الإنفلونزا الإسبانية.. حين طال الوباء ثلث سكان العالم

ربما لا يعرف كثير من الناس أن الإنفلونزا الإسبانية ليست سوى وباء انتشر في الثلث الأول من القرن الـ 20، لكن المعلومات والأرقام المرتبطة بهذا الوباء تجعل منه أكثر الأوبئة فتكًا بالبشر من بداية الحياة على كوكب الأرض.

فكيف بدأت الإنفلونزا الإسبانية؟ وأين وصلت؟ ولماذا سميت بهذا الاسم؟ أسئلة نجيب عنها في هذا المقال إجابة مبسطة في السطور التالية.

بداية الإنفلونزا الإسبانية

يوجد اختلاف كبير في تحديد الوقت الذي بدأت تظهر فيه الإنفلونزا الإسبانية قبل أن تتفشى هذا التفشي المرعب، لكن معظم الأقوال تتجه إلى أن فيروس الإنفلونزا الإسبانية قد بدأ ينتشر بين جنود الحرب العالمية الأولى، وفي الشهور الأخيرة من عام 1918، وهو أمر يختلف عليه بعض المؤرخين، لكنه لا ينكر أن الحرب كانت سببًا كبيرًا في نشأة الفيروس وانتشاره.

كان الجنود في نهاية الحرب العالمية الأولى، لا سيما في الجبهة الغربية يعيشون في ظروف صعبة من سوء التغذية والخنادق القذرة التي تعاني الضيق والرطوبة، إضافة إلى الحالة البدنية السيئة التي كان عليها الجنود، فقد ضعف الجهاز المناعي وقلت الرعاية الطبية، ما جعلهم بيئة خصبة لنشأة الفيروس وانتشاره، وبذلك أصيب عدد من الجنود بفيروس الإنفلونزا الإسبانية، وهو ما أكده موقع (لايف ساينس) العلمي في بحثه عن مسألة نشأة الإنفلونزا الإسبانيةوتطورها وانتشارها.

اقرأ أيضا: الضحك والرقص والتعرق.. أوبئة غامضة في تاريخ البشرية

انتشار الفيروس كالنار في الهشيم

كانت أجواء الحرب مناسبة تمامًا لانتشار الفيروس من خندق إلى آخر، فازدياد أعداد الجنود المصابين بالإنفلونزا الإسبانية مع قلة الرعاية الطبية والتكدس الكبير جعل الفيروس ينتشر بين الجنود لينتقل إلى المدنيين المتعاملين مع النطاق العسكري، ثم كانت الكارثة الكبرى عندما بدأ الجنود يعودون إلى منازلهم مع انتهاء الحرب والقتال، ليتفشى فيروس الإنفلونزا الإسبانية في المدن والقرى بين المدنيين.

كذلك فإن كثيرًا من الجنود لم يستطع التعافي من الفيروس، ما جعلهم ينقلونه إلى الآخرين بفاعلية كبيرة، بالإضافة إلى أن الحرب أسهمت في نشأة الفيروس وانتشاره، فقد أدت إلى مقتل عدد كبير من الأطباء ومقدمي الرعاية الطبية في أثناء الحرب، وهو ما جعل مقاومة الفيروس أمرًا صعبًا لقلة عدد الأطباء والممرضين والإمكانات الطبية التي استنزفها القتال والحرب.

اقرأ أيضا: تاريخ الأمراض المعدية ومعلومات عن أول مرض معدٍ مميت

البشر في مواجهة الإنفلونزا الإسبانية

 لم يستطع الإنسان مواجهة الإنفلونزا الإسبانية التي أعلن عنها في مدريد عاصمة إسبانيا في برقية صغيرة أرسلت إلى وكالة رويترز عام 1918، كانت البرقية تتحدث عن مرض غريب قد أصاب الناس في مدينة مدريد، وبدأ ينتشر حيث لم يكن معروفًا من قبل.

لكن هذا المرض الغريب استطاع أن يصيب أكثر من 100 ألف إنسان في مدة زمنية لا تتخطى 15 يومًا، وهو ما يثبت أنه الفيروس الأسرع انتشارًا في التاريخ حتى إنه يتجاوز فيروس كورونا الذي احتاج إلى نحو ثلاثة أشهر للوصول إلى الرقم نفسه.

ومع المحاولات المتعددة لمقاومة فيروس الإنفلونزا الإسبانية، لكنها باءت بالفشل كلها، فقد أصاب انهيار كبير الخدمات الطبية نتيجة الأعداد الكبيرة من المصابين، ما أدى إلى عجز أمكنة تقديم الرعاية مثل العيادات والمستشفيات عن التعامل مع المرض وتوفير الأسرة والاحتياجات البشرية والطبية، حتى وصل المرض إلى الدول المجاورة في قارة أوروبا مثل النمسا وألمانيا والمجر وفرنسا وبريطانيا.

وفي شهر أغسطس من العام نفسه وصل المرض إلى الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا وكندا والسويد ليصبح المرض جائحة بمعنى الكلمة.

اقرأ أيضا: هل تحولت "كورونا" لمجرد أنفلونزا؟

أعراض الإنفلونزا الإسبانية

من الغريب أن الإنفلونزا الإسبانية لم تكن تفرق بين الناس، فقد كانت تصيب الشباب والكبار والأشخاص الأصحاء والمرضى بالإضافة إلى أن الأعراض كانت تشتد وتزداد على الشباب في سن العشرينيات على نحو غريب وغير منطقي، لا سيما عند هؤلاء الذين كانوا يتمتعون بصحة جيدة قبل الإصابة بالوباء، وهو ما يجعل كثيرًا من المؤرخين ينفي أن تكون الحرب سببًا في انتشار الوباء.

أما عن الأعراض المشتركة لوباء الإنفلونزا الإسبانية فهي الصداع الرهيب في منطقة الرأس والإحساس بالتعب والإرهاق والإعياء الشديد في الجسد كله وفقدان الشهية الشديد وآلام المعدة المتزايدة، إضافة إلى السعال الجاف.

وهذه الأعراض تتطور في اليوم الثاني لتشمل العرق الغزير، وبعض الأشخاص كان يصاب بالتهاب رئوي، وأحيانًا قد يصاب بفشل الجهاز التنفسي، وهو أخطر الأعراض التي كانت تؤدي إلى حالات الوفاة.

وأما النصائح التي يجب التعامل بها مع الإنفلونزا الإسبانية فهي تقريبًا النصائح المصاحبة لفيروس كورونا نفسها، كالابتعاد عن التجمعات وتجنب المصافحة، إضافة إلى ارتداء الأقنعة والحفاظ على النظافة الشخصية وتعقيم الأدوات التي تستخدم دوريًا.

اقرأ أيضا: اختبار الإنفلونزا في المنزل At-Home Flu Testing

آراء جديدة عن الإنفلونزا الإسبانية

لأننا نتحدث عن أخطر الأوبئة والفيروسات البشرية التي ظهرت من بداية الحياة على كوكب الأرض، فإن الأمر يعد محل دراسة دائمة.

لذلك فقد توصل المؤرخ الكندي (مارك همفريز) إلى نظرية نشرت عام 2014 في مجلة (ناشيونال جيوغرافيك)، أشار الباحث والمؤرخ الكبير فيها إلى أن المرض أو الفيروس ظهر في بلاد الصين، وهو ما يؤكده من سجلات تاريخية صينيةـ، تتحدث عن نقل نحو 95 ألف عامل صيني إلى المنطقة الخلفية للقوات البريطانية والفرنسية، وهي الجبهة الغربية التي تحدثنا عنها من قبل.

ويؤكد الباحث والمؤرخ الكندي أن هؤلاء العمال الصينيين هم السبب في نشأة الفيروس وانتشاره، ويدعم هذه النظرية بوقائع تاريخية مهمة حدثت في كندا، فقد حجز نحو 3 آلاف عامل صيني من هؤلاء العمال في الحجر الصحي الكندي.

لكن مقدمي الرعاية الطبية في كندا فسروا ذلك الأمر حينها بعده نوعًا من الكسل المرتبط بالصينيين، لكن بعض هؤلاء العمال مات فعلًا في الحجر الصحي، وبعضهم رحل إلى فرنسا عام 1918، وقدم المؤرخ الكندي مجموعة من العينات التي يؤكد بها ارتباط هؤلاء العمال الصينيين بمرض الإنفلونزا الإسبانية.

اقرأ أيضا: طرق الوقاية من الإنفلونزا الموسمية

حقائق وأرقام عن الإنفلونزا الإسبانية

مع وجود تضارب كبير في الأرقام عن ضحايا الإنفلونزا الإسبانية التي تشير في المتوسط إلى أن نحو 500 مليون إنسان قد أصيبوا بفيروس الإنفلونزا الإسبانية، وهو ما كان يعادل ثلث سكان العالم في ذلك الوقت، لكن الرقم الأسوأ هو عدد الأشخاص الذين ماتوا نتيجة الفيروس، وهو يبلغ نحو 50 مليون إنسان؛ أي يعادل 10% من المصابين تقريبًا.

مع أن الإنفلونزا الإسبانية لم تنشأ في إسبانيا، لكنها سميت بذلك الاسم لأنها كانت أولى الدول التي أعلنت عن الإصابات المؤكدة بالإنفلونزا الإسبانية، وهو أمر يتعلق بالنزاهة والرقابة المفروضة على الصحف في ذلك الوقت، فقد كانت معظم الدول تحت رقابة عسكرية صارمة، لكن إسبانيا كانت دولة محايدة، وعلى هذا كان الإعلان عن الإصابات أمرًا طبيعيًا، لذا سمي الفيروس الجديد باسم الإنفلونزا الإسبانية.

وفي نهاية هذه الجولة التاريخية السريعة في عام 1918 إذ هزت الإنفلونزا الإسبانية العالم الذي كان في حالة صراع وحرب عالمية، فقتلت الملايين، ووضعت الإنسان في حجمه الطبيعي، فقد كان ينشغل كثيرًا بإعداد الأسلحة وتنظيم الجيوش ليتعرض إلى هجوم رهيب ومفاجئ من كائن لا يرى بالعين المجردة.

نتمنى أن نكون قدمنا لك المتعة والإضافة، ويسعدنا أن تشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقال عبر مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة