جهر الشاعر أحمد شوقي في سينيَّته بعاطفة وطنية إنسانية عبَّر فيها عن مشاعره الجياشة تجاه وطنه مصر، وذكر مشاعر حنينه إلى وطنه وإلى شبابه في مصر، وعبَّر عن حسرته وألمه الشديدين بعد أن هاجر في المنفى بإسبانيا «الأندلس قديمًا». وقد عادت مشاعره إلى الحياة عندما زار مسجد قرطبة، فتداعت له قرطبة الأمس وأمجاد الأندلس، ويمحو الماضي أمام عينيه لصورة الحاضر في إسبانيا.
تنوع المشاعر في سينية أحمد شوقي
تنوعت وتدافعت المشاعر الوجدانية في سينيَّة أحمد شوقي، إذ ابتدأت بمشاعر الحب والحنين إلى أيام الصبا والشباب في وطنه في الأبيات الثلاثة الأولى، ثم انتقل في البيت الرابع حتى الثامن ليعبِّر عن مشاعر الحسرة والشوق مستخدمًا أسلوب المخاطبة لشخصين وهميّين، ويسألهما عن مصر وبحر والبحر الأبيض المتوسط، ويقول إنه كلما مرَّت الأيام يزداد حبه لمصر.
ثم تحدث في البيت التاسع حتى الثاني عشر عن رغبته في الرجوع إلى وطنه، وتخللت مشاعره الحسرة الشديدة، وبدأ يكتوي بلهب الشوق إلى مصر ورؤية أهلها في عين شمس في البيت الثالث عشر حتى الخامس عشر، واستمد مشاعر العظة والعبرة من البحتري عند المرور بقصور الأندلس التي أقامها المسلمون منذ القدم.
ثم عاد ليكرِّر مشاعر التحسر إلى الماضي وإلى المباني التي أقامها العرب قديمًا مثل قصر الحمراء وقصور بني أمية في الأبيات من السابع عشر حتى العشرين، واختتم في الأبيات الثلاثة الأخيرة بالحكمة والعظة التي تخللت قلبه، وأنه سيتحلّى بالصبر على ما أصابه.
قد نوَّع شوقي في وسائل التعبير عن مشاعره، فقد استخدم صورًا فنية وألفاظًا وتراكيب منسجمة مع المعاني، وقد تنغَّمت هذه الألفاظ لتكوين أبيات مشحونة بالعاطفة.
الصور الفنية في سينية أحمد شوقي
ومن هذه الوسائل الصور الفنية مثل «سلا مصر»: صوَّر مصر بفتاة يحبها ولا ينسى حبَّه لها، دلالة على مشاعره وحبه إلى مصر الذي لا ينقطع مع مرور الزمان.
«أسى جرحه الماضي»: صوَّر الزمان بالطبيب والقلب بإنسان مريض، كما شبَّه آلام الفراق بالجراح، دلالة على شدَّة مرضه، وهو الألم بسبب بُعده عن وطنه مصر.
و«البواخر رنّت»: صوَّر البواخر بشخص يصيح من شدة الآلام على فراق مصر.
ومن الألفاظ المشحونة بالعاطفة استخدام الطباق في البيت الأول «الليل * النهار» لتوضيح معنى طول المدة بعده عن مصر، معتمدًا على الأطباق «ينسي * اذكرا» ليُبيِّن آثار طول الوقت في طمس الذكريات، ومع ذلك لا يزال عشقه لوطنه يزداد بزيادة الأيام.
وأيضًا «الصبا اللعوب» يدل على الرقة والهدوء في الأيام التي قضاها في مصر في شبابه، ويدل استخدام لفظي «منع وحبس» في البيت الثامن على تأكيد رفض البحر رجوع الشاعر إلى وطنه، ومع ذلك لا يزال يتخلل حب مصر في عروقه وإصراره على الرجوع إليها.
وقد اتصفت العاطفة بالصدق والهدوء النابعين من قلب المشتاق المتحسّر، يتعبه بعده عن وطنه وتغلبه الدموع والأحزان، وقد استطاع أن ينقل هذه المشاعر المتداخلة في سلسلة من المشاعر المتعاقبة؛ فقد أشعرنا بحنينه وشوقه في الأبيات الثلاثة الأولى، ثم الحسرة في الأبيات «٤ – ٨»، ثم الشوق في «١٣ – ١٥»، واختتم بالصبر والتصبر وأخذ العبرة في الأبيات الأخيرة.
فقد سار بعاطفته في مسار تخللته قفزات وتشابكات في المشاعر؛ فقد بدأت عاطفته في الأبيات الأولى بالهدوء، فقد استخدم ألفاظًا تناسب هدوء الحب الذي في قلبه مثل «الصبا، ملاوة، سنة، خلسي»، ثم أصبحت عاطفته مشحونة بالألم والقوة الهائجة في الأبيات الوسطى، واستخدم تراكيب تناسب ذلك مثل «مستطار، ثرن، مولعًا صفا»، واختتمت بمشاعر الحنين مع تحسره على مباني العرب، مستخدمًا ألفاظ الحسرات والشوق مثل «التفات، التأسي، لمشيت، صحا».
ختامًا، يمكن القول إن الشاعر استطاع أن يوصل عاطفته الجياشة للمتلقي، وأن يُشعره بشدة حبه إلى وطنه وشوقه الشديد وآلامه وحزنه، وقد شارك المتلقي في تجربته الشعورية، وجعل مشاعره تتشابك مع مشاعر المتلقي، وذلك باستخدام ألفاظ وتراكيب وصور فنية تُعبِّر عن أحاسيسه وانفعالاته.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.