الاستنساخ هو إنشاء نسخة وراثية مطابقة لخلية أو كائن حي باستخدام تقنيات علمية متقدمة، ويعد إحدى أهم وأحدث التقنيات العلمية التي أحدثت ثورة في عدد من مجالات الطب والبيولوجيا، ويُعرف بأنه عملية تُستخدم لإنتاج كائن حي يمتلك نفس التركيب الجيني للكائن الأصلي، وفي السنوات الأخيرة، أصبح الاستنساخ أداة مثيرة للاهتمام في محاولات إعادة الأنواع المنقرضة إلى الحياة، تركز هذه المقالة على استعراض كيفية استخدام الاستنساخ في إعادة الحيوانات المنقرضة وأهمية هذه العملية.
ما الاستنساخ؟
الاستنساخ هو عملية خلق نسخة جينية مطابقة للكائن الأصلي، وذلك عبر تقنيات مختلفة أشهرها تقنية النقل النووي للخلايا الجسدية (Somatic Cell Nuclear Transfer - SCNT)، فيتم نقل الحمض النووي (DNA) من خلية جسدية للكائن الحي المراد استنساخه إلى خلية بيضة مُفرغة مسبقًا من نواتها الوراثية، ما يُتيح لهذه البويضة المعدلة النمو والتكاثر كما لو كانت بويضة مخصبة طبيعيًا؛ لتُصبح كائنًا حيًا جديدًا، ويوجد نوعان رئيسان من الاستنساخ يُشار إليهما غالبًا:
- الاستنساخ التكاثري (Reproductive Cloning): وهو النوع الذي يؤدي إلى إنتاج كائن حي كامل يتطابق جينيًا تقريبًا مع الكائن الأصلي (مثل النعجة دوللي)، وهو النوع المعني عند الحديث عن إعادة الأنواع المنقرضة.
- الاستنساخ العلاجي (Therapeutic Cloning): يتم فيه استخدام تقنيات مشابهة لإنتاج خلايا جذعية جنينية متطابقة جينيًا مع المريض بهدف استخدامها في علاج الأمراض أو تجديد الأنسجة التالفة، وليس بهدف إنتاج كائن كامل.
(ملاحظة: هناك أيضًا الاستنساخ الجيني «النسخ» الذي يُستخدم في المختبرات لإنتاج نسخ متعددة من جينات معينة أو أجزاء من الحمض النووي لأغراض البحث).
الاستنساخ وإعادة الأنواع المنقرضة (De-extinction)
في السنوات الأخيرة، بدأت بعض الشركات والمجموعات العلمية في استكشاف إمكانية استخدام تقنيات الاستنساخ إلى جانب تقنيات وراثية متقدمة أخرى لإعادة الأنواع المنقرضة إلى الحياة، مثل الثايلاسين «الذئب التسماني» والماموث الصوفي.
وتكمن الفكرة الأساسية في استخراج الحمض النووي المتدهور والمجزأ غالبًا من بقايا حيوانات منقرضة، مثل العظام أو الأسنان أو الشعر المحفوظ في الجليد، ثم استخدام هذا الحمض النووي بعد ترميمه وتجميعه لإعادة تكوين الكائنات المفقودة.
تتضمن الطرق المقترحة لتحقيق ذلك سيناريوهات معقدة منها:
- الاستنساخ الكامل (SCNT): وهو يتطلب العثور على خلايا سليمة محفوظة جيدًا تحتوي جينوم كاملًا، وهو أمر نادر للغاية للأنواع المنقرضة منذ زمن طويل، ثم نقله إلى نواة هذه الخلية إلى بويضة منزوعة النواة من أقرب قريب حي، وزراعتها في أم بديلة من هذا القريب.
- الهندسة الوراثية (Gene Editing): وهي الطريقة الأكثر واقعية حاليًا، تتيح للعلماء استخدام تقنيات مثل كريسبر (CRISPR) لتحديد الجينات المسؤولة عن السمات المميزة للكائن المنقرض (مثل مقاومة البرد لدى الماموث) وإدخالها في جينوم أقرب قريب حي (مثل الفيل الآسيوي للماموث).
الهدف هنا ليس استنساخ الكائن المنقرض بالضبط، بل إنتاج كائن هجين يحمل صفاته الرئيسية ويستطيع أداء دوره البيئي.
- التربية الانتقائية العكسية (Back-breeding): محاولة إعادة إظهار سمات النوع المنقرض عن طريق تزاوج انتقائي لأفراد من الأنواع الحية القريبة التي لا تزال تحمل بعض تلك السمات.
الأهمية والفوائد المحتملة لإعادة الأنواع المنقرضة
1. إثراء التنوع البيولوجي واستعادة وظائف النظم البيئية: إن إعادة الأنواع المنقرضة عبر الاستنساخ أو الهندسة الوراثية يمكن أن يساعد نظريًّا على استعادة التوازن البيئي الذي قد يكون فقد بسبب انقراض تلك الأنواع.
ويمكن للحيوانات المنقرضة أن تؤدي دورًا بيئيًّا حيويًّا في النظم البيئية، مثل السيطرة على أعداد حيوانات أخرى أو المساهمة في توازن النباتات، (مثل دور الماموث في الحفاظ على سهوب التندرا العشبية).
2. فهم أعمق للجينات والتطور: يعطينا السعي لإعادة هذه الأنواع و دراسة حمضها النووي فرصة لفهم كيف تؤثر الجينات والطفرات في تطور الأنواع وتكيفها وانقراضها، ويمكن أن يساعد ذلك العلماء في دراسة الوراثة وتطبيق هذه المعرفة في تحسين الكائنات الحية الحالية، سواء في الطب أو الزراعة.
3. يمكن أن يساعد في حفظ الأنواع المهددة حاليًا: يمكن أن تسهم تقنيات الاستنساخ والهندسة الوراثية المطورة في سياق إلغاء الانقراض في استعادة التنوع الجيني المفقود أو تعزيز أعداد الأنواع المهددة بالانقراض الحالية، فمثلًا، يمكن استنساخ أفراد نفيسين جينيًا لزيادة أعدادهم، أو استخدام الهندسة الوراثية لزيادة مقاومة الأمراض لدى الأنواع المهددة. لكن الاستنساخ بحد ذاته لا يزيد التنوع الجيني بل ينسخه.
4. دراسة التغيرات البيئية واندماج الأنواع عبر الزمن: في حال نجاح العلماء في استعادة الأنواع المنقرضة أو كائنات شبيهة بها، ويمكن دراسة كيفية اندماج هذه الحيوانات مع الظروف البيئية الحديثة.
وهذا قد يساعد على فهم كيفية تغير المناخ والعوامل البيئية الأخرى التي أدت إلى انقراضها في الماضي، وربما التنبؤ بتأثيرات التغيرات الحالية.
التحديات الجسيمة والانتقادات الأخلاقية والبيئية
على الرغم من التقدم الملحوظ في تقنيات الاستنساخ والهندسة الوراثية، فإن تحديات عدة وانتقادات تواجه هذا المجال:
1. المشكلات الأخلاقية: هل من الصواب أخلاقيًا إعادة الأنواع المنقرضة؟ هل يمكن أن يتسبب ذلك في أضرار بيئية غير متوقعة؟ هل لدينا الحق في «اللعب بدور الخالق»؟
ما اعتبارات الرفق بالحيوان للكائنات المستنسخة التي قد تعاني من مشكلات صحية؟ هل يجب توجيه الموارد الضخمة لهذه المشروعات بدلًا من الحفاظ على الأنواع المهددة حاليًا؟ بعض العلماء يرون أن هذه العمليات قد تؤدي إلى تأثيرات غير متوقعة على البيئة المحلية، وعلى الأنواع الحية الموجودة.
2. التحديات البيئية: في بعض الأحيان، قد لا تكون البيئات الحديثة قادرة على دعم الكائنات المستنسخة، على سبيل المثال، قد يوجد نقص في الموائل الطبيعية (التي تسببت في انقراضها أصلًا) أو تغيرات بيئية بسبب تغير المناخ والتلوث قد تجعل من الصعب على الأنواع المستعادة البقاء والتكاثر الطبيعي.
3. التحديات الجينية والتقنية صحة وسلامة وجدوى المستنسخات: عملية الاستنساخ ذاتها (SCNT)، لا تزال غير فعالة للغاية (نسب نجاح منخفضة جدًا)، وقد تؤدي إلى مشكلات وراثية وتنموية وصحية خطيرة في الأجنة والمواليد المستنسخة، مثل متلازمة النسل الكبير (Large Offspring Syndrome) ومشكلات المناعة والشيخوخة المبكرة، قد لا تكون الكائنات المستنسخة قادرة على التكيف مع التغيرات البيئية بسرعة مثل الأنواع الأصلية بسبب نقص التنوع الجيني.
أمثلة على مشروعات إعادة الأنواع المنقرضة.. الماموث الصوفي والثايلاسين
تُعد هذه المشروعات حاليًا في مراحل بحثية وتجريبية متقدمة ولكنها لم تنجح بعد في إنتاج أفراد أصحاء قادرين على التكاثر وتكوين مجموعات مستدامة:
- الثايلاسين «الذئب التسماني»: يُعد الذئب التسماني (وهو جرابي وليس ذئبًا حقيقيًا) من أبرز الأنواع المنقرضة في العصر الحديث (آخر فرد مات عام 1936) التي يسعى العلماء لإعادتها باستخدام تقنيات الاستنساخ والهندسة الوراثية، باستخدام عينات الحمض النووي المستخرجة من بقايا الحيوانات المحفوظة في المتاحف، ويسعى العلماء إلى استنساخ هذا الكائن الفريد أو إعادة هندسة أقرب أقربائه الحيين (مثل النمرود أو Dunnart) ليحمل جيناته.
- الماموث الصوفي: يُعد الماموث الصوفي أحد الحيوانات المنقرضة الشهيرة التي تعمل فرق علمية بارزة، مثل مشروع Colossal Biosciences على استعادتها باستخدام تقنيات الهندسة الوراثية بشكل أساسي.
ويهدف العلماء إلى تعديل جينوم الفيل الآسيوي ليحمل جينات الماموث المسؤولة عن التكيف مع البرودة مثل كثافة الفراء وطبقات الدهون وحجم الأذنين، بهدف إنتاج (فيل مقاوم للبرد) شبيه بالماموث، وإعادة هذا الحيوان الهجين إلى الحياة في البرية لمساعدته في استعادة النظام البيئي لسهوب التندرا العشبية في مناطق سيبيريا وشمال أمريكا، حيث كان يعيش في الماضي.
أمثلة أخرى: تشمل الجهود أيضًا طائر الدودو، والحمام المهاجر، والوعل الأيبيري (الذي تم استنساخه لفترة وجيزة عام 2003 لكنه نفق بعد دقائق).
يمثل استخدام الاستنساخ والهندسة الوراثية لإعادة الأنواع المنقرضة تقاطعًا مثيرًا ومعقدًا بين الطموح العلمي، والإمكانيات التكنولوجية، والمسؤولية الأخلاقية والبيئية. ففي حين تقدم لنا هذه التقنيات فرصة غير مسبوقة لتصحيح أخطاء الماضي البيئية المحتملة وإثراء فهمنا للحياة، فإنها تضعنا أمام تحديات هائلة تتعلق بجدوى العملية، وسلامة الكائنات المستنسخة، وتأثيرها غير المتوقع على النظم البيئية الحالية، فضلًا على الأسئلة الفلسفية العميقة حول دور الإنسان في تعديل الطبيعة.
لا تزال مشروعات De-extinction في مراحلها التجريبية المبكرة، وتتطلب نقاشًا مجتمعيًا وعلميًا واسعًا ومزيدًا من البحث الدقيق قبل أن نتمكن من تحديد ما إذا كان إحياء الماضي هو الطريق الصحيح للمستقبل، مع ضرورة التركيز أيضًا وبشكل أكبر على منع انقراض الأنواع التي لا تزال معنا اليوم.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.