البلاغة والأسلوبية في الأدب العربي والقرآن الكريم

تُعد اللغة العربية من أعظم لغات العالم لما تحمله من عمقٍ وإبداعٍ في التعبير، وقدرتها على تصوير أدق المشاعر والأفكار بأسلوبٍ بديع، ومن أبرز أدوات اللغة العربية التي تُبرز هذه القدرة، علم البلاغة والأسلوبية، إذ يجتمعان ليصنعا نصوصًا لا تُنسى، فتخاطب العقل والقلب معًا. في هذا المقال، سنلقي نظرة عميقة على البلاغة والأسلوبية، ونتعرف على دورهما في إبراز جمال اللغة وقوتها.

أولًا: البلاغة في اللغة العربية

نفاخر دائمًا بأن اللغة العربية لغة الإيجاز، ولغة البلاغة التي وعت كلام الله عز وجل الذي يقول في محكم التنزيل: {ما فرطنا في الكتاب من شيء}.

تعريف البلاغة

البلاغة هي العلم الذي يُعنى بإيصال المعنى بأجمل أسلوبٍ وأقوى تأثير؛ أي إنها ليست مجرد وسيلة للتعبير عن الأفكار، بل هي فنٌّ يجعل من النصوص تحفًا أدبية قادرة على تحريك المشاعر وتثبيت الأفكار في الأذهان.

وقد عرَّف الجاحظ البلاغة بأنها: "مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحة الألفاظ"، ما يعني أن البلاغة تهتم باستخدام الكلمات المناسبة للموقف المناسب، مع الالتزام بجمال التعبير.

فروع البلاغة

تنقسم البلاغة إلى ثلاثة علوم رئيسية، كل منها يُبرز جانبًا فنيًا مختلفًا:

أ. علم البيان

هذا العلم يهتم بطرق التعبير عن الفكرة الواحدة بأساليب متعددة، مع إبراز الصور الجمالية. من أهم أدوات علم البيان:

التشبيه: وهو مقارنة بين شيئين بهدف توضيح الصورة. مثال: "القمر كالعروس في ليلة زفافها".

الاستعارة: تُستخدم لتشبيه شيء بشيء آخر دون ذكر أداة التشبيه. مثل: "الكتاب صديقي الوفي".

الكناية: تعبير غير مباشر يلمِّح إلى معنى مقصود. مثال: "فلان طويل النجاد"، كناية عن طول القامة.

ب. علم المعاني

يُركز هذا العلم على اختيار الألفاظ المناسبة حسب السياق والموقف، والهدف هنا هو إيصال المعنى بدقة وفعالية، مثلًا:

الإيجاز: التعبير عن المعنى بكلمات قليلة، كقوله تعالى: "ولكم في القصاص حياة".

الإطناب: إضافة تفاصيل لتوضيح الفكرة، مثل: "محمد كريمٌ، يعطي الفقير، ويكرم الضيف، ويصل الرحم".

ج. علم البديع

هذا العلم يُعنى بإضفاء الجمال على النصوص من خلال الزخرفة اللفظية والمعنوية. ومن أدواته:

الجناس: تكرار كلمتين متشابهتين في اللفظ مختلفتين في المعنى، كقول المتنبي: "أنام ملء جفوني عن شواردها… ويسهر الخلق جرّاها ويختصم".

السجع: توافق الجُمل في نهاياتها صوتيًا، كما في الخطابة: "إن مع العسر يسرًا، وإن بعد الظلام فجرًا".

الأساليب البلاغية  في اللغة العربية

البلاغة في القرآن الكريم

القرآن الكريم يُعد أعظم نموذج للبلاغة في اللغة العربية. فهو يحتوي على صور بيانية وألفاظ بديعة تثير الدهشة والإعجاب. مثلًا، في قوله تعالى:

"والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم"، نجد استعارة تصويرية تظهر الشمس وكأنها كائن حي يسير في مساره المرسوم.

ثانيًا: الأسلوبية في اللغة العربية

الأسلوب يختلف من شخص لآخر، ومن موقف لآخر، ومن زمن لآخر.. فما مفهوم الأسلوبية؟

مفهوم الأسلوبية

الأسلوبية هي دراسة الطريقة التي تُستخدم بها اللغة للتعبير عن الأفكار والمشاعر؛ أي إنها تهتم بـ"كيف" يُقال الكلام، وليس فقط "ماذا" يُقال.

تُركز الأسلوبية على الاختيارات الفردية للكاتب أو المتحدث في استخدام الكلمات، وصياغة الجمل، وتوزيع الأفكار، ومن خلال الأسلوبية نستطيع أن نميز بين كاتب وآخر، وشاعر وآخر، إذ يصبح لكل منهم بصمته الفريدة.

أدوات الأسلوبية

تستخدم الأسلوبية مجموعة متنوعة من الأدوات لخلق تأثير فني مميز، منها:

أ. التكرار

التكرار أداة أسلوبية تُستخدم لتأكيد فكرة معينة أو إبرازها، مثال: "إن مع العسر يُسرًا، إن مع العسر يُسرًا". التكرار هنا يُرسخ الفكرة في الذهن ويعزز من تأثيرها.

ب. التقديم والتأخير

هذه الأداة تُبرز الجوانب المهمة في النص، مثل تقديم ما يُراد التأكيد عليه وتأخير ما يمكن فهمه ضمنيًا. مثال:

"إياك نعبد وإياك نستعين"، إذ  قُدم المفعول به "إياك" للتوكيد على حصر العبادة لله.

ج. الإيجاز والإطناب

الإيجاز: يجعل النص أكثر قوة وتركيزًا، مثل قول الشافعي: "العلم نور".

الإطناب: يُستخدم لتوضيح الفكرة وإضافة تفاصيل تثري النص.

د. استخدام الصور الفنية

الأسلوبية تُركز أيضًا على استخدام الصور الفنية (كالاستعارة والتشبيه والكناية) لإضافة بُعد جمالي وإبداعي للنص.

الأسلوبية في الأدب العربي

الأسلوبية هي العنصر الذي يُميز كاتبًا عن آخر في الأدب. على سبيل المثال:

أسلوب المتنبي: يتميز بالقوة والفخامة، كما في قوله:

"إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ… فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ".

أسلوب الجاحظ: يمتاز بالسلاسة والوضوح، ويعتمد على الأمثلة الواقعية والحكايات.

ثالثًا: الفرق بين البلاغة والأسلوبية

البلاغة تركز على كيفية إيصال المعنى بأجمل أسلوب وأكثر تأثيرًا، في حين الأسلوبية تركز على طريقة التعبير الفردية للكاتب أو المتحدث.

بعبارة أخرى، البلاغة هي القواعد العامة للجمال اللغوي، أما الأسلوبية هي التطبيق الشخصي لتلك القواعد، وهما عنصران يكملان بعضهما، إذ لا يمكن للكاتب أن يُبرز أسلوبه دون أن يمتلك مهارات بلاغية.

البلاغة والأسلوبية في الحياة اليومية

قد يعتقد البعض أن البلاغة والأسلوبية محصوران في الأدب فقط، لكنهما يُستخدمان يوميًا في كلامنا العادي! مثلًا: عندما تُعبر عن مشاعرك بطريقة مؤثرة لأصدقائك، فأنت تستخدم البلاغة. وعندما تختار كلماتك بعناية لتتناسب مع الموقف، فأنت تُطبق الأسلوبية.

ختامًا.. البلاغة والأسلوبية هما جوهر الإبداع في اللغة العربية؛ البلاغة تُعلمنا كيف نصنع نصوصًا جميلة وقوية، والأسلوبية تُضيف لمستنا الشخصية على هذه النصوص، ومعًا يصنعان نصوصًا تخاطب العقل والقلب، وتُبرز جمال اللغة العربية الفريدة.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.