التنوع الغذائي لسكان عمّان.. رحلة تاريخية عبر ثقافات متعددة

لم تكن نشأة عمّان في أوائل القرن العشرين مجرد تحول جغرافي، بل كانت نقطة التقاء لطيف واسع من التنوع الديموغرافي، حيث تدفق إليها البدو والفلاحون من عشائر مختلفة، جنبًا إلى جنب مع الشركس والشيشان والشوام والبخاريين واليمنيين والأرمن وغيرهم. وهذا التنوع الثقافي الفريد لم يقتصر على النسيج الاجتماعي للمدينة الناشئة، بل امتد ليُمثِّل ملامح هويتها الغذائية المميزة.

فبينما حافظت كل مجموعة على جوانب من أنماطها الغذائية التقليدية -من خبز الحطب البدوي وحفظ الألبان الموسمية، مرورًا بأكلات الحبوب الشركسية المميزة مثل الشيبس والباسطة، وصولًا إلى نكهات الأرز البخاري والمنطو- بدأت ملامح تآزر غذائي فريد تتكوَّن في المائدة العمانية.

يستعرض هذا المقال رحلة استكشافية في تاريخ الطعام بعمّان خلال تلك المرحلة المهمة، مُسلطًا الضوء على كيفية مساهمة هذا التنوع الديموغرافي الغني في إثراء الأنماط الغذائية للمدينة، مع التوقف عند أبرز المجموعات وتأثيرها الخاص على المطبخ العماني في بداياته.

تنوع عمّان الغذائي.. كيف شكل البدو والشركس والشوام مائدة العاصمة؟

تكوَّنت عَمَّان من طيف واسع من التنوع الديموجرافي، فقد انضوى هذا التنوع في بوتقة المدينة الناشئة في أوائل النصف الأول من القرن العشرين، ومن هذه التنوعات البدو والفلاحون من عشائر العدوان والدعجة وبني صخر، إلى جانب السلطية وبني حسن، والفلسطينيين والشركس والشيشان والشوام والبخاريين واليمنيين والأرمن.

تكوَّنت عَمَّان من طيف واسع من التنوع الديموجرافي كالبدو والفلاحين والفلسطينيين والشركس والأرمن

فسيفساء من التنوع الديموغرافي وأثره على الأنماط الغذائية

على الرغم هذا التنوع واظب العمَّانيون على المحافظة على الأنماط الغذائية، في سياق الثقافات الفرعية المشكِّلة للعاصمة حتى اليوم، حيث تشمل عَمَّان التاريخية مناطق رأس العين والمحطة والتلال المحيطة بها.

البدو في عمّان الحضرية والحفاظ على التقاليد الغذائية

كان البدوي مثلًا الذي يسكن عَمَّان يحرص على مزج شخصيته البدوية بتلك الحضرية، إذ كان يتعامل مع مؤسسات المدينة في عمان، ومن ثمة عند المواسم، بالاعتناء بالمزروعات في القرية الأصل له.

 فإلى جانب المخبز، كانت الأسرة البدوية تخبز الخبز عند الحاجة، لاسيما قدوم الضيف على نحو مفاجئ، وكانت تستخدم الحطب الذي يُباع في المدينة، وكان البدو الحضري يحفظ الطعام مثل العدس في البراميل الخشبية.

وتم خزن المعاقيد والمكدوس وورق الدوالي في أثناء مواسمها، فيما كانت تُجلب مشتقات الألبان من القرية في أثناء موسم الحلب، كي يخزن في منزل صاحب الأغنام، حيث كانت تتم عملية الحلب في القرية.

كيف امتزجت أطعمة البدو والفلاحين والشوام والفلسطينيين في عمان؟

ومع التمازج الاجتماعي في عَمَّان تميزت المائدة العَمَّانية بالتآزر فيما بين البدوي والفلاحي والشامي والفلسطيني، إلى جانب الشيشاني والأرمني، في حين كانت المياه تُجلب من الآبار المحيطة، وعبر الساقيين، ثم يلتزم البدوي الحضري بمراسيم الزواج والفاردة والقهوة، كما هي عليه في البلدة، مع بعض التغييرات التي تفرضها طبيعة المدينة.

مع التمازج الاجتماعي في عَمَّان تميزت المائدة بالتآزر فيما بين البدوي والفلاحي والشامي والفلسطيني

البخاريون في عمّان.. نكهات آسيا الوسطى تحافظ على تميزها

لكن الجماعات غير العربية، مثل البخاريين، حافظوا على طبيعة طعامهم، لأن للبخاريين طعامهم الخاص، مثل الأرز البخاري، والمنطو، إلى جانب كونهم يشربون الشاي، بما يوازي القهوة عند جيرانهم العرب.

الشركس في عمّان.. الزراعة وأكلات الحبوب ومشتقات الألبان

أما الشركس، فقد كانوا يهتمون بالزراعة، لاسيما زراعة الحبوب، في حين كانوا يعتمدون على تلك المزروعات في غذائهم، فيما كان الشراكسة يحضرون الأبقار من الجولان السوري، إلى جانب العمل في رعي الأغنام، والتنعم بمنتجاتها من مشتقات الألبان في موسم الحلب.

أكلات شركسية في عمّان

ومن الأكلات الشركسية الشيبس والباسطة، إلى جانب القوجابخة، والحليفا واللقم، ومن حلوياتهم الحلاوة الحمراء، وربُّوا النحل واستفادوا من العسل، وكان الشاي المشروب الرئيس لديهم، إلى جانب مشروبات من مثل البخسما، وقالقمشية. 

من الأكلات الشركسية في عمّان الشيبس والباسطة

تأثير المجموعات الأخرى ومستقبل الأنماط الغذائية في عمّان

بينما يركز المحتوى أساسي على البدو والشركس والبخاريين؛ فإن مساهمات الفلسطينيين والشوام واليمنيين والأرمن وعشائر العدوان والدعجة وبني صخر والسلطية وبني حسن كانت أيضًا جزءًا لا يتجزأ من النسيج الغذائي المتنوع لعمّان. على سبيل المثال، جلب الفلسطينيون معهم أكلات مثل المسخن والمقلوبة والكنافة النابلسية، في حين اشتهر الشوام بأطباق مثل الكبة والمحاشي والحلويات الشرقية.

 إن فهم هذه الأصول المتنوعة للأنماط الغذائية في عمّان يمنحنا نظرة أعمق على تاريخ المدينة وثقافتها الغنية. ومع التطورات الحديثة والتأثيرات العالمية، يستمر المشهد الغذائي في عمّان في التغير والتكيف، لكن تبقى هذه الجذور التاريخية حاضرة في العديد من الأطباق والممارسات الغذائية حتى اليوم.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة