الارتحال إلى داخل النفس البشرية

رحلة إلى أعماق النفس البشرية إلى هذه النفس المتمثلة في (الأنا) الأنانية والزائفة التي هي نتاج فكرة خاطئة (هوى النفس)، ولهذه النفس خصائص عديدة مثل التقلب، والتطرف، والعجلة، والتسرع، والتردد، والضعف، والمكابرة، والعناد، والجحود، والتكالب، على جمع الأموال، والعاطفة وانفعالاتها، الخوف، والرجاء، والشح، والبخل.

باختصار عندما تولد النفس تولد المعاناة، والآلام، والآثام، كما أوضح القرآن الكريم في قولة تعالى: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)، أيضًا كما أوضح الحكيم بوذا عندما تولد النفس تتولد معها بناتها الثلاث: الشهوة، والرغبة، والعاطفة.

في رحلة إلى داخل النفس إلى السماوات الداخلية في النفس، هذه الرحلة أخطر من رحلة اقتحام السماوات الخارجية، وتكمن صعوبة هذه الرحلة في أنها لا يوجد فيها معالم ملموسة، ولا أي شيء ماديّ.

الشيء المرعب في هذه الرحلة أن الإنسان يسافر داخل متاهات من الخواطر، والهواجس، والأفكار، وعالم من المجردات في محاولة للإحساس بالإحساس نفسه، وفي هذه الرحلة يحاول الإنسان التعرف على الأنا والأنت، هو الحقائق الكبرى وسر الإنسان الأعظم، فيتعرّف الإنسان على نفسه ومواجهتها والتجرد منها، توصله إلى مرحلة معرفة حقائق عند فاصل الموت، والحياة، فيبتدئ يحسّ بالذي هو أقرب إليه من حبل الوريد.

فكما يقول السادة العارفين بالله من عرف نفسه عرف ربه، فهي تقريب للإنسان لله سبحانه وتعالى، فرب العزة أقرب إلينا من حبل الوريد، فنتعرف على قربه إلى أنفسنا من النظرة الداخلية هذه: (وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ).

هي إذا الرحلة الثانية معرفة الله بعد أن كانت الرحلة الأولى معرفة لأنفسنا، هذه الرحلة هي أفضل الرحلات كل إنسان يجب عليه أن يظل مع نفسه يجب أن ينخلع من كل العالم، ويدخل إلى نفسه في رحلة استكشاف ومحاسبة لنفسه وفهمها.

من غير هذه الرحلة فالإنسان ضائع، فحقيقة الإنسان ليس جسمه المادي فقط، الإنسان واقف بين عالمين، بين العالم المشهود بجسده، وبين عالم الغيب بنفسه، إذا فهو الفاصل بين الشهادة والغيب يتعامل بجسده مع العالم المشهود، والمعقولات، والجزئيات، والماديات، والأحاسيس، وكل الأشياء الخارجية، ويتعامل بقلب قلبه مع عالم الغيبيات.

وهنا تكمن خطورة الإنسان وسره الأعظم أنه كائن مزدوج، مادي في الظاهر، روحاني في الحقيقة، الإنسان يكتشف أول ما يختلى مع نفسه ويدخل في رحلته مع نفسه هذه اللحظة العظيمة، لحظة تعرّف الإنسان على نفسه، ثم تعرفه على ربه هي أعز الرحلات، ونرجو أن يكون لنا نصيب من الرحلتين، رحلة إلى الخارج للتعرّف على هذا الكون العظيم ورحلة إلى الداخل؛ للتعرف على النفس، وعلى الرب صاحب الملكوت.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.