المدرّس نموذج قد نرفضه و قد نقبله لكن في كلّ الحالات لا يمكننا الاستغناء عنه.
يمكن تعويض المدرّس في مستوى تمرير المعرفة لكن لا يمكننا تعويضه في مستوى تعليم القيم و ما يستوجبه من تفاعلات ضرورية بين المتعلّم و المدرّس.
وبحكم انتشار فيروس كورونا أصبح التفكير في طريقة التدريس عن بعد لمساعدة التلاميذ على متابعة البرنامج الدراسي على الأقل في حدوده الدنيا. و هذا مكسب من مكاسب العولمة يمكننا الاستفادة منه لتصبح العلاقة التربوية افتراضية هدفها تمرير المعرفة للمتعلّم. و في هذه الحالة يحلّ النموذج التمرير محلّ النموذج التنشيطي و تعطى الأولوية للتلقين و يلغى التواصل التربوي و كل مقوّمات البيداغوجيا النشيطة التي كانت مشروطة في الدرس العادي.
زمن الكورونا يعيدنا إلى البيتدغوجيات القديمة التي قطعنا معها لكن بطرية حديثة في مستوى التبليغ و التواصل. و هذه الطريقة البيداغوجية قد تصلح للتلاميذ الذين يميّزون بمستوى جيّد و لا تصلح للتلاميذ الذين لهم مستوى دراسي دون المتوسط.
نلاحظ أنّ طريقة التدريس عن بعد و لئن تسهم في تقديم حلول لكنها تبقى دون المأمول نظرا لاحتلاف أنساق التعلّم لدى التلاميذ.
زمن الكورونا سيعد تشكيل و ترتيب المشهد البيداغوجي من جديد و سيحطم على جدرانه أسس نظرية التواصل التي طالما حكمت المشهد التربوي و سيعقد التواصل بنفس الدرجة التي عقّدت بها مختلف وسائل التواصل الحديثة في مستوى العلاقات الاجتماعية في بعدها المَكرو سيوسيولوجي لتفتح المجال إلى البعد المِكروسوسيولوجي في أدنى تذرره.
زمن الكورونا سيعصف بمختلف نظريات الديدكتيك و مكتشفاته و يركنها جانبا لفسح المجال للتعلّم الذاتي مرورا بالتدريس عن بعد. و سيعيد الاعتبار إلى مناويل تدريس خلناها انتهت و اعتبرناها من معوّقات التعلّم.
زمن الكورونا سيحطم العلاقة التربوية و يجعلها نقطة سلبية في الدرس رغم أهميتها و سيخلع على العلاقة البيداغوجية إنسانيتها لتحل محلها علاقة بيداغوجية مغرقة في الافتراضية.و سيصبح الدرس مغرقا بدوره في التلقين الذي كنا في الماضي القريب نعتبره مظهرا من المظاهر السلبية في التدريس.
مهنة التدريس في زمن الكورونا سيسيطر عليها البعد الاصطناعي و ستفقد بعدها الانساني الذي تأسست من أجله. و المشهد البيداغوجي سيعيد الاعتبار إلى مختلف البيداغوجيات و يقطع مع تربيتها و عدم التعامل معها على أساس الأفضلية.
زمن الكورونا سيحطم المثلث الديكتيكي و يجعله شبكة ديديكتيكية معقدة تأخذ من القديم و الحديث على حد السواء لتتجاوز تيار الفردانية الذي سلّط قهرا على الانسانية. و سيمكن فعلا من اكتشاف طرق بيداغوجية مستجدة هدفها التعليم و ليس التعلّم.
الوسائل التعليمية زمن الكورونة تصبح لا فائدة منها بحكم ما قد تسببه من أخطار على المدرس و التلاميذ لذلك لم يعد اعتبارها من مقومات الدرس و تصبح الوسيلة الوحيدة هي الحاسوب و الانترنت لا غير.
زمن الكورونا عصف بكل يقينيات البيداغوجيا الحديثة و بكل أسس نظريات التواصل ففكر الإنسان في ما يمكن أن يعوض ذلك كله و اقترح التدريس عن بعد كحلّ و قائي يحقق الحد الأدنى لمجموعة من التلاميذ قادرين على التعلم عن بعد و التعلم الذاتي.
على هذا الأساس يبقى المدرس نموذجا لا يمكننا الاستغناء عنه مهما تطورت الوسائل التواصلية و يبقى ركنا من أركان التدريس الذي يصمد أمام مختلف التغييرات و الأزمات التي تحدث في المجتمع مقابل امكانية الاستغناء عن بقية أركان المشهد البيداغوجي.
بقلم د نورالدين السعداوي
بقلم د/ نورالدين السعداوي
May 16, 2020
التدريس زمن الكورونا
ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.
ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..
استكشف المزيد حول فيروس كورونا
هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية
مقالات ذات صلة
Apr 12, 2022
-
وليد خليفة هداوي الخولاني
Sep 10, 2020
-
وليد خليفة هداوي الخولاني
Sep 4, 2020
-
وليد خليفة هداوي الخولاني
Sep 3, 2020
-
Louhichi Abderrahmen
Jul 14, 2020
-
أحمد محمد السيد الجدي
Jul 6, 2020
-
عبد المنعم محمد أحمد السلمون (عبد المنعم السلموني)
Jul 6, 2020
-
وليد خليفة هداوي الخولاني
Jun 17, 2020
-
عبد المنعم محمد أحمد السلمون (عبد المنعم السلموني)
Jun 7, 2020
-
نعمه محمد كامل
Apr 7, 2020
-
عمار عبدالامير
Mar 8, 2020
-
علي قاسم الكعبي
نبذة عن الكاتب
اشترك مجاناً بنشرتنا الإلكترونية
اشترك مجاناً في نشرة جوَّك الإلكترونية للبقاء على اطلاع دائم بآخر المستجدات
May 16, 2020
شكرا على الموافقة و النشر....
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.