في رحلة التعافي من الإدمان، يواجه المتعافي تحديات نفسية تصل إلى حد التعقيد، من أوضحها هو التعامل مع مشاعر الذنب من جانب، ومن الآخر الشفقة على الذات، ويظل متمسكًا بأحدهما أو يتأرجح بينهما، وهذه المشاعر، إذا لم تُدر بطريقة صحيحة، قد تعيق التقدم نحو الشفاء، أو تقود إلى الانتكاس مرة أخرى.
إنه الإحساس بالذنب والشعور بالندم على أفعال سابقة، والعيش في الماضي، وأحداث الماضي وما صدر منه أو قام بفعله، الذي يقود إلى القناعة بعدم الاستحقاق لأي مساعدة أو دعم، وأن كل ما يستحقه هو العقاب، وقد يصل إلى إيذاء الذات أو عقابها، ولكن قد يكون الإحساس بالذنب دافعًا قويًا للتغيير عندما يُدار بطريقة صحية.
أما الجانب الآخر وهو الشفقة على الذات، وهو من أصعب التحديات في طريق التعافي من الإدمان، فلا يقل خطورة عن جلد الذات، فقد يكون الخطر الأكبر ليس في الانتكاسة فقط، بل في حالة نفسية خفية تتسلل إلى العقل والقلب دون وعي كامل، وهذه الحالة الشعورية تُعد من أكثر العوامل المعيقة للعملية العلاجية، على الرغم من أنها قد تبدو في ظاهرها بريئة أو حتى ضرورية للعطف على النفس، واستجلاب العطف من الآخرين.
عندما يتعمق الشعور بأنني ضحية دائمة، أنني لا أُلام على ما حدث، وأن العالم قاسٍ، والناس لا يفهمون، وأنني أستحق الشفقة لا المسؤولية.
المدمن يشعر أحيانًا بأنه ضحية للظروف، للناس، أو حتى للمادة التي أدمنها، فيتحول تدريجيًا من شخص راغب في العلاج، إلى شخص ينتظر أن تُحلّ مشكلته من الخارج، أو أن يُعفى من الألم دون جهد حقيقي...
إن خطورة الشفقة على الذات تكمن في تعطل المسؤولية الشخصية للمدمن.
المدمن المُشفق على ذاته يميل إلى تبرير أخطائه بدلًا من تحمل مسؤوليتها...
إنه دور الضحية، ليستمر العقل في القول بادعاء أنه «لا أحد يفهمني» أو «دائمًا هناك من يؤذيني» وغيره مما يعزله عن الحلول الواقعية...
هو يتعامل مع العلاج كعقوبة أو اختبار قاسٍ، لا كفرصة للنجاة والنمو...
تفتح باب العودة للتعاطي، لأن الشعور بأنني غير محبوب، أو مظلوم، قد يدفعني إلى «مكافأة نفسي» بالعودة إلى المادة...
الآن ألقينا الضوء على الشعور بالذنب والشفقة على الذات في رحلة التعافي من الإدمان.
فكيف إذن يمكن إدارة هذه المشاعر لتكون دافعًا في تلك الرحلة المستمرة؟
فإذا تحدثنا عن إدارة مشاعر الذنب، فيجب أولًا التفريق بين الذنب الصحي والجلد الذاتي.
الذنب الصحي يحث على تحمل المسؤولية والتعويض عن الأخطاء، أما الجلد الذاتي فيُحطم الثقة ويُعزز الشعور بالاستحقار...
تؤكد الدراسات أهمية مسامحة النفس، بالاعتراف بالأخطاء، وإعادة رؤية القيم الشخصية، والعودة إلى المبادئ، ما يُعزّز الصحة النفسية ويقلل مستويات الاكتئاب.
وطريقة التحدث إلى الذات من زاوية «أنا فاشل» إلى «تعلمت درس» هذه الطريقة تحفِّز النظرة الإيجابية.
أما عن إدارة شعور الشفقة على الذات، فإن ممارسة الامتنان ورؤية النعم في حياة المدمن تُعد من أهم وسائل تغيير الرؤية إلى الإيجابية.
أن يدون مثلًا ثلاثة أمور في الأقل يشعر بالامتنان لوجودها، هذا يغيِّر منظور العقل من التركيز على الألم إلى تقدير الجوانب الإيجابية، ما يقاوم عادة الشفقة المفرطة على النفس.
و من أهم الطرق لكلا الشعورين هو التواصل الاجتماعي الداعم، أو العلاج الجمعي والمشاركات بصورة جماعية وفردية.
وهذا ما يعتمد عليه برنامج «زمالة المدمنين المجهولين»، على قوة الجماعة لتوفير بيئة آمنة تعزز إعادة بناء الارتباط الصحي وتكسر دوامة الانعزال المرضي، ما يعزِّز الشعور بالمسؤولية المشتركة التي تُحفِّز على الالتزام بخطط التعافي، مثل اجتماعات زمالة المدمنين المجهولين.
إن الإدمان هو ارتباط مرضي يستولي على مشاعر المدمن ويُسيطر على أفكاره ويفصله عن العالم الخارجي وعن حقيقة عالمه الداخلي.
وعندما تتعقد هذه المشاعر بين الذنب والشفقة على الذات بصورة معقدة، يصبح التعافي هدفًا بعيدًا.
لكن بإدراكنا لطبيعة هذا المرض كاضطراب مرضي مزمن، وباستخدام أدوات علاجية لإدارة المشاعر، يمكن استعادة قدرة المريض على العيش بكرامة وأمل.
الرحلة تبدأ بالاعتراف بالمشكلة، ثم بإعادة بناء شبكة ارتباط جديدة قائمة على الدعم والصدق والمحبة البناءة...
ليصبح المتعافي إنسانًا صالحًا، منتجًا، مسؤولًا، أكثر صبرًا وتسامحًا ونفعًا للآخرين.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.