يُعد البحر الميت لغزًا طبيعيًا فريدًا يثير الدهشة بخصائصه المتناقضة؛ فهو أخفض بقعة على وجه الأرض، ولكنه يُعاني من انعدام الحياة. في هذا المقال، نتعمق في استكشاف هذا المسطح المائي الغامض، مُسلطين الضوء على موقعه الجغرافي المتميز ومناخه الصحراوي وأهميته العلاجية والسياحية والاقتصادية، إضافة إلى التحديات البيئية التي تهدد وجوده.
يعد البحر الميت من أغرب الظواهر الطبيعية في العالم، فهو يمتد على مساحة 605 كيلومترات مربعة، ويعد أعمق نقطة على سطح الأرض، فعمقه يصل إلى نحو 400 متر تحت مستوى سطح البحر، ويبلغ انخفاضه نحو 430.5 متر تحت مستوى سطح البحر الأبيض المتوسط، وفقًا لأحدث القياسات، وعلى الرغم ذلك تنعدم فيه الحياة كليًّا، فلا يستطيع أي كائن حي البقاء فيه بسبب ملوحته المرتفعة التي تزيد على ملوحة البحار والمحيطات 10 مرات، تصل نسبة الأملاح فيه إلى نحو 34%، في حين تتراوح في المحيطات بين 3.5% إلى 4%، ما يجعله بيئة غير صالحة للحياة.
موقع البحر الميت الجغرافي
يبعد البحر الميت نحو 84 كم إلى الشرق من البحر الأبيض المتوسط، ويقع تحديدًا جنوب غرب قارة آسيا بين المملكة الأردنية الهاشمية من الشرق ودولة فلسطين من الشمال والغرب. ويعد الخط الفاصل بين الحدود الأردنية والفلسطينية الخطَ التقسيمي للبحر، ومن جهة الشرق تطل عليه جبال مأدبا والكرك في الأردن، في حين من الغرب تقع مرتفعات الخليل والقدس في فلسطين، وشماله يقع منخفض البحر الميت ومصب نهر الأردن، في حين من الجنوب يوجد وادي العربة.
مناخ البحر الميت
يميل مناخ البحر الميت إلى الطابع الصحراوي في فصل الصيف، في حين يصبح معتدلًا في فصل الشتاء، مع تساقط الأمطار في المنطقة من نهاية فصل الخريف حتى إبريل، ويبلغ متوسط هطول الأمطار في المنطقة نحو 50 ملم سنويًا، ويزداد هذا المعدل كلما اتجهنا من الجنوب نحو الشمال، ليصل في الشمال إلى 100 ملم سنويًا.
ويتميز مناخ المنطقة بتقلبات في معدلات الرطوبة التي تتراوح بين 35% و65%، أما مستويات الأكسجين فتتراوح بين 3% و5%، وذلك بسبب وقوع البحر الميت في أخفض نقطة على سطح الأرض، أما درجات الحرارة يصل متوسط درجة الحرارة في فصل الصيف إلى 37.7 درجة مئوية، وتنخفض إلى 19.2 درجة مئوية في فصل الشتاء.
أهمية البحر الميت
يعد البحر الميت أحد المسطحات المائية الفريدة في العالم، فهو يتميز بتركيز ملوحته المرتفع الذي يجعل بيئته غير صالحة للحياة البحرية، ومع ذلك يعد البحر الميت ذا أهمية كبيرة في عدد من الجوانب الأخرى، فمن الناحية الصحية يعد البحر الميت أكبر منتجع صحي في العالم، فماؤه الغني بالمعادن والأملاح وطينه الأسود يستخدم في علاج عدد من المشكلات الجلدية والتنفسية، إضافة إلى أن هواء المنطقة يحتوي نسبًا جيدةً من الأكسجين مع مستويات منخفضة من المواد المسببة للحساسية.
أما من الناحية السياحية، فيجذب البحر الميت عددًا من السياح الذين يأتون للاستمتاع بتجربة الطفو على سطح المياه والاستفادة من المنتجعات العلاجية المتوافرة، ومن الناحية الاقتصادية يتميز البحر الميت بوجود عدد من العناصر والمعادن التي تدخل في صناعات متعددة؛ مثل البوتاس والبرومين، إضافة إلى ذلك فإن البحر الميت يحمل أهمية دينية وتاريخية كبيرة، فقد ورد ذكره في عدد من النصوص الدينية.
فوائد طين البحر الميت
تشير دراسات وبحوث عدة أجرتها المنظمات الدولية المهتمة بالسياحة العلاجية إلى أن طين البحر الميت يساعد بفعالية في علاج عدد من الأمراض؛ مثل الأمراض الجلدية، ويساعد في الحد من الشعور بالألم والالتهابات؛ لذلك ينصح باستخدامه للتخفيف من أعراض مرض الصدفية.
فقد أظهرت الدراسات أنه عند وضعه على الجلد المصاب بالصدفية يسهم كثيرًا في تخفيف الأعراض بسبب خصائصه المضادة للالتهابات والمقشرة، ويعود ذلك إلى كميات الأملاح والمعادن الغنية التي يحتويها الطين مثل المغنيسيوم والكالسيوم والبوتاسيوم والبروميد، ويستخدم أيضًا في التخفيف من آلام الظهر المزمنة والتهابات المفاصل.
بعض المعلومات عن البحر الميت
يعود تاريخ البحر الميت إلى أكثر من 3 ملايين سنة، وقد ذكر في عدد من المخطوطات والخرائط الحضارية القديمة، ما يجعله يحظى بمكانة حضارية ودينية كبيرة نظرًا لدوره في عدد من الديانات السماوية.
ويعد البحر الميت ظاهرة طبيعية نادرة نظرًا لانفصاله عن أي مسطح مائي آخر، إضافة إلى أن أملاحه ومعادنه الغنية تستخدم في عدد من الصناعات؛ مثل مستحضرات التجميل والعلاجات الصحية.
تعد درجة الملوحة العالية في البحر الميت التي تصل إلى 10 أضعاف ملوحة البحار والمحيطات من العوامل الأساسية التي تجعل الغرق فيه أمرًا شبه مستحيل، فهي تسهم في زيادة كثافة المياه زيادة كبيرة تصل كثافة مياه البحر الميت إلى نحو 1.24 كجم/ لتر، ما يدفع الجسم إلى الطفو على السطح تلقائيًا، حتى الأشخاص الذين لا يعرفون السباحة يمكنهم البقاء بسهولة على سطح الماء، لكن من المهم الحذر من تعرض العينين والأنف إلى الماء تعرضًا مباشرًا، فقد تسبب الملوحة العالية التهابات وتؤثر في التنفس.
يعد البحر الميت ظاهرة طبيعية فريدة بفضل ملوحته العالية التي تجعله أحد أكثر المسطحات المائية كثافة في العالم، ما يمنح الزوار تجربة الطفو الفريدة، ويشتهر بطينته الغنية بالمعادن التي تستخدم في العلاجات الجلدية والتجميلية، وعلى الرغم أهميته السياحية والطبيعية؛ يواجه البحر الميت تحديات بيئية شديدة الخطر، مثل التراجع المستمر في منسوب مياهه نتيجة التغيرات المناخية والاستهلاك البشري للموارد المائية؛ لذلك يتطلب الحفاظ على البحر الميت جهودًا مشتركةً من الدول المجاورة والمنظمات البيئية لحمايته من الجفاف. ويظل البحر الميت وجهة سياحية وعلاجية فريدة تجمع بين التاريخ والطبيعة، ما يجعله أحد أبرز المعالم الطبيعية في العالم.
ختامًا.. يُعد البحر الميت واحدًا من أعجب الظواهر الجيولوجية في العالم، فهو أخفض نقطة على سطح الأرض وأكثر المسطحات المائية ملوحةً، ما يجعله بيئةً فريدة لا تعيش فيها الكائنات البحرية، لكن على الرغم من قساوة بيئته، فهو من أبرز الوجهات العلاجية والسياحية بفضل خصائصه الطبيعية الفريدة وطينه الغني بالمعادن المفيدة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.