في سعي الإنسان الدائم نحو فهم العالم من حوله، يبرز التفكير العلمي كونه أداة قوية ومنظمة، تتجاوز مجرد جمع المعلومات إلى التقصي المنضبط عن حقائق الأشياء. يكشف هذا المقال عن اثنتي عشرة سمة أساسية تميز التفكير العلمي، بدءًا من الشمولية والتنظيم وصولًا إلى الموضوعية وقابلية الاختبار، موضحًا كيف تكوِّن هذه السمات إطارًا منهجيًا موثوقًا للمعرفة.
التفكير العلمي هو النظر المنضبط بمناهج العلم الذي يتغيّا معرفة حقائق الأشياء، على وجه يمكن اختبار نتائجه وقياسها والتحقق من صحتها، بغض النظر عن موضوع التفكير.
أهم سمات التفكير العلمي
للتفكير العلمي 12 سمة نذكرها في ما يلي:
1. الشمول
الحكم الكلي يصدق على الأمثلة الظاهرة وجزئياتها المشتركة، وكان الغالب على الأحكام العلمية أن تكون قوانين معبرة عن الصورة المشتركة بين الأشياء المتفقة في خاصة من الخواص، وتتضح هذه السمة في قدرة التفكير العلمي على صياغة قوانين عامة تشمل حالات متعددة، مثل قانون الجاذبية الذي يشمل كل الأجسام المادية، بصرف النظر عن اختلاف مواقعها أو أحجامها.
2. التنظيم
هو تنظيم البحث عن الحقيقة، بحيث يتحكم فيه منهج موزون الخطو، حتى يبلغ المراد من المعرفة، والأمر الآخر أنه منظم لظواهر الكون، ورابط لها، بما يكشف من العلائق بينها، ومن القوانين التي تنتظمها، ما يجعل الكون منظمًا متوافقًا على ما في ظاهره من التشتت والتبعثر.
3. التعليل
والتعليل هو البحث عن أسباب حدوث الظواهر، وهو الذي يسم الكون بما رأينا من الوحدة والنظام، لأنه يقف على الأسرار الجامعة المتحكمة فيه.
يرى أصحاب المذهب الوضعي أن التعليل والتفسير معتمدهما على العقل وليسا في متناول الحس، ولما كان الحس هو مصدر المعرفة الأوحد -عندهم- كان التفسير والتعليل غير علميين؛ لأن ما سبيله الحس فقط لا يمكن أن يعرف ماهية الأشياء ولا جوهرها، لكن هذا التصور الوضعي قوبل بانتقادات، خاصة من مدارس ترى في العقل قدرة على تجاوز الحس لكشف علل الأشياء وغاياتها.
غير أن التفسير ضروري لإخراج الوصف التصنيفي من حرج التشتت الذي يهدد المعرفة بالاضطراب، من حيث تروم الخروج منه، فغاية العالم هي معرفة النظام الثانوي خلف اضطراب الظواهر.
4. الدقة
أي إن لغته دقيقة التعبير عن الأفكار، فمن ثم لا يستعمل إلا التعبير الكمي، فلا يقال في لغة العلم، غير أن الكمية في لغة العلم تختلف من علم لعلم في دقتها، فالعلوم الإنسانية مثلًا تختلف عن العلوم الطبيعية، وعن الرياضيات التي لا تعنى إلا بالكليات والقوانين الصارمة، ففي التفكير العلمي لا تُستخدم التعابير الإنشائية أو العاطفية، بل يُعتمد على لغة كمية دقيقة قابلة للقياس.
5. اختبار الصدق
إمكان اختبار الصدق، أي إمكان تأمل نتائجه ودراستها حتى يتحقق من أمرها.
6. الثبات المطلق
تتصف نظرياته بالثبات في كل زمان ومكان، ما دامت في إطارها، وإن كانت العلوم تختلف في ذلك، فبعضها أثبت من بعض وأكثر إطلاقًا، ومع ذلك، يبقى هذا الثبات مشروطًا بسياق النظرية، إذ قد تُراجع أو تُستبدل بنظرية أوسع عند ظهور معطيات جديدة.
7. التحليل
أي إنه يدرس الظواهر والأشياء للوصول إلى بسائطها وأولياتها، لمعرفة كلياتها وأسبابها وقوانينها.
8. الاتصال والتراكم
يبدأ الباحث من حيث انتهى غيره، وقد يلغي عمله عمل من قبله. فالعلم لا يبدأ من الصفر، بل يستند إلى تراكم الجهود السابقة، سواء لتطويرها أو لنقضها بمنهجية جديدة.
9. التسليم بأصول أولية
لا يتأتى البحث عن الحقيقة من غير التسليم بها، وتسمى البدهيات أو المسلمات أو المصادرات.
10. التأييد العلمي
رفض الاعتماد على مصادر الثقة والموروث المعرفي والنتيجة التي لا تصح، ما لم يؤيدها الدليل العلمي.
11. المنطقية
إن التفكير العلمي يوجب أن تكون نتائجه منطقية.
12. الموضوعية
وربما كان في هذا المصطلح كثير من اللبس والتعقيد، فالذي قد يتبادر إلى الذهن أن الموضوعية تعني تجرد الباحث من ذاته في ما يعالج من قضايا العلم، وتحكيم الموضوع المدروس وحده، لكن بعض الفلاسفة يشيرون إلى أن الموضوعية التامة قد تكون مثالية، فالعالم لا ينفصل تمامًا عن ثقافته وخلفياته، لكنها تبقى هدفًا يسعى إليه التفكير العلمي.
إن فهم سمات التفكير العلمي يمنحنا أدوات قوية لتقييم المعرفة والسعي نحو فهم أعمق وأكثر موثوقية للعالم، هذه المبادئ لا تقتصر على المختبرات العلمية، بل تمتد لتشمل مختلف جوانب حياتنا، ممكنة إيانا من اتخاذ قرارات مستنيرة وتقييم المعلومات بشكل نقدي، دعونا نتبنى التفكير العلمي منهج حياة.
احسنت النشر
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.