الاحتراق الوظيفي وأعراضه وكل ما يدور حوله

لقد تناولت مجموعة من الدراسات موضوع الاحتراق الوظيفي؛ نظرًا للأهمية الملموسة للموضوع التي ترجع إلى سببين: الأول: انتشار الاحتراق الوظيفي بين كثير من العاملين، وبالأخص في مجموعة الوظائف التي يرتفع فيها الضغط النفسي. أما السبب الثاني فهو حجم الضرر الذي يقع على الفرد والمنظمة جرَّاء الانصياع غير الإرادي للفرد خلف عوامل ومسببات الاحتراق الوظيفي. 

اقرأ أيضًا كيف تعالج القلق الوظيفي؟ 

الاحتراق الوظيفي

ويُعرف الاحتراق الوظيفي (ويُسمى أيضًا الاحتراق النفسى) بأنه: مجموعة من الدلائل السلوكية السلبية التي تبدو على الفرد؛ نتيجة للاستنفاد الانفعالي لطاقات الفرد الجسدية والوجدانية والذهنية؛ نتيجة الأعباء المتراكمة عليه، التي تفوق طاقاته وقدراته الانفعالية، وزيادة متطلبات وأعباء الوظيفة عن الموارد الوظيفية والقدرات الشخصية. 

ويلاحظ في هذا التعريف أن الاحتراق الوظيفي هو حالة سلبية التأثير، تراكمية المسببات، متتابعة المراحل. 

ويختلف مفهوم الاحتراق الوظيفي -أو كما يُسمى الاحتراق النفسي- عن مجموعة المفاهيم المشابهة ومنها الضغط النفسي الذي يعبر عن حالة مؤقتة ترتبط بعوامل عرَضية، وفي حالة استمرار الضغط النفسي مدة طويلة، فإن الأمر سوف يسبب استنزافًا لقدرات الفرد الفكرية والجسدية والوجدانية، وهو ما يُعد من مسببات الاحتراق النفسي. 

ويوجد أيضًا الإجهاد النفسي، وهو حالة تعبِّر عن تعرض الفرد لمجموعة من المواقف التي تتسم بالشدة والقسوة؛ ينتج عنها مجموعة من الضغوط التي تأخذ الفرد للقيام بأعمال تفوق قدرته، وهو ما يسبب الإجهاد الانفعالي، وهو ما يُعد من أسباب الاحتراق النفسي. 

ويوجد أيضًا مفهوم آخر مشابه وهو القلق، وهو يعبِّر عن إحساس شاق أو توعُّك عميق، وهو شعور مُبهم ينتاب الفرد، فيخلق داخله شعورًا بحدوث خطر ما في الأجل القريب، وهو ما يتبعه مجموعة من الأعراض الفسيولوجية. ومع زيادة حدة القلق واستمراره مدة كبيرة يتسبب في الاحتراق النفسي.

وللتعرف أكثر على الاحتراق الوظيفي فسوف نتناول أعراضه. ولقد أشار سيدولاين 1982م إلى مجموعة من الأعراض، مشيرًا أنه نادرًا ما تجد فردًا خاليًا من تلك الأعراض. 

اقرأ أيضًا طرق تقييم الأداء الوظيفي وماهي أهميتة؟ 

أعراض الاحتراق الوظيفي

أ ـ أعراض جسدية

وتشمل مجموعة من الأعراض، مثل الإجهاد والاستنزاف والشعور بآلام بدنية والإفراط في التدخين وشرب المكيفات، وبعض أمراض القلب والصحة النفسية. 

ب ـ أمراض عقلية معرفية

مثل ضعف مهارات صنع القرار، وعدم القدرة على التعامل مع المعلومات والمشكلات، والتشتت، والتفكير المفرط في العمل، وضعف القدرة على الفصل بين المهام الوظيفية والمهام الحياتية. 

ج ـ أعراض اجتماعية

وتُعد من أكثر الأعراض وضوحًا؛ لأن التأثير يمتد إلى علاقات الفرد الاجتماعية مثل حالات زواج الوظيفة، بأن ينسحب الفرد من حياته الزوجية والأسرية إلى حياته الوظيفية، والانسحاب الاجتماعي، وغياب الدور الاجتماعي للفرد، والسخرية والتذمر والمشكلات الزوجية والعزلة الاجتماعية. 

د ـ أعراض نفسية عاطفية

مثل الاكتئاب، والإنكار، وسرعة الغضب، والتبرير، واللامبالاة، وانتقاص الذات، وانتقاد الذات، والاتجاهات المتحجرة، والجدال الشديد. 

هـ ـ الأعراض الروحية

وهنا يصل الفرد إلى حد النهاية، فتزيد الأنا لدى الفرد، وتصبح الأعراض منظمة ودائمة الظهور، ويأخذ الفرد حالة من غياب أو تدني الثقة بالنفس. 

ولقد أشار إسبانيول إلى أن الاحتراق هو مجموعة من المشاعر السلبية التي ارتبطت بروتين العمل، وعدم القدرة على التكيف مع مهامه الوظيفية، كما أوضح أن الاحتراق الوظيفي له ثلاثة مستويات:

اقرأ أيضًا 7 طرق للتطوير الوظيفي.. تعرف عليهم الآن 

مستويات الاحتراق الوظيفي

1-احتراق نفسي معتدل

ويبدو في نوبات قصيرة من التعب والإرهاق الذهني والعضلي والقلق والإحباط والتهيج.

2-احتراق نفسي متوسط

وفيه تزيد المدد الزمنية لظهور الأعراض السابقة الذكر.

3-احتراق نفسي شديد

وفيه تزيد الأعراض لتصبح حالات ملازمة للفرد، ويتبعها مجموعة من الأعراض الجسدية، مثل قرحة المعدة والقولون العصبي والصداع المتكرر، وأعراض نفسية مثل الانسحاب النفسي والعزلة والأرق. 

أبعاد الاحتراق الوظيفي

وتناولت ماسلاش مجموعة من مظاهر وأبعاد الاحتراق الوظيفي ومنها: 

1- بُعد الإجهاد الانفصالي

وفيه يشعر الفرد بالتعب والإرهاق والعجز؛ نتيجة الأعباء والضغوط التي ترتبط بالعمل.

2- بُعد تبلد المشاعر

وحينها ينتاب الفرد شعور بالسلبية واللامبالاة وفقدان الأهمية لما يعمله، وعدم الشعور بالقيمة الإنسانية للأفراد الذين يشاركون الوسط المهني، وتنخفض الروابط الاجتماعية مع جماعات العمل.    

3- نقص الشعور بالإنجاز

وحينها يتحول الفرد إلى انتقاص ذاته، وتقييم نفسه بطريقة سلبية، وعدم الشعور بالرضا عن الذات. 

4- التهكم والسخرية

وحينها يعتاد الفرد على التهكم والسخرية من المنظمة والإدارة والزملاء والرؤساء والمرؤوسين. 

وذكر ماتيسون أن الاحتراق الوظيفي لا يحدث فجأة، ولكن يتضمن مراحل عدة: 

اقرأ أيضًا الذكاء العاطفي والرضاء الوظيفي 

مراحل الاحتراق الوظيفي

1- مرحلة الاستغراق

وفي هذه المرحلة ما زال الفرد يتمتع بمستوى عالٍ من الرضا، ولكنه عُرضة للاحتراق إذا ما حدث عدم اتساق بين ما متوقع لديه وما يحصل عليه فعلًا. 

2- مرحلة التبلد

وتُعد من المراحل التي تمر ببطء، وفيها ينخفض مستوى الرضا لدى الفرد وما يتبعه من انخفاض في معدلات الأداء واللياقة الذهنية والنفسية، ويتوقف التحول على حجم الضغوط النفسية التي يواجهها الفرد وما يمتلكه من قدرات ومهارات للتعامل مع تلك الضغوط.

3- مرحلة الانفصال النفسي

وهنا يدرك الفرد ما حدث، فيبدأ الانسحاب النفسي ويزيد اعتلال الصحة البدنية والنفسية. 

4- المرحلة الحرجة

وهي تُعد أخطر المراحل التي يمر بها الفرد، وفيها يعيش حالة من التراجع النفسي والبدني والسلوكي، ويختل التفكير، ويصل الفرد إلى مرحلة الاحتجاج والانفجار، ويصيب الفرد شعور بترك العمل، وقد يأخذه الأمر إلى إيذاء نفسه بدنيًّا. 

مسببات الاحتراق النفسي

تساعد مجموعة من العوامل في حدوث الاحتراق النفسي وهي: 

 عوامل تتعلق بالوظيفة

1- أعباء العمل الزائدة

وتشمل: 

العبء الكمي

ويعني تحمُّل الفرد كثيرًا من المهام التي يصعب أداؤها خلال أوقات العمل المسموح بها. 

العبء الكيفي

ويُعرف بالحمل الزائد، حيثُ تتعدد المهام والمسئوليات على الفرد على نحو يُمثِّل ضغوطًا جسدية ونفسية. 

2- ضغوط مرتبطة بدور الفرد

غموض الدور

ويعني غموض المهام التي يُطلب من الفرد أداؤها؛ لعدم وجود معلومات كافية، أو احتمالية أن تحمل أكثر من تفسير نظرًا لصعوبة الإجراءات أو نقص التدريب. 

وأحيانًا يسبب زيادة الفاصل الزمني بين أداء المهام ومعرفة النتائج أو عجز الفرد عن معرفة النتائج بعض الضغوط النفسية. 

صراع الدور

يحدث عندما يواجه الفرد مطلبين متعارضين في الوقت نفسه، ويكون الإبقاء على أحدهما على حساب الآخر «كأن يعمل الفرد في إحدى الوظائف ولديه شكوك حول تماشي هذه الوظيفة مع تعاليم دينه أو العادات الاجتماعية». 

3- تقييم الأداء

يؤدي تقييم الأداء أيضًا أحيانًا إلى احتراق نفسي؛ بسبب: 

(أ) عدم عدالة التقييم وهو يمثل عبئًا نفسيًّا. 

(ب) تدني تقييمات الفرد، وهو ما يسبب الشعور بالقلق والخوف من احتمالية فقدان الوظيفة، وهو ما يمثل عبئًا نفسيًّا. 

(جـ) تدني التقييمات مقارنة بأقرانه وزملائه، وهو ما يسبب الإحساس بالعجز وعدم القدرة على الإنجاز. 

4- التغيير

على الرغم من كون التغيير في حد ذاته تجديدًا في الدوافع، لكنه يسبب لبعض الأفراد نوعًا من الإحباط، وبالأخص إذا ارتبط التغيير بتغيير في المكان يتبعه تغيير محل السكن والأصدقاء وزملاء العمل والجيران. 

عوامل ذاتية

1- نمط الشخصية

تختلف أنماط الشخصية من فرد لآخر، فبعض الأشخاص لديهم مغالاة في الطموح وهم أكثر عرضة للاحتراق النفسي، على عكس بعض الأنماط الأخرى لديهم ثقة في النفس وهدوء أعصاب وتخطيط للأولويات والأهداف وهم أقل عرضة للاحتراق النفسي. 

2- النوع

توجد صراعات مستمرة بين الذكور والإناث حول المطالبة بالمساواة، فبعض المجتمعات  ذكورية رافضة لدور الإناث، وعلى عكس ذلك توجد مجتمعات أنثوية رافضة لدور الذكور.

 وأثبتت بعض الدراسات أن الذكور أكثر عرضة للاحتراق النفسي بكثير من الإناث؛ فهم أكثر استجابة للمثيرات والمؤثرات الخارجية. 

3- السن

أثبتت الدراسات أن الفئات العمرية الأقل هم الأكثر عرضة للاحتراق النفسي؛ نظرًا لانخفاض الخبرات والمبالغة في الطموح.

استراتيجيات التفادي والعلاج

تشمل استراتيجيات تفادي وعلاج الاحتراق النفسي ثلاثة جوانب:

 على الصعيد الشخصي

1- إدراك الفرد أعراض ومسببات حدوث الاحتراق النفسي.

2- تحديد الأسباب عن طريق الحكم الذاتي وإدراك الأسباب الفردية. 

3- تحديد الأولويات في التعامل مع تلك الأسباب التي حُدِّدت؛ فمن الناحية العملية لا يمكن التعامل مع تلك الأسباب دفعة واحدة. 

4- تطبيق الأساليب واتخاذ خطوات فعلية في مواجهة الضغوط النفسية، ومنها تكوين صداقات، وإدارة الوقت، وتنمية المهارات، والاعتراف بوجود مشكلة، وممارسة الرياضة. 

5- تقييم الخطوات السابقة للوقوف على مدى فاعليتها أو اتخاذ أبدال أخرى.

على الصعيد الشخصي في مجال العمل

1- القدرة على تحديد الأولويات. 

2- تنظيم الوقت. 

3- المرونة في التعامل مع الغير. 

4- ضرورة مواجهة المشكلات. 

5- وضع برامج زمنية لحل المشكلات. 

6- السعي إلى الاجتهاد وليس الكمال.

 دور المنظمات

1- توفير برامج التدريب المناسبة. 

2- إعطاء المهام بصورة تتناسب مع قدرات الأفراد.

3- تحليل معدلات الأداء والتطور الوظيفي باستمرار. 

4- الاهتمام بالجانب النفسي وتوفير الرعاية الاجتماعية والصحية اللائقة. 

5- توفير فرص للترقي والنمو. 

6- تناسب الأجر مع الوظيفة. 

7- توفير التسهيلات المادية وبيئة العمل المناسبة لممارسة المهام الوظيفية.

دكتوراه فلسفه إدارة الأعمال والتسويق 01279933184

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

مقال رائع و مهم جدا

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

أغسطس 13, 2023, 6:16 ص

شكرا لحضرتك وشكرا على إثرائك المنصه بالعديد من المقالات المتنوعه

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
أكتوبر 17, 2023, 7:35 م - حبيبه محمد صابر
أكتوبر 3, 2023, 11:52 ص - أنور شداد العواضي
أغسطس 17, 2023, 7:47 م - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 9, 2023, 6:21 م - اسامه غندور جريس منصور
يوليو 6, 2023, 4:43 م - عبدالحليم عبدالرحمن
أبريل 25, 2023, 8:24 ص - جوَّك تقني
فبراير 5, 2023, 12:28 م - Eshraq Abdulmalk
يناير 15, 2023, 11:37 ص - زكريا عبد المجيد سرهد
نبذة عن الكاتب

دكتوراه فلسفه إدارة الأعمال والتسويق 01279933184