"الرجل الحقيقي"... تلك العبارة التي تحمل في طياتها من الكوميديا أكثر مما تحمله من الرجولة.
يسير المجتمع متباهيًا بهرمون التستوستيرون كأنه وسام شرف، وكأن العضلات المفتولة والصوت الأجش هما أقصى ما يمكن أن يحققه الجنس الذكري.
قد يعجبك أيضًا زمن فقدت فيه الرجولة.. الأسباب والعواقب
حين تصرخ "الرجولة" في وجه الإنسانية
يُصدَّر الرجل منذ طفولته إلى هذه الساحة الزائفة، حيث تتحول فطرته البشرية إلى حرب مفتوحة مع ذاته، يضطر فيها أن يقتل الطفل بداخله ليُرضي صنم الرجولة القاسي الذي صنعه المجتمع له.
يُبرمج الرجل، منذ أن تعلم كيف يربط حذاءه، على أن يكبت مشاعره لأنها "تضعفه"، أن يقسو حتى على نفسه لأنها "تُرجِّلُه"، وأن يتحول تدريجيًا إلى مزيج متناقض من الغطرسة والهشاشة الداخلية.
وفي حين يدَّعي القوة والسيطرة، تجده أسيرًا لأوامر جسده؛ هل لاحظت كيف تتحكم الهرمونات في حياته؟ كيف يثور ويغضب وكأن التستوستيرون يضغط زر "حالة طوارئ" داخله كلما شعر بالإحباط أو العجز؟
قد يعجبك أيضًا أطفال على هيئة رجال وتأثرهم بأزمة الرجولة الحالية
التستوستيرون: السجان الذي لا يُرى
الطريف في الأمر أن هذا الهرمون، الذي يفاخر به الرجال، ليس إلا قيدًا خفيًا يُكبِّل حريتهم.
فالرجل الذي تغلب عليه شراسة التستوستيرون لا يستطيع الاعتراف بأنه خائف أو متألم؛ لأن دماغه المسكين قد تلقى تعليمات صارمة بأن هذه المشاعر هي "لعنة الأنثى".
يصبح أسيرًا للعنف، لا لأنه قوي، بل لأنه لا يعرف لغة أخرى للتعبير. يعتقد أن الحل لأي صراع داخلي أو خارجي يكمن في الصراخ أو في قبضة مشدودة، مع أن الحقيقة هي أن أزمته تبدأ عندما يُمنع من البكاء.
وكم هو ساخر أن يُقنع الرجل نفسه بأنه سيد الكون، في حين هو في الواقع عبد لرغباته البيولوجية! هل فكرت يومًا في كمية القرارات التي يُمليها عليه هرمونه؟
من طريقة مشيته التي تتسم بالتصنع، إلى محاولاته البائسة للهيمنة في العلاقات، كأن العالم بأسره سيقف احترامًا له لأنه "ذكر".
قد يعجبك أيضًا هل الرجولة خشونة في المعاملة أم صفة نبيلة؟
الرجولة خدعة كبرى
لكن أكثر ما يثير السخرية هو أن هذا الصراع الذكوري مع الإنسانية لا يخدم إلا غرورًا هشًا لا يُبقي الرجل حرًا ولا سعيدًا.
بل على العكس، يدفعه إلى عزلة عاطفية، إلى علاقة معقدة بالحب واللطف، وكأنهما دخيلان على قاموسه الشخصي.
وعندما ينفجر هذا التناقض داخله، يبرر عنفه بالقول "أنا رجل"، وكأن الرجولة أصبحت مرادفًا للعنف أو التسلط.
وما لا يفهمه الرجل أن الرجولة الحقيقية ليست في الفوز في معارك السيطرة على الآخر، بل في القدرة على مواجهة ضعفك بشجاعة.
ليست في كبت مشاعرك، بل في التعبير عنها دون خوف. ليست في العضلات، بل في العقل الذي يتحكم بتلك العضلات.
قد يعجبك أيضًا كيف تمر مرحلة المراهقة بلا إرهاق؟
إنسانية فوق الغرور
الرجل الذي ينجو من قبضة التستوستيرون هو من يدرك أن القوة الحقيقية تكمن في التوازن.
في أن تكون قويًا بما يكفي لتكون رحيمًا، وأن تكون شجاعًا بما يكفي لتقول "أنا خائف"، وأن تفهم أن الإنسانية هي أصل الرجولة، وليس صوتك العالي أو قوتك الجسدية.
فلنكن واضحين: الرجولة ليست في أن تنتصر على الآخرين، بل في أن تنتصر على ذاتك. وفي نهاية المطاف، الرجل الذي يتصالح مع ضعفه، هو الرجل الذي يتصالح مع قوته.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.