وضع البلاغيون القدامى معيارًا تمييزيًّا بين نوعي الإنشاء؛ الطلبي وغير الطلبي. وسعى بعض المحدثين إلى إضافة معايير تؤكد انفصال النوعين؛ لتثبت مقولة القدامى في ذلك.
وضع الدكتور بكري الشيخ معيارًا للتمييز بين نوعي الإنشاء بزمنية تحقق الطلب، فـ(للتفريق بين الإنشائين؛ الطلبي وغير الطلبي، نلاحظ في الإنشاء الطلبي أن وجود معنى الجملة يتأخر عن وجود لفظه، أما الإنشاء غير الطلبي فيتحقق وجود معناه في الوقت الذي يتحقق فيه وجود لفظه).
معايير المنهج التمييزي
إذن يكون المنهج التمييزي قائمًا على المعايير الآتية:
- استدعاء الطلب.
- حصول الطلب.
- زمنية تحقق الطلب.
وبمطالعة لمنهج البلاغيين القدامى والمحدثين، سنلاحظ الارتباك الواضح فيهما، لا سيما في تحديد موضعي: التمني والترجي.
أنواع التمني
وعلى الرغم من أن (التمني توقع أمر محبوب في المستقبل، والفرق بينه وبين الترجي، أنه يُدخل المستحيلات، والترجي لا يكون إلا في الممكنات). وقد يكون هذا التداخل هو الذي دعا البلاغيين إلى التمييز بين نوعين في التمني:
الأول
توقع الأمر المحبوب الذي لا يُرجى حصوله لكونه مستحيلًا.
كقول أبي القاسم الشابي:
ألا ليت الشباب يعود يومًا فأخبره بما فعل المشيب
الثاني
توقع الأمر المحبوب الذي لا يُرجى حصوله؛ لكونه ممكنًا غير مطموع في نهله.
وعلى الرغم من أن الدكتور عبد العزيز عتيق يذهب إلى أن الترجي فرع على التمني، أي أنه نمط من أنماط "الإنشاء الطلبي" الفرعية، يذهب في فقرة أخرى إلى أنه من أنماط الإنشاء غير الطلبي.
وذهب الدكتور بكري الشيخ إلى عد الرجاء ضمن أنواع الإنشاء غير الطلبي، إذ ضمنها: (أساليب المدح والذم، وأساليب العقود، وأساليب القسم، وصيغ التعجب، وأساليب الرجاء).
رتب البلاغيون مفردات نوع "التمني" على نحو يخالف سبيل ترتيبهم لمفردات أنواع الإنشاء الطلبي. ولا يختلف الأمر عنهما في موضوعي "النهي" و"الأمر"، بل يأتي على سبيل يتساوق وسبيل الاشتغال الترتيبي في موضوعي "الاستفهام" و"النداء".
لكننا لو تفحصنا المنهجية المتبعة في ترتيب "التمني" عند البلاغيين، نلاحظ أن الارتباك بادٍ على اشتغالهما الترتيبي ذلك، بحيث لا تجدهم يميزون بين المعنى الحقيقي والبلاغي بنحو قاطع.
مفردات الإنشاء الطلبي
وتبعًا لهذا التوالد المتنوع من الترتيبات المنهجية المتفاوتة بين التوحد وخرقه، رأينا أن نعيد ترتيب مفردات "الإنشاء الطلبي"، والموضوعات الداخلة ضمنه بنظرة متوحدة، مفادها:
- لا يُنظر إلى الترجي على أنه مفردة من مفردات "الإنشاء غير الطلبي"، بل لا بد من نقله إلى مفردات "الإنشاء الطلبي".
- إخراج الأدوات غير الموضوعة أصلًا للتمني، من موضوع التمني، وإدخالها ضمن موضوعاتها الرئيسة بوصفها معاني بلاغية.
- إن الأدوات التي خرجت من معناها الحقيقي إلى معنى بلاغي جديد مفاده "التمني" وليس لها موضوع قارٌّ في مفردات "الإنشاء الطلبي"، تكون هي أساسًا لتأسيس مفردة جديدة في مفردات "الإنشاء الطلبي" قوامها الموضوع النحوي الحقيقي الذي وُضعت له أصلًا.
رائع
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.