كثيرٌ منا يتعرض في وقتٍ ما لأحداثٌ حقًّا يجب أن تُدوَّن، فهي تثبت أن الحياة حقًّا دروسٌ وعِبر، وفيها نتعلم من التجارب والأحداث ونُميِّز بها الصواب من الخطأ، وحينها نوجِّه ميزة الاختيار.. تلك القدرة التي تحدد مجرى حياتنا وتكتب بها أقدارنا، إذ تكمن قوة الاختيار في أن الإنسان مُخيَّر وليس مُسيَّرًا، أو بالأحرى، اختياره هو ما يجعله مُسيَّرًا.
ثم إن وضع الأهداف في عالم الإدارة يضع الناس على طريق النجاح، فصار من عوامل الحكم على المؤسسة الناجحة حسنُ اختيارها لقراراتها. وأيضًا، يوجد علماء أجلاء، لولا أنهم اختاروا النجاح والمواجهة، لما كانت أسماؤهم تتردد في أذهاننا إلى الآن، أمثال (توماس إديسون، ستيفن هوكينج... إلخ).
الاختيار بين الخير والشر
ولكن لكل إنسان عقلٌ مختلف عن الإنسان الآخر يستطيع به أن يُميِّز اختياره من التجارب، ولكن يوجد بعض الناس تعلم الصواب وتفعل الخطأ.
هل هو سوء اختيار، أم أنه مرتبط بأخلاق الإنسان ومواجهته لحياته؟ نتذكر هنا رأي الفيلسوف "سقراط" حين عبَّر عن ذلك بقوله: "الخطأ والأفعال الشريرة يفعلها الإنسان دون أن يعلم، وأن كل عمل شرير يصدر عن الجهل بالفضيلة، لأن الإنسان لا يسعه، إذا عرف الخير، أن يفعل الشر، ولن يفعل الفعل الشرير إذا علم نتائجه."
ولكن، هل يمكن أن يُوضَع الإنسان في موقفٍ معينٍ أو حالٍ من الأحوال تجعله أو تجبره على فعل الخطأ أو الشر، وهو يعلم نتائجه؟!
في أحد الكتب، وردت عبارة تقول: "أنت لم تُصوِّب مسدسك تجاه أحد لأن الحياة لم تضعك في موقف يستدعي منك القتال." ويبقى السؤال: هل حقًّا إذا وُضِع الإنسان في موقفٍ ما، ووُضِع في محل الاختيار بين حياته وحياة شخصٍ آخر يريد قتله، ماذا سيختار؟
بالطبع، سيختار أن يقتل من حاول قتله، حتى ولو علم أن هذا فعلٌ شرير، ولكننا نسمي هذا الموقف "دفاعًا عن النفس"، وأحيانًا في القضاء نحكم لهذا الشخص بالبراءة، لأنه كان يدافع عن حياته.
هل أنت مجبر على الاختيار؟
وتوجد مقولة أخرى تقول: "أنت لم تسرق لأن الحياة لم تجبرك على السرقة." وهذا المثال ينطبق على شخصٍ فقيرٍ معدومٍ لديه أطفالٌ جوعى يريدون الطعام، ولم يكن لديه أي حيلة سوى سرقة رغيف خبزٍ من البائع. ماذا سيفعل؟ بالطبع، سوف يستمع إلى شيطان نفسه ويسرقه، ومع ذلك، يعلم أن السرقة فعلٌ شرير.
ولهذين المثالين، يُعد اختيارهما مناسبًا لظرف حياتهما، ويجعلنا ندرك أن الإنسان مرآة لحياته وبيئته. ولكن أيضًا، كثيرًا ما يختار الإنسان مصلحته حتى لو كان في ذلك ضررٌ لأحد. ولكن يوجد فرقٌ بين شخصٍ يدرك أن هذا الموقف امتحانٌ من الدنيا التي يعيش فيها، فيصبر عليه، حتى لو كان ضعيفًا ومتخاذلًا والموقف صعب التحمل، وبين شخصٍ آخر يختار مصلحته فقط، ولا يُعير اهتمامًا لأحد.
بعض الناس ستجيب بأن الظروف والأحوال خيَّرته بين الضمير والمكانة العالية، فاختار الضمير. وآخر وُضِع بين الأمرين أيضًا، فاختار المكانة العالية، حتى وإن علم أن ذلك سيؤذي أشخاصًا، ومع ذلك، اختار هذا الطريق.
إذن، نصل هنا إلى نقطةٍ مهمة، وهي أن بعض الناس تختار الصواب، حتى لو كان ذلك سيؤذي حياتها، وآخرون يختارون الخطأ لكي يسمو بمكانتهم. والبعض يختار المواجهة ليُصلح عالمه ويسمو بذاته دون فعل الخطأ. قد يكون ذلك صعبًا في البداية، ولكن النجاح مضمونٌ في النهاية.
وهنا نعلم أن طبيعة الإنسان ليست واحدة، وأن بعض الأشخاص يفعلون الخطأ لخِذلان النفس، أو لقلة التوعية، أو بسبب البيئة غير المتزنة والتنشئة الخاطئة، ولذلك تُعد البيئة المفككة، أو المجتمع الذي لم يستقبلهم بالتعليم والرأفة والنشأة السليمة، سببًا في إخفاق الكثير، ولكنه يُعد امتحانًا إلهيًا لكي يستفيد الإنسان من قدرته على ملكة الاختيار.
وأيضًا، لا بد من تفعيل القدرة على تحسين الأخلاق المجتمعية وخلق بيئةٍ نقيةٍ وسليمة، إذ لا يمكن أن تتوفر الفضيلة والأخلاق الحسنة في مجتمعٍ يعمه الفوضى أو يُهمِل القيم دون تفعيلها، وهذا أيضًا يُعد من مسؤولية الإنسان في إصلاح مجتمعه، فهل سيقف متفرجًا يشاهد، أم سيبدأ بنفسه ويؤثر على من حوله؟ وإذا فعل ذلك، فربما لن يكون أحدٌ ليقتله، أو يجبره على سرقة رغيف الخبز.
وفي نهاية المقال، نرجو أن نكون قد أشرنا إلى نقطةٍ مهمة تستحق التفكير والتوجيه إلى الفكر الصائب، وحسن استخدام ملكة الاختيار الإنساني.
مقال جميل تحياتى
شكرا جدا جزاك الله كل خير
احسنتى مقال متميز
الاختيارات الحرة الواعية يتم تحديدها من غير وعى بعقلنا
ولنا الحرية في الاختيار، وفي الوقت نفسه فى كثير من المواقف علينا أن نختار واحدا منهما فى حالة اجبارنا
شكرك جدا استاذتي الفاضلة رأي حضرتك يهمني كثيرا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.