البيئة المحفزة.. كيف تربي طفلًا عبقريًّا؟

يتساءل كثير من المربين: كيف أجعل طفلي عبقريًا محبًا للعلم مقبلًا على التعلم؟ في هذه المقالة نناقش فكرة البيئة المحفزة ودورها في خلق الدافع لدى الأطفال منذ الصغر للتفوق، بواسطة نموذج واقعي وقصة حقيقية تبين أهمية الجو الأسري المحفز للأبناء في تفوقهم.

صناعة العبقري

من الضروري جدًا لكل أب وأم أن يدركا أن إخراج طفل عبقري إنما هو حرفة وصنعة لا يتقنها للأسف كثير من الآباء والأمهات، بل على العكس من ذلك وبدلًا من تهيئة البيئة المحفزة لإخراج هذا الطفل العبقري، نجد التثبيط والتقليل والتحقير من قيمة الابن أمام نفسه والآخرين، فتضعف شخصيته ويقل تقديره لذاته وتثبط همته.

واعلم أخي المربي الكريم أن غياب الدافعية عند ولدك، إنما سببه في المقام الأول، أنت بتقصيرك في توجيهه وخلق الدافع والحافز إلى التعلم والتفوق في الدراسة. هذا ما نسميه البيئة المحفزة والجو الأسري المحفز والداعم للابن الذي يجب توفيره إذا أردنا لأبنائنا النبوغ والترقي في درجات العلم.

جواب شافٍ

ها هو أحد أوائل الثانوية العامة، وفي مقابلة من المقابلات، يرويها الدكتور عبدالكريم بكار في كتابه الماتع "مشكلات الأطفال"، سألوا الطفل المتفوق: كيف حصلت على المركز الأول؟ أخبرنا ما السر كي يستفيد من تجربتك الصغار ويحذوا حذوك.

الجواب كان شافيًا كافيًا، فبعد توفيق الله عز وجل، كان هناك عمل بطولي أبطاله أبي وأمي وأختي الكبرى، وذلك بتهيئة الجو الأسري المحفز لي طوال الوقت، فأبي وأنا في الخامسة من عمري، دائمًا ما كان يردد على مسامعي مقولة أحد الحكماء: "يا بني إذا أردتم الدنيا، فعليكم بالعلم، وإذا أردتم الآخرة فعليكم بالعلم".

أبي المحفز والداعم الأول

كان لا يضيع فرصة تدفعني نحو العلم إلا وأخبرني بها، في صبيحة كل يوم وأنا ذاهب إلى المدرسة، يخبرني بمقولة أو حكمة أو حديث نبوي أو آية قرآنية، تحث على طلب العلم وبيان منزلته عند الله عز وجل.

أذكر أن أحد أفراد عائلة أبي كان طبيبًا معروفًا، فكان أبي دائمًا ما يقول لي أتعرف عمك فلان -يقصد الطبيب المعروف- غدًا عندما تكبر ستكون مثله، بل أكثر شهرة منه.

أمي المحفز الثاني

أما أمي، فبارك الله فيها، فكانت لا تجعلني أحمل هم أي شيء، كانت توفر لي لبن العصفور حتى في سبيل أن أركز في دراستي، ولئلا ينشغل تفكيري بأي شيء آخر، عرفت ذلك عندما اكتشفت أنها باعت حليَّها من أجل مصروفات دراستي.

ليس هذا فحسب، بل إنها وعند اقتراب موعد الامتحانات، كانت تلغي موعد الزيارات للأقارب والأصدقاء، لكي تعطيني كل ما أحتاج إليه وتسهر معي كي تؤنسني وأنا أذاكر دروسي وأكتب واجباتي.

أختي الكبرى.. أمي الثانية

أما أختي الكبرى، فكانت تقول لي كلما رأتني: ما أخبار ابن سينا؟ تشجيعًا لي لكي أكون مثل هذا العالم المشهور في مجال الطب، ولا يمكنني تذكر كم فنجانًا من الشاي وكوبًا من العصير أحضرته لي وأنا أذاكر، إنها بحق أمي الثانية.

دراستي لم تكن سهلة بالمرة، فأنا كغيري، لي عثرات، فكنت في المرحلة الإعدادية وكانت مادة الجغرافيا صعبة وعصيَّة على الفهم، حتى إنني تحدثت أمام والدي أكثر من مرة عن عدم قدرتي على فهمها على الرغم من محاولاتي المتواصلة، لدرجة أنني كنت أخشى من الرسوب فيها، وقد كان!

لكنني فوجئت بردة فعل أبي، وهو يواسيني ويأخذ بيدي، ويخبرني كيف أن كبار العلماء والمشاهير على مر التاريخ، مروا بمثل هذه المحطات من الفشل، لكنها كانت دافعًا لهم للتفوق والنبوغ، وأصبح العالم كله الآن يدرس علومهم واكتشافاتهم، وصار اسمهم مدونًا في كتب التاريخ بصفتهم من الأساطير في العلوم وغيرها.

ابني لا يرغب بالدراسة

فالأب الذي يجد أن ولده لا يرغب في الذهاب إلى المدرسة، أو أن تحصيله الدراسي ضعيف مقارنة بزملائه، عليه ألا يزجره أو يضايقه بكلمات تثبط همته وتقلِّل نظرته لنفسه، ولكن عليه قبل كل شيء، أن يجلس معه ويتحدث إليه، ويعرف أين المشكلة، فلربما أن الابن يعاني مشكلة عضوية تتعلق بضعف السمع مثلًا، أو قصر النظر، قد يكون بطيء الفهم، أو لديه عيوب في النطق والكلام كالتأتأة، وعليه أن يبدأ التشخيص والتدخل لعلاج المشكلة، عندها ستزداد قابليته للتعلم.

الخلاصة

خلاصة القول، البيئة المحفزة والجو الأسري الداعم من شأنه أن يدفع الأبناء دفعًا نحو تحصيل العلم والنبوغ فيه، فكلما كان الوالدان على وعي بأهمية التحفيز والتشجيع لأبنائهم في عثراتهم قبل نجاحهم، وضعوا خطوة نحو الأمام في طريق النجاح والتفوق.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة