العلاقات البشرية هي علاقات معقدة وصعبة الفهم، ويدخل فيها الكثير من التفاصيل، وسوء الفهم يحضر دائماً دون أن ننتبه إليه، وأيضًا التجانس.
في هذا النص سوف أقوم بتحليل مفصل للخدعة التي نقوم بخداع أنفسنا بها، وبسببها يحدث سوء الفهم، والخلاف بين البشر، بدل حسن الفهم والتجانس.
من المعلوم أن هناك بعض الصفات والأفكار تبقى ثابتة لدى الأشخاص، ومن الصعب جداً تغييرها، فهي راسخة كرسوخ الجبال في الأرض.
اقرأ أيضًا: دراسة الآثار طويلة المدى لطلاق الوالدين على الأطفال
هذه الصفات والأفكار لا تدخل في موضوع تحليلنا اليوم، نحن نقوم بتحليل الصفات والأفكار والأفعال اليومية والعادية المتغيرة في حياة البشر.
مثلاً.. تفاعلي مع حدث معين كان اليوم كبيراً، وبالأمس كان فاتراً، وقبله كان بارداً، وهذه الأحداث المتغيرة هي ما نحاول أن نسلط عليها مشرط التحليل.
بدايةً أقول..
هذه الصفات والاستجابات المتغيرة قد أخذت صفة الأفكار والصفات الثابتة في غفلة من الوعي، مما سبب الكثير من الخلافات في العلاقات التواصلية بين البشر.
عندما يقوم الشخص بتصرفٍ ما، ولا يعجبنا ذلك التصرف؛ أي إننا نقوم بتفسيره بناء على مستوى وعينا، نقوم نحن بدورنا بفتح ملف لهذا الشخص في عقلنا، وأخذ صورة سلبية للفعل، ونقوم بتخزينها في العقل.
بعد ذلك ننتظر كي نملأ الملف بصور أخرى، وإذا حدث أن قام نفس الشخص بتصرف آخر لا يعجبنا أيضاً نشعر بطمأنينة وغبطة بأنفسنا، نحن على صواب، ولم نظلمه عندما فتحنا له الملف، ونسارع عندها بتخزين الصورة السلبية الثانية في نفس الملف.
اقرأ أيضًا: اجتناب الناس أفضل من اقتناء الماس
وبعد فترة من الوقت لو قام بفعل إيجابي ربما لن نراه أو لن نلتفت إليه، ويمر مرور الواجب أو الشيء الاعتيادي، وبمعنى آخر يكون هامشياً لا نلقي له بالاً.
وفي أحسن الأحوال عندما نراه إيجابيًّا ونقف عنده لنفكر بما حدث نشعر بالارتباك، ولا نضع له صورة إيجابية في الملف، بل نحتاج إلى التحقق من ذلك.
الآن ننتظر في حيرة لا نفهمها، لو أتى ذلك الشخص بتصرف سلبي عندها نمحو هذه الصورة الإيجابية، ونعود لنغلق الملف ولا نفتحه إلا للصور السلبية.
ويكون الملف قد حُكم عليه، وهذا الحكم هو الذي نبني عليه تصرفاتنا اللاحقة، فكلما تصرف ذلك الشخص تصرفاً نمرره بفلتر الحكم ثم نراه كيف يكون بعد المرور بعملية الفلترة.
وهكذا يعمل العقل الباطن كفلتر يفلتر كل الأشياء التي تخص هذا الملف والتي يراها، ويعطينا أو يمرر فقط ما يتوافق مع أحكامنا، وفي هذه المرحلة يصبح تصحيح العلاقة أمراً صعباً كون المرء يحتاج إلى مضاعفة واستمرارية التصرفات المُغرقة في الإيجابية كي تمسح أو تحاول مسح بعض معالم الصور السلبية من داخل الملف.
أين الخطأ إذن؟
اقرأ أيضًا: كيفية التخلص من الخوف؟
الحقيقة إن تثبيت الصور في الملف هو الخطأ، الخطأ غير المقصود الذي وقعنا فيه ومن خلاله حدثت الخلافات أو الأحكام الظالمة التي وقعنا بها في غفلةٍ من الوعي.
تلك الصور ليست ثابتة في الشخص، فهي عُرضة للتحول والتبدل والتغير تبعاً للظرف، وتبعًا للبيئة، وتبعاً للزمن، وتبعاً للسياق والحالة النفسية، فالعوامل المؤثرة في تصرفاتنا كثيرة جداً، وهي كلها سائلة أي متحركة غير صلبة تتغير من حين إلى حين.
ألم تلاحظ أننا نقوم بأعمالنا اليومية بشكل مختلف؟
مثلاً.. عندما نقوم بعمل القهوة فمرة تكون خفيفة، ومرة تكون مغلية أكثر من المعتاد، ومرة.. ومرة..
ومرة يكون الماء صافياً، ومرة فيه من الشوائب، وكل ذلك التغيير يحدث ونحن في مستوى وعي واحد؛ أي في نفس الوقت، وليس في أزمان مختلفة، مما يعني تغير مستوى الوعي.
وكذلك عندما تقوم السيدة بطبخ الأكل، فمرة يكون أفضل من مرة أخرى، مثل الأب عندما يكون في مزاج سيئ مثلاً ومتضايقاً من رئيسه في العمل، ويطلب ابنه طلباً، ويلح عليه نجده قد ينفجر غاضباً غضباً غير مبرر، ولو طلب الابن من الأب نفس الطلب وهو في مزاج جيد ربما وافق الأب وبحنية كبيرة؛ أي إن الأب يتصرف بطريقتين مختلفتين تبعاً لاختلاف المزاج.
مقصد الكلام أننا لا نقوم بأفعالنا بشكل آلي ثابت، بل نتصرف بشكل متغير، وإذا كنا نحن نقوم بذلك فالآخرون أيضاً يقومون بأفعالهم بشكل متغير مثلنا.
من هنا علينا كي نتجنب ظلم الآخرين وظلم أنفسنا أن نقف عن إصدار الأحكام الثابتة على المتغيرات، وأن نعذر الآخرين كما نعذر أنفسنا بكل حب ومودة.
فلماذا نعذر أنفسنا ونلوم الآخرين؟
اقرأ أيضًا
-نظام الأسرة بين أسس الاستقرار ومؤشرات الصراع
-وسائل التواصل الاجتماعي والعلاقات العامة
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.