في يومٍ من الأيام وأثناء إحدى جلسات جدتي مع قريباتها وجاراتها وكانت كل واحدة تحكي قصّة مؤثّرة مرّت بها، وخلال ذلك سمعت قصّة جارة لها تقول.. لقد كنتُ متزوجة رجلًا غاية في البخل، وليس عنده لا قلب ولا ذرة رحمة، فقد كان تاجر قماشٍ كبير جدًا وعنده عددًا من المتاجر، وقد كان يتّصف بالبخل مع الجميع، ويضع القرش على القرش ليصبح مبلغًا وقدره، ولكنه لم يكن بخيلًا مع نفسه فقط...
وفي يومٍ من ذات الأيام، حيثُ كنّا نجلس لتناول وجبة الغداء وسمعنا طرقات هيّنة على الباب، فقال لي اذهبي لتشاهدي من بالباب.. فذهبت وفتحت وجدت شخصًا شكله بسيط جدًا وغلبان واتّضح إنه شحات، وطلب شيئًا لله لأنه جوعان جدًا ولم يأكل أيّ شيء منذ الصباح الباكر، فدخلت لزوجي وأخبرته بموضوع الشحات، وإنه يريد أيّ طعام ليأكله أو أيّ شيء لله لأن مظهره معدم جدًا ومحتاج.
رد عليّا زوجي وقال: قولي له أن ينصرف فنحن ليس لدينا شيء لنعطيه له، فطلعت للشحات وأخبرته بما قاله زوجي وأنا في قمّة الخجل والأسف، فقال لي: "أرجوك أيّ شيء أيّ لقمة أنا في شدّة الجوع والضعف"، فدخلت ثانية لزوجي وجدته ممسكًا بالدجاجة وبقطّعها ويلتهمها فقلت له مستعطفه: "الشحات بقول إنه واهن وجعان جدًا وإنه عاوز أيّ شيء ليأكله، ممكن حتى أن نقطع له الجناح فقط فالدجاجة كبيرة جدًا وأيضًا نضع له قليلًا من الأرز حتى يسدّ جوعه وحرام فقد شم رائحة الأكل"، فنهرني زوجي وصرخ فيّ وقال: "اطلعي وأخبريه يمشي فورًا بدلًا من أن أخرج فأبهدله وأهزقه"، فحزنت وخرجت لكي أخبره وأنا مجبرة على ذلك فلم أجده، فقد سمع زوجي وانصرف من تلقاء نفسه.
وبعد مرور الأيام والشهور فوجئنا بحريقٍ كبير يلتهم متاجر زوجي ويصبح على الحديدة، ولم يعُد معنا أيّ شيء يُذكر، بل ما زاد الطين بلة أن الديون تراكمت عليه أيضًا، والحياة أصبحت شديدة الصعوبة وأنا أتحمّل معه كل ذلك، حتى جاء يوم عاد للبيت وقال لي فجأة: "أنت طالق"، فقلت له لماذا؟! ماذا أنا فعلت؟! فقال لي: "أنا لا أقدر على مصاريفك ولا أكلك"، فقلت له: "والله سوف يفرجها الله بس الصبر قليلًا واتركها على المولى سبحانه وتعالى"، فقال: "إذا كان أنا لا أجد حتى ثمن أكلي.. تفضلي اذهبي لبيت أهلك، أنا سوف أبيع هذا المنزل لكي أسدّد ديوني بدلًا من السجن"، وقتها حزنتُ جدًا وجمعتُ ملابسي في شنطة ورحلت لبيت أهلي ودموعي تملأ خدي، ولكن من كرم ربنا أنه بعدها بفترة ليست كبيرة عوّضني برجلٍ خلوق وطيّب وحنيّن، تزوجني وعاملني بما يرضي الله.
ومرّت الأيام وفي يوم من ذات الأيام طرق بابنا شحات فذهبت لزوجي وأخبرته فقال لي عودي إليه واعطيه من خير الله... خير ربنا كثير علينا ويفيض.. أعطي له فلوسًا وطعامًا وراضيه، فعلًا أعطيت له فلوسًا وأكلًا حتى اكتفى وشكرنا وانصرف، وعندما عدتُ لزوجي وجد على خدي دموعًا لم أقدر على مداراتها، فسألني متعجبًا "ماذا بكِ؟!! على ما تبكين؟!!
فقلت له: هل تعلم من الشحات الذي كان بالباب؟!! فقال لي "من"؟! فقلت له "هذا زوجي السابق". فوجدته يبتسم يمسح دموعي ويخبرني "ياااه هذه الدنيا غريبة جدًا جدًا، اللي أنت لا تعلميه إن أنا الشحات الذي جاء يومًا وطرق بابكم، وزوجك لم يرضَ أن يعطيني أيّ شيء، ولكنني توسمت فيك الخير والطّيبة ولم أرضَ أن أقول لكِ ما عرفته وسمعته من أهل المنطقة عمّا فعله زوجك معك، وعرفت أيضًا أنك امرأة أصيلة وجدعة، وكنتِ واقفةً بجواره لآخر لحظة حتى غدر بكِ، وهذا ما جعلني عندما وقفت على قدمي ثانية أقدم على التقدّم لكِ وأتزوّجك لأنك من معدنٍ نفيس وأصيل ولا يوجد مثلك كثيرات، ويجب علينا جميعًا أن نتحسب ليومٍ عظيم ونتصدّق ونتيقن بأن دوام الحال من المحال.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.