البساطة ووحدة القصيدة ووصف الطبيعة عند أدباء مدرسة الديوان.. العقاد والمازني نموذجًا

أسَّس عباس محمود العقاد وإبراهيم عبد القادر المازني وعبد الرحمن شكري مدرسة الديوان، متأثرين بكتابات خليل مطران رائد الاتجاه الوجداني الذي اطلع على الشعر الرومانتيكي الفرنسي، واهتم بتحليل العواطف الإنسانية، وارتبطت القصيدة عنده بالقافية الموحدة والأوزان التقليدية، واهتم بالوحدة العضوية للقصيدة وبتسلسل أفكارها ووحدة موضوعها.

تميَّزت كتابات أدباء مدرسة الديوان بطغيان الذهنية والعقلانية ومسحة التشاؤم والألم على كتاباتهم، كما تأملوا أسرار الكون والوجود، ومزجوا بين الثقافتين الإنجليزية والعربية، واهتموا بالوحدة الفنية لقصائدهم، واهتموا بوضع عنوان خاص للديوان الشعري كله، لكنهم هاجموا شعراء مدرسة الإحياء والبعث، وعابوا على الإحيائيين: تعدد أغراض القصيدة الواحدة والمبالغة في الاهتمام بالجانب البياني على حساب فكرة القصيدة.

عباس العقاد أحد أبرز مؤسسي مدرسة الديوان

يقول العقاد في كتابه "خلاصة اليومية والشذور" عن التجارب والكتب: "التجارب لا تقرأ في الكتب ولكن الكتب تساعد على الانتفاع بالتجارب".

وعن الحاسد: "ليس الحاسد هو الذي يطمع أن يساويك بأن يرقى إليك، بل هو الذي يريد أن تساويه بأن تنزل إليه".

وعن "العودة إلى الطبيعة": "أما سادتنا الفلاسفة الذين يهشون على الجنس البشري... صائحين: ارجعوا إلى الطبيعة!... فلا أعلم أهم يظنون العالم يعيش الآن فيما وراء الطبيعة!".

وعن الفيلسوف: "الفيلسوف الحقيقي هو الباحث الذي لا ينشد إلا الحقيقة".

وعن بعض شبان عصره: "من شبان العصر من إذا جلست إليهم؛ لتنصت إلى محادثاتهم؛ حرت في تحديد موضوعها؛ يبدأ أحدهم بالكلام، ولا يتمه، ويسأل السؤال ولا ينتظر جوابه... كأنما عليه أن ينطق بقدر معين من الكلمات، ويأتي بعدد معين من الحركات؛ فهو لا يقصد من كل إشاراته وعباراته إلا أن يصيب العدد المطلوب".

ويقول العقاد في قصيدة "مباراة في الخيال بين حسن الإنسان وحسن البستان":

أخجلت يا ورد خدود الحسان
فاحمر منها ناضر كالدهان

ورعت يا فل عيون المهى
فاطرقت تطلب منك الأمان

وفي النهاية يقول:
ما أحسن الحسن وأحسن به
من زينة للناس لولا الحسان

وقد مدح المازني قصيدة "ترجمة شيطان" من ديوان للعقاد، قائلًا: "أول مرة في تاريخ الأدب العصري والعربي أيضًا يرى القارئ عملًا فنيًّا قائمًا على فكرة معينة تدور على محور القصيدة".

ويوضح المازني في مقدمة كتابه "حصاد الهشيم" بشيء من الفكاهة الحزينة لمن تحسر على دفع عشرة قروش ثمنًا للكتاب، بإمكانية الاستفادة من الكتاب، سواء بقراءته أو تزيين المكتبة به أو إهداؤه للغير أو حتى تغليف الأشياء به، كل ذلك مقابل العشرة قروش، ثم يتساءل المازني: "أما أنا فمن يرد عليّ ما أنفقت فيه؟ من يعيد لي ما سلخت في كتابته من ساعات العمر؛ الذي لا يرجع منه فائت، ولا يتجدد كالشجر...".

ويقول المازني في خاتمة الكتاب نفسه: "ولم يبق مما أريد أن أقوله في هذه الخاتمة سوى كلمة واحدة: هي أني مستغنٍ عن رضا النقاد المتحذلقين عن كتابي هذا، وقانع باستحسان أمثالي من الأوساط المتواضعين، وهم بحمد الله كثيرون...".

ويقول المازني عن بساطة الأدباء القدامى عند وصفهم للطبيعة: "ولكن القدماء كانوا يتوجهون إلى الطبيعة بروح غير روحنا نحن أبناء المدينة، فلقد كانوا يعيشون في ظلها، وكانت لذلك أساليب تفكيرهم وتصورهم وإحساسهم، أقرب إلى بساطتها منا نحن الذين لم يبق لنا من بساطتها إلا الطفولة."

ثم يقول: "وكلما بعد الإنسان عن الطبيعة؛ كان أحس بها وأصبى إليها، وكانت فكرتها أبرز في ذهنه وصورتها أعلق بخاطره... ولست تجد في كلام القدماء ما تراه في المحدثين من الإطالة والإغراق...".

ويقول عن "البساطة": "عظماء الدنيا يمتازون بالبساطة ولا يعرفون الأصول المستحدثة، وهم كالأطفال في اعتدال تواضعهم في غير ذلة، وفي بعدهم عن أدب الرياء، وبراءتهم من المكر والدهاء، وفي إخلاصهم لطبيعتهم وميولهم... وفي اجترائهم على الحياة أو انتفاء القلق عنهم؛ إذ لا علم لهم بمخاوف الطريق؛ الذي تدفعهم الطبيعة فيه. والبساطة في أسلوب التفكير تؤدي لا محالة –كما لا يخفى– إلى البساطة في العبارة".

ويقول المازني في قصيدة له بعنوان "الغريرة":
مرت عشاء –بي– فتانة
يا حسنها لو أن حسنًا يدوم

والليل ساج شاحب بدره
كأنما أضناه طول الوجوم

فقلت: يا غادة أذكرتني
أحلام عيش نسختها الهموم

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

مبدعة ومتميزة دائما
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مرحبا من جديد، وشكرا جزيلا صديقتي العزيزة شهد يوسف عويجة على تعليقك الذي سعدت به كثيرا، ودمتم بخير وسلام وسعادة.
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

رائع هذا المقال دمتى مبدعة حبيبتى❤🌹
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مرحبا من جديد، وشكرا جزيلا صديقتي العزيزة سعاد صادق على تعليقك الذي يسعدني وأعتز به كثيرا، ودمتم بخير وسلام وسعادة.
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.