التسامح بين المفهوم والواقع والنفس والعقل

تعابير الوجه تحكي عمَّا في النفس من مشاعر، وبعض الأشخاص حكاوي مزعجة وسلبية، ولمجرَّد رؤيتهم نعود بوجوهنا أشكالاً منزعجة وصارة الشفاه، إن ذلك التعبير غير الملموس بكلمات تقال وتحكى، له أثر أكبر من أثر الكلام المنطوق؛ فالوجه الغاضب دلالة واضحة أحادية لا تحمل في طياتها أن الآخر يحتمل أنه يمزح، فكلمة يكفي، قولاً ليست بحازمة كما نقولها بتعبير وجه غاضب.

اقرأ أيضاً العلاقة بين رواية تشيللو والحلزونة.. هل الإبداع حكر على الفقراء؟

أيهما أفضل التسامح أم الانتقام ولماذا؟

والتسامح يزيح عنا ذلك التعبير الغاضب، فهو فنٌ من فنون التعامل، لا يتقنه إلا من بلغ مرحلة متقدمة من الوعي الذاتي.

وهو أيضاً فضيلة أخلاقية ونشاط صحي؛ لأن من يفكر ويلازم فكر الانتقام يمنع نفسه من لذة الحياة ومن النوم، فيكون قلقاً مضطرباً ومنزعجاً وضاغطاً على نفسه بمشاعر سلبية تعود على جسمه ونفسه بأمراض شتى كآلام البطن، والمعدة، وضغط الدم، وأمراض القلب، والإرهاق، والتوتر النفسي، والأمراض العصبية؛ لذلك فإن التسامح أفضل من الانتقام.

اقرأ أيضاً وصفة مغربية بمقادير مختلفة وطعم ولا أروع.. تعرف عليها الآن

فوائد التسامح وعلاقته بالرضا

وأول فائدة من فوائد التسامح هي الشعور بالرضا؛ لأن الرضا يعتق الفرد من حيز ضيق السخط إلى فضاء أوسع هو فضاء الرضا نفسه؛ فالرضا ليس مجرَّد شعور لحظي وليس شعوراً فقط وإنما هو مصبوغ بالإيجاب والصحة.

والتسامح ليس مجرَّد قول، وإنما هو فعل تتبعه خطوات لا بدَّ منها ليكتمل معنى مفهوم التسامح.

فحينما تقول: سامحتك لوجه الله، أو أي لفظة أخرى، أنت بذلك تفتح على نفسك باباً تلج من خلاله إلى فضاء واسع وجميل ومشرق.

وهو فضاء الرضا، حيث تنال فيه حظ الجلوس مع نفسك ومقابلة ذاتك، وضبط أفعالك لمعرفتك بماهية ذاتك والصفات الحميدة التي ترتقي بنفسك، وتجعلك واثقاً أن التسامح ليس ضعفاً وليس وهناً وليس جبناً، وإنما هو نتاج ثقتك بنفسك ووعيك بذاتك، وبالتسامح تنقل نفسك من العاطفة إلى المنطق، وهذه أيضاً خطوة من خطوات التسامح، وهي خطوة قبل خطوة الرضا.

اقرأ أيضاً ملخص فيلم وثائقي "أمراء الأحياء الفقيرة في نيروبي"

التسامح من وجهة نظر فلسفية

وإذا جئنا من منطلق نفسي فلسفي لنقارن بين المشاعر (العاطفة) والعقل (المنطق)، نجد أن المشاعر مضرة للفرد؛ لأنها تجعله يتخبط بين المفهوم والواقع، ولا تجعله بذلك يصل إلى قناعة ثابتة تصل به إلى مرحلة الطمأنينة، التي تجعل الفرد يعيش رفاهيته النفسية.

ومن هنا نعرف أن الرفاهية النفسية ليست محصورة في: المال، أو المجتمع (أن يكون الفرد ضمن مجموعة ما)، أو السلام الطبيعي، حيث خلو الواقع من الحروب والكوارث، وإنما هي تختص بالذات، وهي نتاج تفكير منطقي عقلي، وليست تفكيراً عاطفياً.

والرفاهية النفسية الذاتية تجعل الفرد يعيش بقناعة ثابتة ومتزنة، حيث إن الفرد يفهم متطلبات المفهوم المعنى، وكذلك يقبل على المفهوم الإيجابي الذي يمليه عليه العقل بدلاً عن المفهوم السلبي، وفي هذه الحالة يترك مفهوم الانتقام ليصل إلى مفهوم التسامح.

اقرأ أيضاً 5 قنوات طبخ طعام صحي على يوتيوب.. قنوات طهي تقدم نظاماً غذائياً صحياً

ما هي العلاقة بين التسامح والتفكير العقلاني؟

ومتطلبات مفهوم التسامح تكون بمدارسة النفس لإدراك الذات، حيث نسأل ما المغزى من مفهوم التسامح، وتكون الإجابة عن طريق التفكير العقلاني تجاه المفهوم، وتشريحه بدقة، لتفسيره بحسب احتياجاتنا ومصالحنا، وفقاً لارتباطنا بالواقع والآخرين.

وحينما نمتلئ بالمنطق عوضاً عن العاطفة نستخلص الإيجابيات من مفهوم التسامح ونتجرَّد من عاطفة مفهوم الانتقام، ومنطق العاطفة عموماً عشوائي ومنطق العقل عموماً اتزاني، فهو يجعل الفرد يصل إلى موافقة بين المفهوم والواقع والنفس.

والمشاكل النفسية تحدث حينما لا يدرك المرء أن المفهوم والواقع والنفس ليست ببوتقة واحدة، وإنما لكل خصائصه، ويحدث التشانج بين النفس والمفهوم والواقع حينما يكون الواقع سليباً والمفهوم إيجابياً.

اقرأ أيضاً مميزات وعيوب التكنولوجيا الحديثة

متى يحدث الصراع بين النفس والعقل؟ وما هو الحل؟

فمثلاً أحدهم يمارس سلطة مفهوم التسامح على نفسه -والمفهوم سلطة حينما يتحول إلى عادة- نرجع إلى المثال، أحدهم سامح الآخر ثم آخر ثم آخر... إلى وقت رأى فيه أن مفهوم التسامح لا يماثل الواقع المعاش بشيء، واقع الأفراد الذين مثلوا الخداع، التسلط، الاعتداء.... الخ من السلبيات التي جعلته غاضباً ومستاء.

ومن منطلق أنا لست المخطئ إذن لن أسامح يبدأ، حينها صراع بين النفس والعقل.

فالنفس ترفض المفهوم بحجة عدم مماثلته للواقع، والعقل يحث الفرد على التمسك بالمفهوم ومتطلباته للوصول إلى غاية إيجابية هي الطمأنينة النفسية والراحة الذهنية

فبدلاً من توهان الفرد في فكر عاصف هو فكر الانتقام، يقف به العقل عند مفهوم التسامح الذي هو فكر صاف غير عكر، وخالٍ من السلبيات يعود على الفرد بصحة جسدية ونفسية وذهنية

وعليه نؤيد رأي العقل ومذهبه، لأنه يختصر العلاج من وطأة الظلم في خطوة واحدة وهي قبول التسامح كرد فعل لما وقع من ظلم وضرر.

الفرق بين تعامل العقل والنفس مع الواقع

أما النفس نجدها تعترك مع الواقع، حيث إنها تتمنَّى زواله، وهذا لن يحدث، وتنقم على الواقع والعقل وتخلق واقعاً سلبياً هو واقع الانتقام مقابل للظلم، وهي بذلك تتحوَّل إلى الفكر الإجرامي من خبث، وتجسس، وخداع، وسرقة، ونهب، وقد يصل الأمر إلى الاعتداء الجسيم والقتل، وكل ذلك من متطلبات مفهوم الانتقام.

ولأن العقل يعرف أن ما بدأ سلباً سينتهي بطريقة سلبية أيضاً، لذلك يوجه الفرد نحو المفهوم الإيجابي، وهو التسامح في هذه الحالة.

والنفس أن المفهوم الإيجابي وهو في هذه الحالة التسامح يجعلها عرضة للانقراض والأذية، في حين أنها لا تعرف بأنها فتحت باب الشر على مصرعيه حينما خطت أول خطوة في أرض الانتقام

وفي مقال آخر سنستخلص فوائد التسامح بصورة تفصيلية أحادية.

وأخيرا وليس آخراً نقول: فمن عفا وأصلح فأجره على الله، وهي الغاية العظمى من التسامح.

 

 

 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة