الانفراد بالذات.. كيف يساعدك الصمت في الإبداع والتوازن النفسي؟

في أثناء خوض الإنسان غمار لعبة الحياة، لا يسعه غير أن يواكب الحياة اليومية على نسق باقي أقرانه من البشر، فيجد أن زحام الحياة وتداخل الأصوات الخارجية هو أمر لا يروق له في بعض الأحيان، فيبدأ شعور الرغبة في بعضٍ من العزلة والمساحة الشخصية يراوده من حين لآخر.

لكن بمجرد أن تتاح تلك الفرصة ذات مرة يشعر الإنسان بشيء يصدمه، فحينما يجد نفسه هو وذاته والصمت هو صاحبهما الثالث، سرعان ما يبدأ بالبحث مرة أخرى عن شيء يلغي به صمته ويمحي لحظة الهدوء. فما السبب في ذلك؟ ولماذا كثير من البشر لا يستطعيون الانفراد بذاتهم ويسارعون للفرار منها؟

مميزات الانفراد بالذات

للأسف اعتاد كثير من الناس على سلوك الانشغال بالخارج والمحيط والاختلاط بالآخرين معظم وقته، إذ لا يفارقهم سوى عند ميعاد النوم، فحين يلتقي الإنسان بنفسه وينفرد بذاته في صمت، يجد الأسئلة المؤجلة بداخله بدأت تحضر هنا الآن وتتسلل إلى الخارج.

ومن ثم تأتي لحظة عتاب مع الذات الذي كان يتوارى خلف الانشغال الدائم، حتى الإصلاحات الشخصية التي تتطلب لحظة صدق وشجاعة من صاحبها تنهض هي الأخرى من سُبات دام طويلًا، وبالكاد يشعر الإنسان أنه محاصر من عدة عوامل داخلية ترغب في أن يلبي نداءها.

وقد يكون الإنسان غير مستعد في لحظتها لتلك المتطلبات النفسية، فلا يجد أمامه مخرجًا من هذا سوى الفرار إلى أي شيء مادي يشغل وقته، ويعيد الكرَّة ويؤجل الأمر مرة تلو الأخرى. وهنا يمكن أن نتناول المميزات الإعجازية التي تدفع الإنسان للاستمتاع والاستفادة من الانفراد بذاته حتى لا يعود يخشاها مرة أخرى.

الانفراد مع النفس بوابة كبرى تقودك نحو العمق الداخلي 

فبمجرد العبور تستطيع رؤية كهوف الظلام داخلك التي طال انتظارها لتلقي عليها نظرة ذات يوم حتى تتعرف عليها وتعيد إليها نور الوعي من جديد، فتحدث الولادة الذاتية من جديد والتعرف على حقيقتك ومواطن ضعفك التي تتطلب عملك عليها ومواطن قوتك التي تتطلب أن تعززها وتدركها، فتستخدمها، فيتسنى لك الارتقاء ورفع جودة حياتك.

اعرف حقيقتك

وهنا نجد الانفراد بالذات ضرورة روحية وعقلية في مسار حياة الإنسان، وهي ليست عزلة بقدر ما هي رحلة إلى الداخل، حيث يكتشف الإنسان ذاته الحقيقية بعيدًا عن المؤثرات الخارجية التي تشتت الانتباه.

وضوح الرؤية للطريق الصحيح

عندما ينعزل الإنسان ولو مدة قصيرة مقتطعة من يومه، يصبح أكثر وعيًا بأفكاره ومشاعره؛ لأن العقل المشوش بسبب الضوضاء اليومية لا يستطيع مطلقًا تحليل الأمور بصفاء وسكينة داخلية، لكن في الوحدة والاتحاد مع النفس العليا تتبدد الضوضاء وتظهر الرؤية أوضح من قبل، كما لو كانت المياه العكرة تهدأ فتنكشف الحقيقة في الأعماق المجهولة.

الإلهام والإبداع والمعجزات الخفية

إذا ألقينا نظرة داخل مجلدات التاريخ، سنعرف أن أغلب العباقرة والمبدعين كانت لحظاتهم الحاسمة تأتي دومًا في أثناء العزلة الذاتية، وأشهر مثال هو العالم إسحاق نيوتن الذي اكتشف قوانين الجاذبية وهو في عزلته الريفية، وبوذا وصل إلى التنوير، لذلك غير منطقي أن تخشى الوحدة وهي مفتاح بوابة الإبداع، حيث يولد الإلهام من وقت الفراغ الهادئ.

العزلة بوابة الإبداع

التطهير الروحي وقوة اتخاذ القرارات المصيرية

الانفراد بالذات هو سلوك رفيع يمكِّن الإنسان من تصفية الروح من الشوائب العاطفية والعقلية، فكم من أعباء نفسية وأحمال عاطفية يحملها المرء وتثقل  كاهله، لكن بمجرد إتقان فن الصمت والتأمل الداخلي، يمكن للإنسان أن يفرِّغ أحزانه بارتياح كامل، فيعيد ترتيب أفكاره المبعثرة، ويتصل بروحه على نحو أعمق، فيشعر بالونس بذاته.

هذه العملية تعيد التوازن النفسي لأي إنسان، بل تخلق له حالة من السلام الداخلي العارم، فيتذوق طعم النشوة الروحية للمرة الأولى في حياته.

ولا يسعني في الختام سوى أن أخبرك أن الانفراد بالذات ليس هروبًا، بل هو معجزة صغيرة تمنح الإنسان فرصة ليعيد اكتشاف نفسه من جديد، ليستمع لأعماقه ويتواصل مع شتى عناصر الكون على نحو أكثر نقاء، فمن يجرؤ على مواجهة وحدته يعانق أعظم انتصاراته الداخلية.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة