التمريض.. المهنة المنسية والمظلوم أهلها

لو سألت أي طالب في المدرسة: ماذا تريد أن تكون إذا عملت في مجال الرعاية الصحية، في الغالب سيقول لك: يريد أن يكون طبيبًا، لكن لن يخبرك أي أحد منهم أنه يريد أن يكون ممرضًا، وأنا سأخصص الحديث عن مهنة التمريض في مصر، فهذه المهنة التي تجاهلها الكل في العالم، ويتجاهل جهودها الكل، في حين ينال الأطباء المديح والثناء كليهما.

على الرغم من أن الممرض هو من يعتني بالمريض في الـ 24 ساعة، ويوفر له الدعم النفسي، وينفذ له العلاجات، ويفعل أشياء كثيرة للمريض والطبيب معًا، فهو من يقيس العلامات الحيوية، ويتابع التطورات التي تحدث للمريض، ويُعلم بها الطبيب، بل أحيانًا قد يتخذ إجراءً طبيًّا، ثم يخبر الطبيب بما فعل، وذلك لأن بعض المواقف تستدعي اتخاذ قرار وإلا ستتدهور حياة المريض إن لم تنته.

في مصر يخبرون الممرض بأنه الذراع اليمنى للطبيب، أو هو مساعد الطبيب، في حين يخبرك الواقع بعكس ذلك تمامًا، فالرعاية الصحية كالعملة، الطبيب أحد الوجهين، والممرض هو الوجه المضاد، وللتبسيط هما وجهان لعملة واحدة، وعندما أقول وجهان، فهما مختلفان، وذلك لأن الطبيب مهمته التشخيص ووصف العقاقير، أما الممرض فوظيفته الرعاية والاهتمام بالمريض حتى يتعافى.

يقضي المصاب بمرض غالب وقته مع الممرض، في حين لا يراه الطبيب إلا ساعة من نهار أو ليل؛ ليرى آخر التطورات، ويطّلع على البيانات الصحية التي جمعها الممرض؛ لأن سيد القوم خادمهم، فالممرض سيد مخلص وخادم نبيل لكلا الطرفين المريض والمعالج، يرافق المريض حتى يبرأ، ويساعد الطبيب في صراعه مع المرض والآفات التي تصيب الناس من الحين إلى الحين.

وإذا ركبنا الطائرة أو هبطنا في مصر فستجد نقصًا عامًا في أعداد مقدمي الرعاية الصحية من الممرضين، وزيادة عدد المرضى، ما يزيد العبء على العدد الموجود من الممرضين، وكل يوم يتناقص عدد الممرضين بسبب انقطاعهم عن العمل أو تحولهم من التمريض إلى مجال آخر.

بالرجوع إلى عام 2019 و2020 في أثناء أحداث كورونا (COVID -19) ستجد أن عدد ضحايا تلك الجائحة من الممرضين يفوق عدد الأطباء مئات المرات إن لم يكن آلاف المرات، وذلك لما ذكرته سابقًا، وهو أن الممرضين هم من يتعاملون مع المرضى في الـ 24 ساعة.

دعنا من هذا، ولنركز على نقص عدد الممرضين في مصر، والفجوة التي تتسع يومًا بعد يوم، لا سيما أم الدنيا مصر التي ما تركها ممرض إلا سفرًا إلى دولة أخرى أو غيّر مهنته، فالضغط الواقع على العاملين في المجال الصحي كبير، ما يؤدي إلى إرهاقهم وتقديم خدمه متواضعة أو بالكاد مقبولة.

أدرك المختصون الفجوة التي تتسع كل يوم في مجال الرعاية الصحية، وعلى الرغم من أنهم حاولوا تدارك تلك المشكلة، لكن كلها باءت بالفشل، ومع التقدم المستمر للذكاء الاصطناعي (AI) قد يحاولون دمجهم في قطاع الصحة ليكونوا مساعدين فعليين للأطباء ومقدمي الرعاية في المستشفيات بدلًا من الممرضين، لكن حتى نصل إلى تلك المرحلة، وإلى ذلك الحل الذي قد يبوء بالفشل؛ لأن الذكاء الاصطناعي لن يستطيع أن يقدم ما يقدمه الإنسان لا سيما في مهنة جوهرها المشاعر والقيم الإنسانية كمهنة التمريض.

وتظل التحديات تزداد يومًا بعد يوم أمام الممرضين، فقد غاب الوعي عن الدور الحقيقي لمهنة التمريض وسط أبناء تلك الدولة، والعاملون بها موجودون في بيئة عمل غير صالحة أصلًا على المستوى النفسي أو المادي، إضافة إلى تدني رواتب التمريض، وهذا شيء غير عادل، فمن المفروض أن يتناسب الراتب مع مقدار الجهد المبذول، وفي مصر تقل توافر المواد المستلزمة للرعاية كالقفازات الطبية وغيرها من أدوات الحماية لمنفذ الخدمات التمريضية.

إن هذا الحديث اختصصت به مصر؛ لأنها نالت النصيب الأكبر من المعاناة، ولأن حجم الفجوة يتسع يومًا بعد يوم إذا ما قارناها بغيرها من الدول، على الرغْم من أنها أحد أهم مصادر مقدمي الرعاية الصحية ليس للوطن العربي فحسب، بل للعالم أجمع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.