليمو وهو يسير مع الغزال الصغير مجموعة كبيرة من أغصان العنب الممتلئة بالثمار الناضجة المتدلية بعناقيد ملونة بألوان الأخضر والأحمر. سال لعاب ليمو وتوقَّف ينظر إلى هذه العناقيد وهو يقول لنفسه: «هذه العناقيد الشهية لا بد وأن تكون من نصيبي». وتحرَّك ليمو صوبها وهو يكاد لا يفكر في شيء سوى أن يلتهم أكبر قدر من هذا العنب.

وهكذا مضى الوقت والغزال الصغير ينتظر وهو يرتجف من الخوف، في حين الثعلب ليمو يأكل العنب وهو لا يفكر في أمر الغزال حتى سمع صوتًا يأتي من بعيد، أنصت ليمو إلى الصوت ليعرف ما هو حتى عرف، لقد كان صوت الضباع!

علم ليمو أن الغزال سينتهي أمره لو لم يتحرك فورًا، ولكن طعم العنب الحلو كان يحول بينه وبين ما يجب فعله. تردَّد ليمو وأخذ يفكر بعمق فيما ينبغي عليه فعله، وأصابته الحيرة كما لم يحدث معه من قبل، حتى حسم أمره. نعم، لقد فعل الشيء الذي يجب أن يفعله، ترك ليمو عناقيد العنب، وتحرَّك صوب الغزال الصغير، واستأنف معه رحلتهما نحو البحيرة، كانا في سباق مع الزمن؛ لأن سير الغزال الصغير كان بطيئًا نوعًا ما بسبب تأثره بالجروح التي به، وأما الضباع فكانت أسرع.

مرت دقائق عصيبة على ليمو وهو يسير مع الغزال الصغير، حتى ظهرت البحيرة من بعيد وهي تلمع بسبب انعكاس ضوء الشمس على سطح مائها الصافي، ولحسن الحظ، لم يخب ظن ليمو، لقد وجد الغزلان واقفة فعلًا حول البحيرة، وما أن رأى أحد أفراد القطيع هذا الغزال الصغير حتى تحرك صوبه وهو خائف نوعًا ما من هذا الصاحب الذي يسير برفقته. فهم ليمو أن مهمته قد انتهت وأن عليه أن يقف مكانه ليسمح لأم الغزال الصغير بالاقتراب دون خوف منه. وبالفعل، توقف ليمو وأكمل الغزال الصغير طريقه نحو البحيرة التي كان كل أفراد القطيع قد توقفوا عن الشرب منها، وأخذوا يحدقون في الغزال الصغير بمشاعر هي خليط من الفرح والدهشة.

قبل أن يصل الغزال الصغير إلى أمه، توقَّف لحظة ونظر خلفه، صوب ليمو، وأطال النظر إليه ثواني كانت كفيلة ليفهم ليمو ماذا يريد هذا الغزال، لقد كان يشكره، ولكن لصغر سنه لم يجد طريقة ليشكره بها أو كلمات ليعبر بها، فقط نظر إليه بامتنان وهزَّ رأسه ثم أكمل طريقه نحو أمه فرحًا مسرورًا.

في المساء، وحين عاد ليمو إلى بيته، كان يفكر في أحداث اليوم ويقول لنفسه: «لم أكن لأسامح نفسي أبدًا لو لم أحسم أمري وأترك عناقيد العنب من أجل إنقاذ الصغير». ونام الثعلب ليمو وعلى شفتيه ابتسامه صغيرة تعبر عن سروره بأنه فعل الصواب.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة