التربية والصرامة: إرث لا يفنى في مواجهة تحديات العلم الحديث

نشأت في بيت تحكمه الصرامة والدقة، فقد كانت حياتنا أشبه بمعسكر، لكل شيء فيه قواعد ومواعيد صارمة. بدت لي وقتها صرامة أبي كقيد يخنق حريتي، لكنني أدركت لاحقًا أنها كانت أساسًا لبناء شخصيتي. فقد علَّمنا عزة النفس والقناعة واحترام الذات، وألا نستكين للقوي ولا نطغى على الأضعف.

التربية في الماضي والحاضر 

اليوم وأنا أتابع ما يحدث في مدارسنا من أحداث عنف وتراجع في القيم، أشعر أن القيم فقدت تأثيرها، وأصبح التعليم بلا روح. ووفقًا لدراسات حديثة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، فإن التحديات التي تواجه التعليم الحديث تشمل انعدام التركيز على القيم الأخلاقية والاجتماعية، والتركيز المفرط على النتائج الأكاديمية فقط. هذه التغيرات أدت إلى ظهور فجوة واضحة بين التربية السليمة والتعليم الأكاديمي.

دور الأسرة في غرس القيم

بينما تتحمل المدارس جزءًا من المسؤولية، يظل دور الأسرة محوريًّا في تكوين شخصية الأطفال. في دراسة أجراها مركز بحوث التنمية البشرية في جامعة هارفارد عام 2020 أكدت أن الأطفال الذين ينشأون في بيئة أسرية صارمة لكن داعمة يُظهرون مستويات أعلى من الانضباط الذاتي، والتعاطف، والقدرة على مواجهة التحديات؛ لذلك فإن الصرامة الممزوجة بالحب، كما كان يفعل أبي ليست قيدًا بل هي دعم للنمو النفسي والاجتماعي للأطفال.

دور الأسرة محوري في تربية القيم

تحديات العلم الحديث

في ظل التوجه نحو التعليم عن بُعد وزيادة الاعتماد على التكنولوجيا، تظهر التساؤلات عن دور المدارس في غرس القيم. بتقرير صادر عن "اليونسكو" في 2023 أشار إلى أن التعليم عن بُعد يواجه صعوبات في تحقيق التفاعل البشري الضروري لتكوين قيم اجتماعية قوية. ومع غياب هذا الدور، يبرز دور الأسرة كحائط صد أمام تفكك القيم الأخلاقية.

التربية كإرث دائم

وسط هذه التغيرات، أتذكر مبادئ أبي التي أصبحت إرثًا لا يفنى. إرث غرس فينا قيمًا تجعلنا قادرين على مواجهة الحياة بتحدياتها. فإذا رزقني الله أبناء، سأحرص على أن أغرس فيهم هذا الميراث الذي يحفظ هويتهم وقيمهم، مهما تغيرت أساليب التعليم وتبدلت الظروف. 

خلاصة القول

التربية السليمة ليست مجرد توجيهات وقتية، بل هي استثمار طويل الأمد في بناء الشخصية. والصرامة الهادفة التي تجمع بين الانضباط والدعم النفسي تظل هي الوسيلة الأكثر فاعلية لضمان جيل قادر على مواجهة تحديات المستقبل، مهما اختلفت ظروف التعليم وأدواته.

وللمدرسة دور كبير من خلال برامج تعليمية تعتمد على الأنشطة الثقافية والاجتماعية، وتقديم قدوة حسنة بفضل المعلمين والآباء، وإشراك الأطفال في نقاشات حول القيم الإنسانية، كذلك مراقبة المحتوى الذي تقدمه التكنولوجيا وتوجيه الأطفال نحو استخدامه على نحو إيجابي.

جاءت هذه التوصية بناءً على تقرير أصدرته اليونيسيف عام 2023 أشار إلى الأطفال الذين يقضون ساعات وأوقاتًا طويلة على الأجهزة الإلكترونية يكونون أكثر عرضة للانعزال الاجتماعي وتراجع مهارات التواصل الثقافي والفكري بينهم وبين الآباء وباقي المجتمع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

موضوع مهم صديقتي ... احسنتي باختيارك للموضوع
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

بالتوفيق استاذة رشا مقال رائع
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.