«الأدب.. هو الكيمياء التي تحوّل الحقيقة إلى كلمات، لتخلق بذلك ظاهرة جديدة تُدعى.. الحقيقة الروائية».. شهريار مندي بور.
بهذا الاقتباس العميق، تبدأ رحلتنا إلى عالم الأدب، ذلك الفن الذي يتجاوز سرد القصص ليعيد تكوين فهمنا للواقع والذات، فما معنى الأدب حقًا؟ ومن الأديب، هل هو ذلك الكيميائي الذي يمزج الكلمات ليخلق عوالم جديدة؟ وكيف أصبحت الرواية، على وجه الخصوص، هي القماشة الأوسع لتمثيل هذه الحقيقة الروائية؟
يستعرض هذا المقال هذه المفاهيم الثلاثة المتشابكة، محاولًا فك شيفرة العلاقة بين الواقع والخيال، وبين الكاتب والنص، وبين الفن والحياة.
والأدب اصطلاحًا يعني جملة ما يجب لصاحب الصناعة أو الفن أن يتمسك به، كأدب القاضي وأدب الكاتب، وهو كذا الجميل من النظم والنثر، والجمع آداب، والأدب ليس له تعريف محدد متفق عليه، لكنه في أبسط تعاريفه يعني ردم الهوة بين ما هو كائن.. وما يجب أن يكون، وبشيء من الإيضاح، فإنه أكثر طرائق الكتابة والتعبير رقيًّا، إذ يعني في الأساس بإعمال الخيال وإثارة الشعور والانفعالات، للتعبير عن مجمل عواطف الإنسان وأفكاره وخواطره وهواجسه بأحاسن الأساليب الكتابية، وقليلًا ما يتكئ على دفة العقل والمنطق.
والكلمات كلما لامست كل ما له أثر في حياة الإنسان وأصوله، فأثارت شغف قارئها وأهاجت حماسه؛ كانت أكثر إبداعية، واقتربت من ناصية الأدب الأصيل، وتتنوع أساليب الكتابة الأدبية من النثر إلى النثر المنظوم إلى الشعر الموزون.. لتتيح للأديب فضاءات رحيبة من القدرة على التعبير الابتكاري، ما قد لا يتيحه أي أسلوب آخر معروف، ويتطرق الأدب لأكثر من فن كتابي كالشعر والنثر، والمسرحية والقصة، والمقالة والسير.. إلى آخره.
والكتابة الأدبية والإبداعية خاصة إنما تعنى على نحو مثير بكل ما يخالف معروفات الإنسان ومألوفاته، لكونها على اتصال مباشر بنوازعه ودوافعه الدفينة، والتي ما ترى النور وترتسم في هيئة كلمات.. إلا عندما توافيها لحظة إشراق، أو شرارة إلهام تهز كيان صاحبها، ما يجعل من الكتابة الأدبية ضمن الأساليب الكتابية.. هي الأكثر تفردًا وألقًا ورقيًّا، فضلًا على كونها الأكثر تأثيرًا في ذائقة الإنسان وشهيته القرائية.
«الأدب هو الوسيط الممتاز وربما الأساسي للمعرفة، معرفة العالم ومعرفة الذات، وفي مجتمعات يتم فيها إخفاء الحقيقة وتشويهها وقمعها تصبح وظيفة الأدب هي كشف الحقيقة وفضحها» سيرا قاسم.
الأديب
الأديب اصطلاحًا تعني الحاذق بالأدب وفنونه، والجمع أدباء، والأديب كمعنى شأنه شأن الأدب لا يملك تعاريفًا خاصة ومحددة، سوى أنه المعني بصناعة الأعمال الأدبية، الذي يعمد إلى خلق معانٍ مختلفة بين كل ما هو كائن وما يجب أن يكون؛ لذا فهو يختلف كليًّا وجزئيًّا عن الكاتب، كونه لا يعمل على رصد رؤى الواقع فقط، بل يبحر إلى فضاءات ومديات تضاهي في أغوارها أعماق الكون التي لا يقبلها العقل الواعي المحدود، ليسفر الستار عن رؤى متعددة لا حدود لها، هي في الأصل مخزونة بعقله الباطن طبقة إثر الأخرى، سواء كانت ظاهرة أو أكثر عمقًا.
يقول نابليون: «عماد القوة في الدنيا اثنان، السيف والقلم، فأما السيف فإلى حين، وأما القلم فإلى كل حين، والسيف مع الأيام مكروه ومغلوب، والقلم غالب ومحبوب».
والأديب حين تواتيه لحظة إشراق أو تضربه شرارة إلهام، يهرع إلى أوراقه وكلماته ليخط أكثر المعاني «إبهارًا وصدمة، عذوبة وألقًا، سعادة ونشوة، حزنًا وترحًا... إلى آخره»، بما يكسر نمطية الواقع ومألوفاته، ويفوق أطر الخيال، الأمر الذي يمكنّه من التعبير عن الأفكار العامة المجردة «الفلسفية والدينية والاجتماعية... إلى آخره»، بالرمز والصورة والشخصية، والمواقف المجسدة المحسوسة سواء كانت واقعية أو خيالية، ليكون الأديب بذلك هو الأقدر على إبداء تلك الأفكار المجردة بطريقة أكثر بلاغة وإيضاحًا، ما يمكن قوله بمحض عبارات وجمل مجردة أو مجوفة، فالأديب يضفي على هذه الأفكار حيوية هائلة في قوالب قابلة للتحقق والحياة والتغيّر، دون أن يفقد معانيها الأصلية ثبوتها ورسوخها ووضوحها.
يحاول الأديب الولوج إلى الأسرار الغامضة للحياة، أعني تلك المناطق المخفية إذ يمكن للحقيقة أن ترتدي قناعًا، كون الحقيقة شديدة التعقيد للغاية وتستعصي على النظرة الأحادية، ففي توصيف الرواية على سبيل المثال تقول الروائية لويزا فالنسويلا: «الرواية تعني لي كتابة ما لا تعرفه عمّا تعرفه».
وكذا يقول د. بديع حقي منتصرًا للرواية كونها قماشة عريضة والأجدر بتمثيل الأدب بين الفنون الأدبية: «الرواية إن وُضعت في قرن مع القصة تتراءى لي أشبه برحلة مغامرة مجهولة قد تفضي إلى اكتشاف قارة في متاهات النفس الإنسانية الرحيبة».
لذا فالأمر لا يتعلق بخلطة ثابتة أو مزيج ثابت أو خطوات لا تتغير، وإلا ما قفزت الفنون الأدبية تلك القفزات اللافتة منذ نشأتها وإلى يومنا هذا، فضلًا عن كونها فنونًا ابتكارية شديدة الخصوصية ولارتباطها العميق بالخيال، ولكونها أيضًا لا تعبِّر عن الواقع المحسوس فقط، وإنما تعبِّر كذلك عن واقع آخر لا تحده حدود، يتشاطح في آفاق متفرقة. ولهذا كله فلا يمكن كبح جماح الأدب ضمن معايير ثابتة، سواء نظريات أو مناهج أو علوم إنسانية متجمدة لا تتغير، أو أدبية – إذ إن كل عمل أدبي لا يخضع إلا لمعاييره الذاتية، وإلا ما كان الأدب مؤشرًا للبشرية عن قادم منجزاتها، شأنه شأن كثير من الفنون التطلعية الاستكشافية.
يقول الأديب كارلوس فوينتس: «إن الأشياء التي لا يعرفها الكاتب أكثر أهمية من تلك الأشياء التي يعرفها عند الكتابة، لأن ما نعرفه يبدو ماثلًا أمامنا، أما ما نجهله فسنقوم بفعل تخييلي لنراه أمامنا، وذلك امتياز إضافي دافع للإبداع عند الكتابة».
لذا فالعلم يدين كثيرًا لشطحات الأدب، كونها كانت منذ منشأ هذا الفن البذور الأولى لأكثر منجزات العلم من اختراعات واكتشافات، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان، بل يستحيل، تطويق الأدب وتطويعه ضمن معايير متجمدة لا تذيبها تطورات، ولا تعيد تشكيلها تطلعات وتغييرات، ولا يُستثنى من هذا سوى المعايير الضابطة والحاكمة للتصنيف الأدبي، وتلك التي تتعلق بالأصول والوعاء الإقليمي، كون الأدب الأصيل يبدأ دومًا من البيئة الحاضنة – الإطار، لا من البيئات الغريبة.
أنواع الأدباء بين الواقعي والعقائدي
وعن أنواع الأدباء يقول الدكتور عبد الوهاب حومد: إنهم فريقان:
فريق تسترعي انتباهه واقعة من وقائع الحياة، بطرافتها أو غرابتها، فيعمل فيها فكره، ويتدبر ما تتركه في نفسه من انطباعات، تبدأ جوالة في أرجائها، غامضة في مدلولها، إلى أن تلقّحها العاطفة، ويرويها الخيال برحيق الإبداع، فتأخذ بالتكوّن الرخو، ثم التماسك، حتى تتخذ لوجودها عملًا من هيكل أدبي، يعجبه ويرضى عنه، وبعد ذلك يستقطر نسائم الإلهام، ليصوغ موضوعه شعرًا أو نثرًا، ويدفعه إلى القراء متعة أو عظة؛ لكن المتعة الكبرى من نصيبه هو، لأنه قد مارس ذاته، وأمتع عاطفة الإبداع في نفسه.
وفريق ينطلق من قناعة اقتنع بها، من منطلق غير واقعي، فتصبح له عقيدة وشرعة، يلتزم بها، ويُبشّر بها الناس، أسطورة أو فلسفة – مسبقة الصنع، ومن رجال هذا الفريق ونسائه.. المصلحون والثوار، ومرضى الفكرة الثابتة.
وعلى الرغم أن التصنيف السابق يظهر حقيقة واقعة، فإن كثيرًا من الأدباء والنقاد والفلاسفة، كانوا معارضين وبشدة للصنف الثاني الذي يتجمّد على فكرة ثابتة، كونه صنفًا محدود الرؤية، فالأدب لا يمكن إدراجه أسفل كلمات وإنشاءات فوقية.. مصطنعة وجامدة، فضلًا على أن الأدب عامة، بشتى تنويعاته لا يجب أن تحدّه قواعد سوى القواعد الأساسية المتعلقة بالصنف الأدبي «الشعر، الرواية، المسرحية، القصة القصيرة... إلى آخره»، وعلى وجه التحديد في الأفكار والموضوعات التي يتناولها العمل الأدبي، وطريقة صياغتها لغويًّا وتعبيريًّا وفنيًّا، وإلا تحوّلت هذه الحدود إلى سجون وقضبان لا تختلف كثيرًا عن تلك السجون القديمة التي تناوحت الدعوات لإنقاذ الأدب من ضيق نظرتها وثباتها، وتقويضها لحرية الإبداع، تلك السجون التي أضرَّت كثيرًا بالنصوص الأدبية.
يقول الروائي بوريس باسترناك: «إنني أضيق بنقد الناقدين الذين يدعون إلى الإخلاص المتجدد لوجهة نظر بعينها مهما كان الثمن، إن الحياة من حولنا دائمة التغير والتجدد، وينبغي للمرء أن يحاول تغيير الزاوية التي ينظر منها تبعًا لذلك، في الأقل مرة كل عشر سنوات، وأن التفاني البطولي لوجهة نظر واحدة شيء غريب عندي منكور، وهو أبعد شيء عن التواضع».
تعريف الرواية
الرواية اصطلاحًا تعني: القصة الطويلة، ويقال روى الحديث أو الشعر «رواية»، أي حمله ونقله، فهو راوٍ، والجمع رُواة.
والرواية هي أحد أنواع الكتابات والفنون الأدبية متعددة المهام، فهي فن أو أدب نثري مكتوب وتخييلي، يتسم بالتراكب والامتداد، يتعرض لمجموعة كبيرة من الأحداث «القصص» الواقعية أو الخيالية المتنوعة، والمتسلسلة بسرد نثري طويل، ويربطها فكرة وهدف وخط حدثي واحد، بالشخصيات والمشاهد والحوار والأوصاف، فضلًا على كونها أكبر الأجناس القصصية من ناحية الحجم وتعدد الشخصيات وتنوع الأحداث.
ويتعين الهدف من الرواية، والمهام المرجوة منها، طبقًا لرؤية الكاتب، وفكرته حول استغلال هذا النمط الأدبي لتسعى الأحداث والشخصيات من خلفه. وعلى الرغم من أنه لا توجد قواعد ومعايير موضوعية يمكن الحكم بها على الأعمال الروائية الإبداعية سوى قواعده كونه مصنفًا أو جنسًا أدبيًّا، يمكن تضمين بعض أهداف الرواية فيما يلي:
تعد الرواية وسيلة إبداعية راقية المستوى، لا تعني بكل القواعد أو السقوف التي تحدّ من الابتكار والتجديد في كل ما هو إنساني؛ لذا فهي تعد مناخًا جيدًا لتوليد الأفكار وتخليقها، وإعادة صياغتها.
وتعنى مادة الرواية بصورة أساسية بالإنسان؛ لذا فهي منوطة في المقام الأول بالتعبير عن صراعاته الذاتية، فضلًا على كونها مرآة صادقة للمجتمع، تعمل على معالجة الواقع وإشكالياته الاجتماعية وشتى قضاياه؛ لذا فهي تتعرض للقضايا الإنسانية والأخلاقية والقيمية، والمسؤوليات المختلفة، وتتناول الرواية التاريخ برؤية أدبية وفلسفية تعبّر عمّا وراء الأحداث، ودوافع الشخصيات، وكذا تتناول المعطيات والنتائج بمزيد من البحث والتمحيص شديد العمق، ومتعدد الرؤى.
وهي تعد وسيلة توثيقية فريدة للسيرة الذاتية والأحداث ذات الحيثية، أو الحياة ولحظاتها المكرورة أو الاستثنائية.
الرواية ومهامها المتعددة
والرواية إحدى أهم وسائل التواصل بين الشعوب والحضارات والثقافات، وهي كذلك وسيلة تواصل مهمة بين الأجيال المختلفة، فضلًا على أنها في كثير من الأحيان قد تغدو وسيلة تعليمية وتربوية فائقة التأثير والفعالية. وهي أحد الحصون التي تتكئ عليها اللغة، كونها أحد الوسائل المعنية والمنوطة بحفظها من التشوه والتمسخ، أو الضياع والاندثار.
والرواية معنية بالبحث عن كل ما هو مجهول وغائب ودراسته، لكسر الحواجز النفسية، والإطاحة بالأفكار المسبقة الجامدة، وتعمل على ترسيخ قيم الجِدة والطلاقة، والموازنة بين الكم والكيف في النشاطات العقلية والنفسية والجسدية، ما يُحفّز الإنسان ويدفعه إلى الإنجاز، واتخاذ خطوات فارقة في جميع مناحي حياته: الشخصية، والاجتماعية، والعملية، والروحية.. إلى آخره.
إضافة إلى أنها وسيلة فائقة التميز بقدرتها على الربط الزماني بين الماضي والحاضر والمستقبل، وكذلك الربط المكاني والحدثي والإنساني، فضلًا على كونها مسؤولة عن تماسك العلاقات بينهم. فروح الرواية هي الاستمرارية التي تربط بين الماضي والمستقبل بجميع مُشتملاتهما، حتى لا تصبح أحداث الحاضر محض حوادث عابرة وسط العديد من الأحداث، أي مجرد إيماءة خاطفة تشير إلى الغد.
وتناقش الرواية الفلسفات والقيم التأملية، والتأويلات والتنبؤات، والعلاقات بين بواطن الأمور وجواهر الأشياء، وظواهرها، ما جعلها من أهم الوسائل التي تعتمد عليها بعض العلوم المعنية بالإنسان، كالعلوم الاجتماعية والنفسية، فضلًا على كونها ذات فضل مديد في التنبؤ بأغلب المنجزات الحضارية، والأذون بها، من ابتكارات واختراعات واكتشافات. وهي كذلك تتعرض للعصر الحديث وحضارته وتطوراته المذهلة، ومذاهبه وتوجهاته وقضاياه الراهنة.
والرواية معنية بتحقيق المتعة والتشويق والإثارة والتأثير، وبث الشغف والطاقات الحماسية والرغبة في المغامرة والانطلاق، وقد تجيب الرواية عن كثير من الأسئلة الحائرة في أعماق الإنسان، وتفضّ طاقاته ورغباته المكبوتة، وترسم له علائم طريق بارزة وواضحة، وتساعده على وضع الخطط، وتعيين الأهداف، وتحديد ما يحتاج إليه من جهد وخطوات، وتُبيّن القدرة الإدراكية والاستيعابية عند البشر، وتُبدي أوجه التمايز والفروق بين قدراتهم وتجاربهم.
يقول إيتالو كالفينو: «الأهداف الثمينة في الحياة لا يمكن إنجازها إلا عبر صيرورات بطيئة للغاية».
الروائي أحد أنماط الأدباء، هو فنان بصير مُرهف.. يحس ويرى ما قد لا يراه ولا يحسه الآخرون، يظل عاكفًا باستمرار على تأمل الحياة من حوله، ما يمكنه من اختراق مظاهر الأشياء، والنفاذ إلى ما وراءها. وهو مقاتل عنيد في أشد المعارك ضراوة، يظل ممسكًا بقلمه يصارع في عنف وعناد. سلاحه الصورة، وذخيرته الجملة الموحية التي تحمل في ظلالها زخمًا حادًا، أو طاقة كبيرة مشحونة بمواد قد تكون متفجّرة.
ومن الصورة والجملة تنشأ الكتابة الأدبية الأصيلة، كون الأدب عامة فنًّا يغلب عليه ثقافة الرمز، ليظهر النص في النهاية كلوحة إنسانية راقية خالدة، تحوي صورًا فنية رائعة، لها أبعادها العميقة.. المؤثرة في النفس.
والروائي لديه المفاتيح السرية للكتابة عن الحياة، وعن الذات، أيَّةِ ذات، يعرف أسرار الخلق والإبداع بالكلمات، يعطيها روحًا فتحيا، وصوتًا فتتكلم، وأسلوبًا فتنتظم وتتراتب، ويمنحها أملًا فتحلم، وهدفًا فتسير وتسعى، وإحساسًا فتتصارع وتتضارب.
يستجيب دومًا لنداءات الطبيعة ونداءاته الداخلية، للبحث والاستكشاف، يقف عند الحدود القصوى للأشياء، وينقر جدران المستحيل بحثًا عن معنى وراء اللامعنى، ويقف عند بدايات الأشياء ونهاياتها، بحثًا عن الدهشة أو فرجة تطلّ على هذا الكون الهائل الفسيح الذي لا نكاد نراه.. على الرغم من أنه ما يفصل بيننا سوى قشرة، إذ يصبح الإحساس بالحياة مرادفًا للإحساس بالسعادة.
وللأديب في الرواية الواحدة عدة أدوار، يؤديها بمهارة واقتدار. فهو الروائي صانع الحكاية، وهو الشخصية الروائية بذاتها «الراوي والشخصية والمروى عليه»، بحكم أنه يتقمص شخصية الراوي ابتداءً، فضلًا على كونه يتمثل الشخصية المشاركة في الأحداث، سواء كانت راوية لها أم لا، وكذلك شخصية المروي عليه، ليتعايش بهم في عمق السرد، متحركًا في اتجاه عقدة الصراع. وذلك كله إنما لتحقيق مصداقية هذه الشخصيات والوثوق بها. وهو كذلك القارئ، إذ ينظر إلى الرواية في نهايتها بعين القارئ الناقدة، يحل محله، فيعمل على تنقيحها وسدّ ثغراتها. وعلى الرغم من قيام الروائي بكل هذه الأدوار السالف ذكرها؛ فإن كل شخصية يتقمصها لا تفقد استقلاليتها الفكرية أو النفسية، فهو يذهب إليهم ويتلبّس شخوصهم، ولا يستعملهم أداة للتعبير عن أفكاره هو.
لماذا تعد الرواية الفن الأكثر مرونة؟
يقول دكتور محمد الرميحي: «الرواية هي أحد الأسلحة البشرية لمقاومة كل صنوف الظلم وقهر الإنسان، وقد ارتدت كل الثياب وحملت كل الفلسفات كي تقوم بهذا الغرض، وإذا كان فن الرواية الآن في ازدهار، فلأنها أشد الأشكال الفنية مرونة، وأكثرها ملاءمة لروح العصر الذي تعيش فيه».
تتعدد تعريفات الرواية طبقًا للمنظور الذي تُرى من خلالها، ولقد تضاربت النظريات، وتباينت وجهات نظر الروائيين والفلاسفة حول إعطاء تعريف عام لمفهوم الرواية، إلا أنها جميعًا تصب في معين واحد.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.