التأمل.. هو لحظة صمت داخل ضجيج الحياة، هو سكون العقل واتصال القلب، هو ذاك الطريق الهادئ الذي يقودك إلى نفسك الحقيقية.
حين أمارس التأمل، أُتيح لجسدي أن يسترخي، ولعقلي أن يهدأ، فيبدأ صوت قلبي – ذلك الصوت الداخلي العميق – بالظهور بوضوح. هذا الصوت ليس مجرد فكرة عابرة، بل هو دليل داخلي، مرشد روحي، لا يمكن سماعه إلا عندما يصمت العقل ويتوقف عن الجري وراء التوتر والمخاوف.
التأمل ليس فقط هدوءًا مؤقتًا، بل هو وسيلة لتحرير الألم المحبوس في الجسد منذ سنوات، ذلك الألم الذي كثيرًا ما يكون انعكاسًا لمشاعر مكبوتة لم تجد من يصغي لها، فعبَّرت عن نفسها عبر آلام جسدية أو اضطرابات نفسية.
بهذه الممارسة، أسمح لنفسي ألّا أخاف من الغوص في أعماقي، أفتح الأبواب المغلقة وأواجه الأحداث العالقة، أسمح للمشاعر القديمة بالرحيل، وللجراح القديمة أن تتنفس. التنفس العميق هنا هو المفتاح، هو لغة الجسد في التعبير والتحرر.
لكل شخص لغته الخاصة في مخاطبة جسده: قد يجدها أحدهم في الرياضة، وآخر في اليوغا، وثالث في الرقص. كلها طرق تقودنا إلى الشعور بجسدنا، إلى تجذُّرنا فيه، إلى الاستماع له واحترامه، بدلًا من أن نحكم عليه أو نتجاهله.
حين أبدأ التأمل، أنوي التحرر والسلام الداخلي. وهذا لا يكون دون عمل متكامل: نفسي، عاطفي، وجسدي. أبدأ أولًا بمواجهة الجروح الحية – تلك الصدمات التي لا تزال تعمل في خلفية حياتي. أجلس معها، أتحدث عنها مع من أثق به، أفهم كيف أثَّرت فيَّ، ثم أسمح لها بالرحيل.
أسامح، أغفر، أستحضر القصة في ذهني وأعيش مشاعري بصدق، دون حكم أو رفض. أُطمئن نفسي بأن ما حدث أصبح من الماضي، وأنني الآن في أمان. أسمح للألم أن يطفو على السطح دون مقاومة، ثم أتركه يذهب.
ومن الوسائل الفعّالة أيضًا لتفريغ العقل، الكتابة. حين أكتب بنيَّة التحرر، تظهر لي فجأة مواقف قديمة ظننت أنني تجاوزتها. لكنها تعود، لأنني ربما لم أعطِ مشاعري حينها المساحة لتُعاش بصدق. وضعتها في خلفية عقلي، وهي الآن تطالب بالخروج.
النية تصنع الفرق، حين أضع نية الشفاء، تأتي الإرشادات: مواقف، أشخاص، أحلام، أو حتى آيات. وكلما قوي هذا الاتصال الداخلي، استطعت أن أميِّز بين صوت العقل، صوت القلب، ووسوسة النفس.
التنفس العميق، التأمل، والهدوء، كلها بوابات إلى الداخل... إلى ذاتك، إلى قلبك، إلى حدسك. والحدس هو أعظم قوة تملكينها، خاصة أنتِ أيتها المرأة. هو بوصلتك في الحياة، ونورك حين تعتم الطرق.
اعملي عليه، كما تعملين على أي استثمار مهم في حياتك. «هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟» «هل تستوي الظلمات والنور؟»
اتصلي بمشاعرك، بثقافتك الداخلية، بصوتك الصادق، وتأملي كيف يتجلى السلام بداخلك. تلقي الإرشاد الإلهي يتطلب حضورًا ذهنيًّا وعاطفيًّا في اللحظة.
حتى إن ضللتِ الطريق يومًا.. لا بأس. ما دمتِ تتنفسين، يمكنك العودة، لا تيأسي، ولا تستسلمي.
الكتابة اليومية، المذكرات، التأمل، والنية.. كلها مفاتيح للتعرف على نفسك، ومصالحتها، ومحبتها.
فكما للجسد غذاء، فللقلب غذاء أيضًا. غذاؤه هو التأمل، التفكر، الصفاء، والصدق، لا تتركي قلبك يجوع فيموت، فيقسو، فتمرضي - والعياذ بالله.
اهتمي بقلبك، فهو مدخلك إلى روحك، وإلى الله، وإلى الحياة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.